يكرر "متفاصح" خطأه، وهو يلفظ "لَـغَويّ" (بفتح اللام) بدل لُـغَـوي (بضم اللام)، مع أنه يعرف أن النسبة هي لكلمة (لُـغَة).
صوّبته المرّة تلو الأخرى، وهيهات!
يقول : لَغوي، لَـغويون، لَغويين... حتى ضقت ذرعًا من الأستاذ- وقلت له:
ذكّرتني بمُلحة سبق أن قرأتها.
ذكرتني بما قاله الذكر الحكيم:
{إنك لَـغَويٌّ مُبـِين} – القصص 18
ومعنى الغَويّ الضال المنقاد لأهوائه.
..
ترى، هل سيظل على تكرار فتح اللام؟
...
الشيء بالشيء يُذكر:
ورد في (مجمع الأمثال) للميداني هذا المثل:
لا يَـرى لِـغَوِيٍّ غَـيًّا
يُضرب لمن لا ينكر الضلالة ولكنه يزيّنها لصاحبها.
(هل تذكرون المثل الشعبي: فــ... المليحة ما له ريحة؟)
...
من الشعر الذي أورد (لُـغويّ) أذكر من القديم ما قاله علي الربعيّ:
أمادحَه استيقظْ فشِعرك وافدٌ *** على لُغويٍّ شاعرٍ ناقدٍ نـحْوي
(انتبه لتسكين الحاء، فالخطأ الشائع أنهم يفتحونها، فيلفظون نحَـوي، والصواب: نَـحْـوِيّ).
..
ومن شعر المعاصرين قول علي الجارم:
وهو إن شئت حافظ لُغَـوِي **** كلمات القاموس من كلماتهْ
...
أما (الغَوي)- بفتح اللام- فيحضرني فيه قول عمر بن أبي ربيعة:
أو يكن أمسى تقيًا قلبُه *** فلعَمري إن قلبي لَغَـوي
(أليس هذا الوصف يذكّرنا بما قيل فيه إذ تزامن يوم ولادته ويوم وفاة الخليفة عمر الفاروق= إي حق رُفع، وأي باطل وُضع)؟
..
بقي تخريج واحد للفظة- لَغوي (بفتح اللام)، وهو أن ننسب الكلمة لـ (لَـغا)، واللَّـغا هو القبيح من القول، والفحش، فمن قول الراجز - العجّاج:
ورُبَّ أَسْرابِ حَجيجٍ كُظَّمِ *** عن اللَّغا ورَفَثِ التَكَلُّـمِ...
وأيًّا كان الأمر في معنى الضلالة أو في معنى فحش القول في فتح اللام،
فإن الصواب هو بضم اللام، وأن نقول "لُغوي".
الأجوبة المسكِـتَة/بقلم: ب. فاروق مواسي
جولة أدبية:
..................
ثمة أجوبة قاطعة تدل على ذكاء المجيب وحضور بديهته، حتى يصح التعبير "مُفحِم" أي يجعل السامع على سبيل التشبيه- كالفحم وقد انطفأت ناره.
هذه الأجوبة تسمى "الأجوبة المسكتة"، وقد صدر كتاب ابن أبي عَون تحت هذا العنوان، بتحقيق ابنة الطيبة ( طيبة بني صعب) ب. مي أحمد يوسف- المحاضرة في جامعة اليرموك.
..
هذه الأجوبة ترِد كثيرًا في كتب الأدب القديم، وقد صدر لأبي عيسى الوراق كتاب "الأجوبة المسكتة"، وقد وردت أيضًا بأسماء مختلفة منها "الجوابات المسكتة الحاضرة".
...
