غيداء ريناوي زعبي في مقالها:
لم أنظر يوما للرجل على كونه ندّا لي بل شريكا في مضامير العمل الشريف
نجاحي وعدد من النساء الزميلات في المناصب الإدارية لمؤسسات المجتمع المدني تحوّل ليصبح نموذجا يحذى به ويدفع بالنساء العربيات نحو الخوض في هذه المجالات أكثر
تمتاز المرأة العربية العصرية اليوم، في اسرائيل تحديدا، بقدرتها العالية على تقدير ذاتها الانسانية قبل كل شيء، حيث أن قاموس مجتمعها وشعبها اللغوي يتمركز في مفاهيم الحرّية والتحرّر والعصاميّة والمسؤولية نحو تحقيق الذات الفردية والجماعية
"أُريد رائحة القهوة أُريد خمس دقائق. أُريد هدنة لمدة خمس دقائق من أجل القهوة" (محمود درويش)
أحيانا لا نحقق أحلامنا، بل تلبس أحلامنا ثوبا فضفاضا جدّا فنضطرّ لكي نهرب من برد الفشل أن نضاعف نجاحنا ليناسبنا ثوب الحلم فيحقّقنا ونصبح نموذجا للنجاح من حيث لا نعلم.
أنا غيداء ريناوي زعبي، أعمل اليوم مديرة لمركز إنجاز لدعم السلطات المحلّية العربية، أذكر طفولتي جيّدا، الأخت الكبرى لثلاث شقيقات وشقيق، كنت تلك الفتاة الخجولة الهادئة، صديقة الكتاب الدائمة. وصدقا لا أعلم متى تحديدا تحوّلت الصحفية الصغيرة الحالمة لمديرة مركز يقدّم الدعم والإرشاد لمجتمع عربي، في غالب حيزه العام يتمثّل برؤساء السلطات المحلّية. إلّا أنّني أدرك جيّدا أن هذا التحوّل بدأ يصنعني منذ سنوات التعليم الأكاديمي، حيث انتقلت خلال تعليمي الجامعي للسكّن في القدس اي ما يبعد عن بيت أهلي في الناصرة مسافة 200 كيلومتر. كان لهذه الفترة التأثير الأكبر في بناء شخصيتي الاستقلالية والقيادية.
في عام 2008 قررنا إقامة مركز إنجاز، ذلك بهدف بناء جسم مهنيّ ينبثق عن الجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية -التي عملت بها حتى حينه - ويعمل على مواكبة قضايا السلطات المحلّية بمهنيّة وشفافية. لا زالت تفاصيل اجتماعنا الأول مع رؤساء السلطات المحلّية محفورة في عقلي ومخيّلتي، يومها قدم الحاضرون ليلتقوا في الحقيقة برئيس مجلس الإدارة السيد شوقي خطيب بحكم منصبه في رئاسة اللجنة القطرية دون إدراكهم الفعلي لكوني المدير العام للمركز، حينها لم يأخذني على محمل الجدّ سوى قلة قليلة منهم، إلّا أنّه بجهودي، مثابرتي ومهنيّتي مع طاقم العمل في انجاز، أثبتنا أنفسنا وسرنا بموكب المركز بخطوات واثقة ومتينة.
في حينه، كان مهما بذلت من جهد منفردة ما كانت طريق السلطات المحلّية -بما تمثّله من بيئة ذكورية -لتشق نحو هذا النّجاح، فاحتجنا لوجود شخصية رجولية تمثلت في رئيس مجلس إدارة المركز لتستقطب التعاون والثقة في العمل، أو تحديدا كان ذلك في البداية لنكسب أذنا صاغية حقّا عند شركائنا في إدارات السلطات المحلّية الرجال، هنا لا بدّ من ذكر الدور الذي شغله السيّد شوقي خطيب حقّا بإيمانه في طاقاتي وجدّيتي ومساندته الكاملة للمركز ولي شخصيا.
من هنا تماما ومن قلب هذه الصعوبات نبع شعوري بالواجب تجاه النساء في مجتمعي، حيث أخذ تجاوبي مع هذه الضغوطات طابعا تمثيليّا ما وذلك لقلة النساء اللواتي شغلن مناصب إدارية حينها، كان لدعم بيئتي المقرّبة ولمسؤوليّتي تجاه ابنتي وابني في خلق واقع ذي فرص أكثر تكافؤا المحرّك الأساس نحو العمل الدؤوب والمخلص، ونحو اثبات الصوت النسائي في أروقة العمل الإداري والتنظيمي.
لم أنظر يوما للرجل على كونه ندّا لي، بل شريكا في مضامير العمل الشريف، بينما كنت أجد دائما حاجة في بذل أضعاف مضاعفة من الجهد الذي يبذله نظرائي من الرجال لأحقق في نهاية المطاف ما كانوا يفعلون، إلّا أنّ نجاحي وعدد من النساء الزميلات في المناصب الإدارية لمؤسسات المجتمع المدني تحوّل ليصبح نموذجا يحذى به ويدفع بالنساء العربيات نحو الخوض في هذه المجالات أكثر، فبتنا اليوم نجد العديد من النساء العاملات في مجالات الاستشارات التنظيميّة والاقتصادية، والتدريبات الإدارية والتسويقيّة، كما بات المجتمع العربي أكثر اصغاء لما تبعثه عيون الحالمات من نور وطاقة.
تمتاز المرأة العربية العصرية اليوم، في اسرائيل تحديدا، بقدرتها العالية على تقدير ذاتها الانسانية قبل كل شيء، حيث أن قاموس مجتمعها وشعبها اللغوي يتمركز في مفاهيم الحرّية والتحرّر والعصاميّة والمسؤولية نحو تحقيق الذات الفردية والجماعية، هذا القاموس ما هو سوى امتداد لهذه القيم التي تعلمنا ممارستها كي ننجو من بيئات العمل التقليديّة بنجاح. ومن هنا فقد تحوّلت مع زميلاتي الرائدات إلى محفّز لتبني قيم تقدّمية وحقوقيّة انسانيّة.
بدوري، كأمّ وامرأة ومديرة إدارية عربية فإنّني أجدني في حالة من النزاع الدائم على أبسط مقوّمات الحياة التي من الممكن أن تبدو مفهومة ضمنا للمجتمع الدولي العالمي، أجدني أحارب من أجل "هدنة لمدة خمس دقائق من أجل فنجان قهوة".
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net