تتجه الاوضاع في الاراضي الفلسطينية المحتلة نحو صدام دموي شبه مؤكد. فمفاوضات تشكيل حكومة وحدة وطنية وصلت الي طريق مسدود، والسيد محمود عباس رئيس السلطة الوطنية يستعد لاشعال فتيل المواجهة مع حركة المقاومة الاسلامية حماس من خلال الدعوة لانتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة.
فعندما تنزل قوات الامن في مظاهرات استعراض قوة في قطاع غزة، ويتعرض موكب السيد سعيد صيام وزير الداخلية الي اطلاق نار من قبل مجهولين ، كما توصي اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير بحل الحكومة الحالية واجراء انتخابات مبكرة، فعلينا ان نتوقع الاسوأ، وربما يكون هذا الاسوأ اشتباكات دموية بين انصار الفصيلين المتنازعين اي فتح و حماس قد تتطور الي حرب اهلية طاحنة.
السيد اسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني وصف الدعوة الي هذه الانتخابات بانها دعوة للفوضي، وقال ان الهدف منها هو طرد حكومة حماس من السلطة، بينما ذهب السيد محمود الزهار وزير الخارجية الي ما هو ابعد من ذلك عندما قال ان حركته (اي حماس) لن تشارك فيها.
والسيد الزهار محق في الحديث عن المقاطعة، فما هي الفائدة من اجراء انتخابات اذا كانت نتائجها تصبح ملغـــاة في حال فــوز حزب او حركة غير مرضي عنها امريكيا؟
بمعني آخر، ماذا لو دخلت حركة حماس ، الانتخابات المبكرة وفازت فيها مرة اخري، وقررت تشكيل حكومة باعتبارها الحركة الفائزة.. فهل ستعترف امريكا والدول العربية المتحالفة معها بهذه الحكومة وترفع الحصار عن الشعب الفلسطيني؟ الاجابة بالقطع لا. فالحكومة الامريكية تعارض اسقاط حكومة السنيورة في لبنان لانها حكومة منتخبة، وهي كذلك فعلا، وتؤيد اسقاط حكومة حماس وهي ايضا منتخبة، والاخطر من ذلك تجوّع اكثر من اربعة ملايين فلسطيني عقابا لهم علي انتخابها، فأي نفاق هذا؟
السيد عباس يراهن، بدعوته المتوقعة الي انتخابات عامة مبكرة، علي هزيمة حركة حماس وفوز تحالف تقوده حركة فتح بأغلبية المقاعد في المجلس التشريعي، الامر الذي سيرضي الولايات المتحدة والدول الاوروبية المانحة ويشكل مخرجا من الأزمة الحالية وتبعاتها بما في ذلك انهاء الحصار المالي علي الشعب الفلسطيني.
لا احد يعارض هذا السيناريو، فحركة فتح حركة وطنية قدمت آلاف الشهداء، شريطة ان تتم هذه الانتخابات في ظروف طبيعية، اي ان لا تأتي بعد حصار مالي استمر تسعة اشهر لم يحصل فيها الموظفون علي رواتبهم، فالموظف الجائع الذي لا يستطيع توفير الخبز لعائلته والحليب لأطفاله سيصوت بمعدته الخاوية وليس بعقله او انسجاما مع قناعاته السياسية وطموحاته الوطنية.
المؤسف ان هذا التصعيد من السيد عباس والمجموعة المستوزرة المحيطة به، يأتي في وقت بدأ فيه الحصار المالي يتآكل، وينعكس بطريقة سلبية علي الدول التي فرضته، او التزمت به، عربية كانت او اجنبية. وبدأت تتعالي اصوات توجه انتقادات عنيفة لاسرائيل والادارة الامريكية بسبب تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني والتباطؤ في ايجاد حلول لقضيته. وتمثلت هذه الاصوات بوضوح في لجنة دراسة الوضع في العراق برئاسة جيمس بيكر وزير الخارجية الامريكي الاسبق التي قالت بوجود رابط بين الحل في العراق ونظيره في فلسطين، واتهام الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر لاسرائيل بممارسة سياسة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين في الاراضي المحتلة.