كنت اطلعت على كتاب "المستطرَف في كل فن مستَظرَف" للأبشيهي – الباب الثامن، وهو تحت عنوان "في الأجوبة المسكتة والمستحسنة ورَشَقات اللسان وما جرى مجرى ذلك"، ومنه أختار لكم ما سبق أن اخترته في تمرينات كتاب "الجديد في قواعد العربية" للصف العاشر:
"أخذ عبد الملك بن مروان بعض أصحاب شَبيب الحارثي، فقال له:
ألست القائل:
ومنا شريدٌ والبُطينُ وقَعْنَبٌ *** ومنا أميرُ المؤمنين شبيبُ
قال: يا أميرَ المؤمنين إنما قلت- ومنا أميرَ المؤمنين شبيب، وأردت بذلك مناداة لك" – ص 80- وكنت أوردتها ولا أذكر المصدر في حينه:"ومنا سُويْدٌ والبَطينُ...."
...
وثمة قصص طريفة ظريفة أخرى.
من أجوبة الرسول الفصيحة ما جرى من حوار بينه وبين عائشة أم المؤمنين:
- ما عندكِ منها؟ (من الشاة التي تصدقت بها)
- ما بقي منها إلا كتِفٌ.
- كلّها إلا كتفًا.
-أخرجه الترمذي (2470) وأحمد (6/50).
...
مما يذكر في سرعة جواب المتنبي وقوة استحضاره أنه حضر مجلس لوزير، وفيه أبو علي الآمدي صاحب "الموازنة بين الطائيين"، فأنشد المتنبي:
إنما التهنئات للأكْفاء *** ولمن يدّني من البعداء
فقال الآمدي: التهنئة مصدر، والمصدر لا يُجمع.
فقال المتنبي لشخص كان إلى جانبه:
أمسلم هو؟
فأجابه الرجل: سبحان الله! هذا أستاذ الجماعة.
قال المتنبي: إذا صلى المسلم وتشهّد أفلا يقول:
"التحيات"؟
(لسان الميزان- لابن حَجر العسقلاني، ج1، ص 161- ترجمة رقم 511)
جولة أدبية/ بقلم: ب. فاروق مواسي
لن تبلغَ المجدَ حتى تلعَق الصبِرا
.......................................
ثمة أبيات شعرية لا يُهتدى إلى قائلها بيسر، وهي واردة في أكثر من مصدر، ومن هذه الأبيات:
...
دَبَبْتُ للمجدِ والساعون قد بلغوا***جَهْدَ النفوس وألقَوا دونه الأُزُرا
وكابدوا المجد حتى ملَّ أكثرُهم *** وعانقَ المجدَ مَن أوفى ومَن صَبَرا
لا تحسَبِ المجدَ تمرًا أنتَ آكلُه *** لن تبلغَ المجد حتى تلعَق الصَّبِرا
يقول من استشهد بها:
قال هارون بن موسى النحْوي: أنشدنا أبو علي البغدادي......
القفطي- "إنباه الرواة على أنباه النُحاة " (3 / 362 – 363)
...
"أنشدنا"، ولا يعني ذلك أنه من شعره.
ورد في "نفح الطيب" للمقَّـري:
"ومن فوائد الباجي أنّه حكى أن الطلبة كانوا ينتابون مجلس أبي علي البغدادي واتفق أن كان يوماً مطرٌ ووحل، فلم يحضر من الطلبة سوى واحد، فلمّا رأى الشيخ حرصه على الاشتغال وإتيانه في تلك الحال أنشده... (الأبيات)
(انظر: ترجمة القاضي أبي الوليد الباجي)
...
في مصادر أخرى:
"وقال بعض الأعراب"،
"وقال آخر"،
وفي كتاب (مثالب الوزيرين) لأبي حيّان التوحيدي "وقال الشاعر"- ص 93.
وفي (الأمالي) لأبي علي القالي (ج1، ص 113) ورد ما يلي:
قال أبو علي: وقرأت على أبي بكر بن دُرَيد لبعض العرب.....
إذن، فالجواب ليس في "الجيب"، وهو مجهول حتى هنا.
مع ذلك، ومن خلال قراءاتي المختلفة مرّ معي اسم (حَوط بن رِئاب) أنه هو الشاعر، وهو من بني أسد، والنسب يتفق وما ورد في "شرح الحماسة" للمرزوقي أن الشعر لبعض بني أسد، لكني لم أستطع أن أهتدي إلى مصدر لمعلومتي، لذا ظلت أهمية البحث في خلَدي.
