كنت قديمًا أظن أن (طوبى) كلمة خاصة بالكتاب المقدس لكثرة ما وردت في ترجمة العهدين- القديم والجديد، وخاصة في سفر مزامير مثلاً، لكني ما لبثت أن عرفت أن اللفظة عربية الأصول رغم أن هناك من يقول بأصلها الآرامي أو الحبشي أو العبري.
....
طوبى- هي مصدر من "طيب"، وهي على وزن فُعْلى، كبشرى وزلفى وقُربى.
كان أصلها طُيْبى، فحدث إعلال، إذ قُلبت الياء الساكنة واوًا بسبب الضمة قبلها، كما قُلبت في موسر، مونع، موقن.
لطوبى معان كثيرة، منها الطِّيب، الحسنى والخير والغبطة وقرّة العين –
وفي (القاموس) للفيروزأبادي- "الطوبى مؤنث الأطيب، والغبطة، والسعادة والخير، وجمع طيبة، وهذا من نوادر الجموع".
تعرب (طوبى) مرفوعة على أنها مبتدأ، أو منصوبة على أنها مفعول مطلق، كقولك: سلامٌ لك، أو سلامًا لك!
...
مهما كان المعنى فكلمة (طوبى) مقولة دالّة على الاستحسان، وفيها معنى الدعاء، فطوبى لمن يتابع صفحتي اليومية!
...
قال تعالى:
{الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب}- الرعد، 29.
وردت (طوبى) في تفاسير هذه الآية بالمعاني التي ذكرتها، كما وردت على أنها شجرة في الجنة، ومنهم من ذهب إلى أنها اسم من أسماء الجَنّة.
....
في كتب الحديث الشريف ثمة عشرات من لفظة (طوبى)، ومنها:
"إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء" (صحيح مسلم، كتاب الإيمان- 145).
لنقرأ بعض ما ذكره الشعراء وهم يستحسنون من/ ما يذكرونه:
مجنون ليلى:
طوبى لمن أنت في الدنيا قرينته *** لقد نفى الله عنه الهمّ والجزعا
أبو العتاهية:
لله عاقبة الأمور *** طوبى لمعتبِر ذَكورِ
طوبى لكل مراقب *** لله أواب شكور
ابن المعتز:
وتركتَني وحججتَ معتمرًا *** طوبى لركن البيت والحجر
...
من الطريف أن أذكر قصيدة الشاعر القروي- رشيد سليم الخوري عندما كان في المهجر، ورأى البقر تنعم أكثر من الإنسان في موطنه- بالحرية وبالطعام وبالخيرات، فقال مكرّرًا "طوباك"- يخاطب فيها البقر في كل مقطوعة، ومنها:
طوباكِ سارحة في القفر طوباك *** إن كنت أحسد مخلوقًا فإياك
إن كـنـتِ تخشَـيـنَ مـن أنـيـــــــاب فَتَّاكِ *** طـوبـاكِ، فـالجِلـدُ غـيرُ العِرضِ، طـوبــاكِ!
ذهب بعض علماء اللغة أن (طوباك) خطأ، منهم ابن قتيبة في (أدب الكاتب- ص420) وابن السِّكّيت في (إصلاح المنطق- ص 342)، ولكن (لسان العرب) أجازها، وينسب صحتها كذلك إلى الأخفش: "ويقال: طوبى لك وطوباك بالإضافة"-
انظرمادة "طيب"!