الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 10 / نوفمبر 04:02

بعد 99 عامًا على تصريح بلفور، هل يمكن مقاضاة لندن؟/ بقلم: جوني منصور

كل العرب
نُشر: 02/11/16 10:32,  حُتلن: 12:38

جوني منصور في مقاله:

عملية نزع الشرعية عن السكان الأصليين لفلسطين يتماشى بالتمام مع الرؤى الاستعمارية للمنظمة الصهيونية

المحطات تبين لنا مدى شراكة حكومة الانتداب البريطانية في اغتصاب أرض الشعب الفلسطيني ومنحها لليهود

يُصادف اليوم الثاني من تشرين الثاني – نوفمبر ذكرى مرور 99 عامًا على تصريح بلفور، والذي وقّعه باسم حكومة جلالة ملك بريطانيا وزير خارجيتها ارثر جيمس بلفور. سنلقي الضوء سريعا على أبرز ما في هذا التصريح، ومما لا شك فيه أن هناك حاجة ضرورية وماسة لفهم موسع أكثر لما قصده التصريح، وتداعياته المستقبلية.

وفي هذه العجالة يمكننا ملاحظة ثلاثة محطات تتعلق بهذا التصريح:

المحطة الأولى: الطريق إلى التصريح. وهي عبارة عن الخلفيات التي أدّت إلى تبني حكومة بريطانيا في 1917 مشروع اصدار هذا التصريح بعد سلسلة طويلة من المفاوضات والنقاشات مع قيادة المنظمة الصهيونية التي كان يرأسها في ذلك الوقت حاييم وايزمن، وأيضا داخل أروقة الحكومة ودوائر صنع القرار في أكبر دولة استعمارية في ذلك الحين.

وجدير ذكره هنا إلى أن المنظمة الصهيونية من بعد موت هرتسل في 1904 إلى سنة صدور هذا التصريح قد أدركت ان مطبخ السياسة العالمية وبلورة مصير العالم موجود في لندن فقط. إذ كان هرتسل في سنواته الأخيرة قد أجرى سلسلة من اللقاءات مع ملوك وقياصرة ورؤساء دول أوروبية مهمة ومركزية كألمانيا، وروسيا القيصرية وفرنسا والدولة العثمانية وغيرها بهدف تحقيق فكرة منح اليهود أرضا لإقامة وطنهم المنشود عليه. كان هَم هرتسل في البداية الحصول على أي قطعة ارض كوطن بديل مؤقت ريثما تنضج الفكرة ومن ثم يكون الطلب على فلسطين. لكن رفض قيادات صهيونية في المؤتمرات الصهيونية ابتداء من الأول في 1897 دفعته إلى التنازل عن كل ما هو بديل والتركيز على فلسطين. لكن وفاته لم تنهي مشروعه، فتابعه وايزمن. وما ميّز وايزمن أنه كان عارفا لكل ما كان يجري في أروقة صناع القرار في لندن بحكم كونه محاضرًا في جامعة مانشستر ورئيسا للمنظمة الصهيونية. كل هذه الخلفيات ساعدته في دفع القضية اليهودية لتكون من أولى أولويات بريطانيا في المنطقة، أعني منطقة الشرق الأوسط. ما ارادته بريطانيا هو ترتيب منطقة الشرق الأوسط بحيث تحول دون تحقيق أي خطوة نحو وحدة عربية واحدة في المنطقة. لأن أي وحدة سياسية عربية في المنطقة ستمنع من المشروع الاستعماري الامبريالي البريطاني من تحقيق ذاته. لهذا، فإن إقامة أو تأسيس دولة (وطن قومي لليهود – هكذا سمّته بريطانيا) في المنطقة سيؤدي إلى فصل شمال افريقيا وخصوصًا مصر عن التواصل الجغرافي مع بلاد الشام والعراق الجزيرة العربية.

المحطة الثانية: مضمون التصريح. ويشمل ثلاثة بنود رئيسية وهي: (أ) اعتراف بريطانيا بأن لليهود حق في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين، أي الاعتراف بأنهم شعب له أرض ويجب ان تكون تحت سلطته المباشرة. (ب) وعد حكومة بريطانيا أن تعمل كل ما في وسعها لتحقيق إقامة دولة لليهود. (ج) اعتبار سكان فلسطين الأصليين من العرب عبارة عن طوائف غير يهودية، وأنها – أي بريطانيا – ستحترم حقوقها الدينية والمدنية.