...
إليكم مَن كشف اللغز في مدوَّنته، وهو الأستاذ الباحث زاهر الهنائي- الأكاديمي في جامعة السلطان قابوس، وهذا يدل على أن بعض المواقع والمدونات فيها الغَناء.
في مدونة زاهر الهنائي (مارس 2012) وردت هذه القصة التي تشير إلى اسم الشاعر، وأصل الحكاية أقتبسها لكم:
"لا تَحْسَبِ المَجْدَ تَمْرًا أَنْتَ آكِلُهُ *** لَنْ تَبْلُغَ المَجْدَ حَتَّى تَلْعَقَ الصَّبِرا
"كنت قد بحثت عن قائله مدة من الزمن ولما أعياني البحث تناسيت أمره، وذات يوم وأنا أقرأ في كتاب من كتب اللحن اسمه "المدخل إلى تقويم اللسان" لابن هشام اللخمي- صاحب شرح الفصيح المتوفى سنة577هـ وتحديدا في صفحة 111، وجدت البيت يُذكر في معرض الرد على صاحب "تثقيف اللسان"- ابن مكي الصقلي عمر بن خلف المتوفى 501هـ في تخطئته نطق كلمة (صبِر) التي تعني عصارة شجر مرٍّ (القاموس المحيط) بتسكين بائها وحقها الكسر، ويأتي ابن مكي بالبيت شاهدًا على كلامه، ولكنه لم يذكر قائل البيت إذ اكتفى بقوله:
"قال الشاعر"، وكذلك لم يتعرض ابن هشام له.
..
من حسن الحظ أن يوثق المحقق الأستاذ الدكتور حاتم الضامن البيت، فيشير إلى قائل البيت أنه (حَوْط بن رئاب الأسدي)، ويذكر المصدر الذي ورد فيه القائل وهو "سِمط اللآلئ في شرح أمالي القالي" للبَكري تحقيق عبد العزيز الميمني الراجكوتي توفي سنة 1399هـ/ 1978م. [.. .......]
فلما أتى البكري على هذه الأبيات وهو في معرض شرحه للأمالي ذكر القائل، بدأت أبحث عن هذا الشاعر فوجدت في "الأعلام" لخير الدين الزَرِكْلي المتوفى سنة 1976م ترجمة موجزة عنه، وذكر أنه شاعر مخضرم اشتهر بأبي المُهوِّش (هكذا ضبطه بكسر الواو) توفي سنة 15هـ، [.......].
وفي الهامش من الأعلام يرجع إلى "سمط اللآلئ" للبكري، و"الوحشيات" لأبي تمام، و"الإصابة..." لابن حجَر.
رجعت إلى "الوحشيات" وهو الحماسة الصغرى لأبي تمام المتوفى سنة 231هـ بتحقيق عبد العزيز الميمني، فوجدت أن أبا تمام أورد لأبي المهوش حوط بن رئاب الأسدي بعض أبيات لا تزيد على الستة حيث أورد قطعة من خمسة أبيات مع ذكره للبيت الأول رواية أخرى، ولم يورد الأبيات الثلاثة، وفي الهامش يقول المحقق:
" خرجناها بما لا مزيد عليه في السمط"، ولا أنسى أمر ضبط كنية الشاعر في "الوحشيات" فقد ضبطت بفتح الواو (أبو المهوَّش) في حين أن صاحب الأعلام ضبطها بالكسر، وفي "الإصابة..." لابن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852هـ ذكر ما نصه: " حوط بن رئاب الأسدي الشاعر: ذكر أبو عبيد البكري في شرح الأمالي : أنه مخضرم، وهو القائل:
ونَيت للمجد والساعون قد بلغوا * جهد النفوس وألقوا دونه الأزرا
[......]، وقد رأينا أن رواية البيت الأول : (دببت...) في أمالي القالي، وقد أورده في الإصابة: (ونيت...)، [ .....]
