عبد الباري عطوان في مقاله:
الجيش السوري المدعوم بغطاء جوي روسي استطاع استعادة المدينة قبل ثمانية اشهر وانهاء سيطرة "الدولة الاسلامية" عليها
كان لافتا دخول قوات "الدولة الاسلامية" لمدينة تدمر الاثرية، واستيلائها على حقل المهر النفطي، تزامن مع قرب سقوط احياء حلب الشرقية، ودخول قوات "درع الفرات"، وقوات تركية تابعة لها مدينة الباب شمال حلب
اذا صدقت التقارير الاخبارية القادمة من العراق وشمال سورية، فإنه من المفترض ان يكون تنظيم "الدولة الاسلامية" في حال من الإنهيار، بالنظر الى القوى الاقليمية والعالمية العظمى التي تتوحد، رغم كل خلافاتها، على هدف واحد، وهو القضاء عليه قضاء مبرما، ولكن الاخبار التي وردت مساء اليوم السبت تقول عكس ذلك تماما، وتؤكد ان قوات هذا "التنظيم" دخلت مدينة تدمر بعد قتال عنيف مع وحدات من الجيش العربي السوري، واستولت على مخازن اسلحة وذخائر.
الجيش السوري المدعوم بغطاء جوي روسي استطاع استعادة المدينة قبل ثمانية اشهر وانهاء سيطرة "الدولة الاسلامية" عليها، وقالت مصادر المعارضة في حينها ان ما حصل هو "استسلام وتسليم"، أي أن قوات "الدولة الاسلامية" لم تدافع عن المدينة وانسحبت طوعا دون قتال، لكن الوقائع على الارض تنفي هذا السيناريو كليا.
***
هناك مؤشرات مهمة تؤكد ان هذا التنظيم ما زال يملك اسباب القوة، ويحظى "بدعم ما"، ويقاوم بشراسة القوى التي تريد استئصاله على جانبي الحدود في سورية والعراق:
الاول: ان الهجوم الذي شنته قوات مكافحة الارهاب العراقية لاستعادة مدينة الموصل، وهزيمة "الدولة الاسلامية" وبدأ قبل شهرين، يواجه مقاومة شرسة من القوات المدافعة عنها، ودخل مرحلة من التباطؤ بسببها.
الثاني: اعلان اشتون كارتر، وزير الدفاع الامريكي ان بلاده سترسل 200 جندي الى العراق وسورية للمشاركة في المعارك ضد تنظيم "الدولة الاسلامية".
الثالث: تأكيد بيان صادر عن قوات سورية الديمقراطية المدعومة امريكيا بأنها ستبدأ المرحلة الثانية من حملة "غضب الفرات"، من اجل عزل مدينة الرقة، عاصمة "الدولة الاسلامية"، تمهيدا للاستيلاء عليها.
الرابع: اصدار الكونغرس الامريكي قرارا بدعم الجماعات المسلحة في سورية والعراق التي تدعم الحرب الأمريكية ضد تنظيم "الدولة الاسلامية" الارهابي، وهناك تفسيرات اولية لهذا القرار تقول بأن المستفيد الاكبر من هذه الخطوة قد تكون القوات الكردية.
كان لافتا دخول قوات "الدولة الاسلامية" لمدينة تدمر الاثرية، واستيلائها على حقل المهر النفطي، تزامن مع قرب سقوط احياء حلب الشرقية، ودخول قوات "درع الفرات"، وقوات تركية تابعة لها مدينة الباب شمال حلب، مما يوحي ان هاتين الخطوتين جاءا ردا على سقوط هذه الاحياء في ايدي الجيش السوري، واجهاض الاحتفالات التي تستعد الحكومة السورية لتنظيمها في قلعة حلب لهذه المناسبة.
يبدو ان تحولا كبيرا طرأ على المشهد السوري تقف خلفه الولايات المتحدة وحلفاءها العرب الذين شعروا بحرج شديد جراء تقدم التحالف السوري الروسي الايراني في الشمال السوري، واستعادته لكامل مدينة حلب تقريبا، حتى ان وزيري الخارجية السعودي والاماراتي غابا عن الصورة الجماعية لمؤتمر اصدقاء الشعب السوري الذي عقد اليوم في باريس "حردا"، ويقال انهما لم يحضرا المؤتمر اساسا.
***
الصورة لم تعد واضحة تماما، ولكن ما يجري من تطورات متسارعة في المشهد السوري، يوحي بهجوم تركي معاكس لخلط الأوراق، و"استفزاز" الجانبين السوري والروسي، ومحاولة رفع معنويات المعارضة السورية المسلحة شبه المنهارة.
دخول القوات التركية جنبا الى جنب مع فصائل تابعة للجيش السوري الحر مدينة الباب، اختراق لخطوط حمراء كثيرة، وتحد للحكومة السورية، وللاكراد ايضا، فهذه المدينة تبعد حوالي 50 كيلومترا عن احياء حلب الشرقية، وقد تشكل مركز امداد للفصائل الاسلامية المتشددة وحلفائها في ريف حلب، حسب آراء بعض الخبراء.
السؤال الذي يطرح نفسه عن رد الفعل الروسي على هذا الانقلاب المفاجيء في موازين القوى، وخاصة اختراق التفاهمات الروسية التركية في سورية، ومدينة الباب على وجه الخصوص.
روسيا اعترضت رسميا على القرار الامريكي بتقديم اسلحة متطورة للمعارضة المسلحة قد تشمل صواريخ "مان باد" المحمولة على الكتف، ومعدات عسكرية اخرى ذات فعالية عالية تحت ذريعة امكانية سقوطها في ايدي الجماعات الارهابية، فكيف ستترجم هذا الاعتراض؟
نطرح اسئلة لا نملك اجابات لها، ولكن الايام والاسابيع المقبلة ستكشف الكثير، ومرة اخرى نقول ما علينا الا الانتظار.
* نقلا عن الرأي اليوم
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net