ماذا تعني هذه المضامين الثلاثة"؟

اعتراف بريطانيا بكون اليهود شعب أي له قومية أسوة بسائر شعوب أوروبا. وأنّ لهذا الشعب حقوق قومية مشروعة وتاريخية متجذرة في فلسطين، وأنها ستعمل كل ما في وسعها لتحقيق هذه الغاية. ومن جهة أخرى تعاملت بريطانيا مع الفلسطينيين في فلسطين على قاعدة المبنى الطائفي. أي أنها تبنت مبدأ التفكيك والتمزيق لشعب واحد. وهذه بدون ادنى شك من سياسات الحكومات الاستعمارية التي تعمل دوما على تفكيك وحدة كل شعب يقع تحت سيطرتها واستعمارها. لقد رأت بريطانيا أن سكان فلسطين الأصليين ليسوا وحدة قومية واحدة بعكس ما رأته باليهود. ولقد اعتبرت بريطانيا ان السكان الأصليين يقيمون في فلسطين. ومفهوم الإقامة هو الصفة المؤقتة وليست الدائمة. إن عملية نزع الشرعية عن السكان الأصليين لفلسطين يتماشى بالتمام مع الرؤى الاستعمارية للمنظمة الصهيونية، وهذا ما تنفذه حكومة إسرائيل الحالية، وما نفذته حكومات اسرائيل المتعاقبة.
من جهة أخرى، فإنّ بريطانيا قد نزعت الحقوق القومية الطبيعية للشعب الفلسطيني، وهي حقوق يتمتع بها أي شعب في العالم. في حين انها اعترفت فقط بحقوقه الدينية والمدنية. وهذا ما يثبت فكرة تبني بريطانيا لمبدأ التعامل مع الفلسطينيين على قاعدة التركيبة الطائفية، مستفيدة من هذه التركيبة القائمة في فلسطين ضاربة بعرض الحائط بمبدأ وفعل كون هذه التركيبة لا تعني إلا وحدة الشعب الفلسطيني تحت خيمة واحدة.

المحطة الثالثة: تداعيات التصريح. لقد كان لهذا التصريح الكثير من التداعيات، وفي مقدمتها اعتراف بريطانيا بحقوق اليهود التاريخية في فلسطين، ومن ثم الاعتراف بهذه الحقوق بصورة موسعة في نصوص "صك الانتداب" من العام 1922 والذي صادقت عليه عصبة الأمم في حينه. وهذا يعني نقل الاعتراف بحقوق اليهود من المستوى الخاص ببريطانيا إلى مستوى اعتراف دولي بها. ثم من بين التداعيات لهذا التصريح التزام بريطانيا بتنفيذه من خلال كونها دولة منتدبة على فلسطين. وهذا ما سعت إلى فعله على مدى ثلاثة عقود من الاحتلال البريطاني لفلسطين بين 1918 و 1948.

ففي العام 1948 أعلنت حكومة بريطانيا عن انهاء الانتداب على فلسطين. مخلفة وراءها فلسطين في حالة مهيأة لإقامة دولة يهودية، وحالة مهيأة لتشريد شعب بأكمله عن وطنه.

إن هذه المحطات الثلاث تبين لنا مدى شراكة حكومة الانتداب البريطانية في اغتصاب أرض الشعب الفلسطيني ومنحها لليهود. وان التصريح الذي يُجيز ذلك قد منحته بريطانيا قبل ان تقع فلسطين تحت احتلالها. أي أنها وعدت اليهود بأرض لم تكن قد احتلتها (أو كما أعلنت بريطانيا، أنها حررتها من يد الدولة العثمانية التي كانت حاكمة لها. تستعمل بريطانيا وسائر الدول الاستعمارية إلى يومنا هذا مصطلح "تحرير الأرض والشعب" من حكم ما، في حين انها فعليا هي دولة احتلال).

ومما لا شك فيه أنه آن الآوان إلى قراءة جديدة لهذا التصريح في ظل توفر فرص مقاضاة بريطانيا على مبادرتها وقرارها بإصدار هكذا تصريح. بمعنى آخر، يجب فحص الجوانب القانونية لهذا الغرض. ومن ثم بناء استراتيجية لكيفية التعاطي تاريخيا وسياسيا مع مخلفات وآثار احداث جرت في الماضي، ما يساعد في عملية فهم الواقع الحاصل.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة

.