بعد هذه التطواف نخلص أن البيت لأبي المهوّش حَوط بن رئاب الأسدي اعتمادًا على البكري في سمطه، وأن صواب قراءته أن نكسر باء (الصبِـرا)، لا أن نسكنها، إذ معنى الصبِر هنا عصارة شجر مرٍّ ومِنْ ثَمَّ هو يُلعق، ولا مجال لـ(الصبْر) في البيت معنى ووزنًا."
....
من الجدير ذكره أن شاعرًا عُمانيًا عاش أول القرن العشرين يُدعى سعيد بن مسلم وكنيته أبو الصوفي كان كاتب السلطان فيصل بن تركي، وله ديوان مطبوع- استخدم أبيات حَوط دون أن يُشار إلى ذلك في تخميسه:
ما بالهوينا ينال المجدَ آمله *** منيعة صعبة المرتقى منازله
لا يدرك المجدَ من لانت مآكله *** لا تحسب المجد تمرًا أنت آكله
لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبِرا
....
وأخيرًا،
يذكرني البيت بآيتين كريمتين تريان وجوب الامتحان والابتلاء، فليست الأمور تؤخذ بيسر وبهينة، إذ يقول تعالى:
{أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب} (البقرة:214)
وفي آية أخرى من (سورة العنكبوت 2):
{أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون}؟
(هل) وأحكامها
أ فاروق مواسي
......................
( هل) حرف استفهام مختص بالتصديق الإيجابي (أي يطلب أن يكون الجواب ب، (نعم) ومرادفاتها، أو (لا) وما في معناها، ويُستثنى من ذلك الاستفهام البلاغي).
نحو:
هل تتابعون صفحتي هذه؟
,,,,
لا يصح استعمال (هل) في الجمل التالية:
1- الجملة المنفية، فلا يصح القول: هل لم يعد؟ والصواب – ألم يعد؟
2- الجملة الشرطية، فلا يصح أن نقول: هل إذا حضر الصديق نرحب به؟
بسبب احتمالية الحكم في الحضور وعدمه، فالصواب استخدام همزة الاستفهام.
3- الجملة المؤكدة بـ (إنّ)، فلا يجوز أن نقول: هل إن الحج فريضة؟ ذلك لأن (إنّ) تأكيدية وتقرير لواقع.
4- إذا لم تكن بمعنى الاستقبال، فلا يصح لنا القول: هل تذهب الآن؟ والصواب استخدام الهمزة.
5- إذا كان الجواب بتعيين أحد اثنين، فلا نقول: هل محمود ناجح أم محمد؟ والصواب استخدام الهمزة، والسبب أن الجواب يتركز على تعيين الشخص، وليس على الحكم (النجاح) نفسه،
و(هل) هي حرف تصديق، والحكم يكون فيها غير معلوم، وإلا لم يُستفهم عنه بها، وحينئذ يؤدي الجمع بين (هل+ أم) إلى التناقض.
..........
في علم المعاني نجد أن (هل) تكون استفهامًا بلاغيًا فلا نجيب هنا بنعم أو لا، ذلك لأنها تدل على معانٍ منها:
* معنى (قد)- تحقيق، نحو: {هل أتاك حديث الغاشية}- الغاشية 1،
و{هل أتى على الإنسان حين من الدهر...}- الإنسان 1، ومن المفسرين من يراها للتقرير.
* للتقرير والإثبات: {هل في ذلك قسم لذي حِجر}- الفجر 5.
ولدى بعض المفسرين هي بمعنى التمني.
* بمعنى (ألا) – {هل ننبّئكم بالأخسرين أعمالا}- الكهف 103
* بمعنى الأمر: {فهل أنتم منتهون}- المائدة91.
بمعنى الطلب أو الدعوة: {هل لك إلى أن تزكّى}- النازعات 18
...
وفي الشعر:
بمعنى النفي-
هل الدهر إلا ساعةٌ ثم تنقضي *** بما كان فيها من بلاء ومن خَفضِ
وثمة معان أخرى تُفهم من السياق.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net