العالم بدأ يقترب من الاعتراف بالديمقراطية الفلسطينية ونتائجها، ويتحرك للضغط علي الدولة العبرية لوقف مجازرها ضد الشعب الفلسطيني، والتجاوب مع القرارات ومبادرات السلام الدولية، وهذا ما يفسر الجولة الجديدة التي يعتزم القيام بها في المنطقة توني بلير رئيس وزراء بريطانيا بتشجيع من الادارة الامريكية.
هذا التحرك الجديد والمفاجئ نحو السعي لإيجاد حل للقضية الفلسطينية جاء بسبب قناعة راسخة مفادها ان خطر الارهاب الذي يهدد العالم الغربي حاليا هو بسبب الظلم الواقع علي الشعب الفلسطيني، واطلاق يد الاسرائيليين لقتله وتجويعه وحصاره ومصادرة اراضيه وقطع اشجاره واهانته بشكل بشع علي الحواجز والمعابر.
السيد عباس والمحيطون به يخططون بحسن نية او بسوئها لتفجير الاوضاع، وتفتيت الوحدة الوطنية والجبهة الداخلية الفلسطينية، وبما يؤدي الي تخفيف الضغوط علي الاسرائيليين، ونقلها الي الجانب الفلسطيني، واظهار الفلسطينيين بمظهر الشعب القاصر غير المسؤول الذي لا يستحق دولة او تقرير المصير.
ما معني احياء اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية بعد ان تحولت عظامها الى رميم، وجرى تجميد منظمتها الأم (منظمة التحرير) على يد السيد عباس الذي جعل من السلطة التي يرأسها المرجعية البديل للشعب الفلسطيني.
فاللجنة التنفيذية التي اوصت باجراء انتخابات مبكرة لا تتمتع بأي صفة شرعية، وانتهت صلاحيتها منذ خمس سنوات علي الاقل، والفصائل الممثلة فيها انقرضت في معظمها، وليس لها اي وجود علي الارض، وغير ممثلة في المجلس التشريعي لانها لم تحصل علي اي مقعد في الانتخابات الاخيرة، مضافا الي ذلك ان نصف اعضائها (اي اللجنة التنفيذية) قد فارقوا الحياة، والنصف المتبقي ينطبق عليهم سن التقاعد منذ سنوات وبعضهم دخل مرحلة الخرف.
الشعب الفلسطيني اذكي من ان تنطلي عليه هذه الخدع والاكاذيب، وبات علي درجة كبيرة من الوعي، وهو الذي قدم آلاف الشهداء والجرحي وعشرات الآلاف من الأسرى، بحيث يدرك جيدا ان المرجعيات الحالية غير شرعية وتنتمي الى زمن الحرب الباردة، وربما الي اهل الكهف.
الحكومة الحالية حكومة منتخبة، وهي ثمرة انتخابات حرة اشاد العالم كله بنزاهتها، وعلى السيد عباس ان يحترم الخيار الشعبي الفلسطيني، وان يقف الى جانب هذه الحكومة مساندا وداعما، ويتصدى لكل الضغوط الامريكية والاسرائيلية بل والعربية التي تريد اسقاطها بالحصار والتجويع.
لا نريد جزائر اخرى في فلسطين، لان السيد عباس ليس خالد نزار، وقوات أمنه ليست الجيش الجزائري، كما ان حركة حماس ليست جبهة الانقاذ، وانما حركة مقاومة تريد تحرير ارض واستعادة حقوق مغتصبة.
انقلاب المؤسسة العسكرية الجزائري على نتائج صناديق الاقتراع ادى الي حرب اهلية استمرت سنوات وخسارة مئة الف مواطن بريء، وتدمير الاقتصاد واغراق البلاد في الديون، وأي انقلاب على الديمقراطية الفلسطينية سيؤدي الى ما هو اخطر من ذلك، لان فلسطين محتلة وحقوق شعبها مغتصبة.
ندرك جيدا ان المقارنة ليست في محلها فهناك فوارق كبيرة بين الجزائر وفلسطين، ولكن القاسم المشترك قد يكون في النتائج، اي الدمار والقتل والحرب الاهلية والخسائر البشرية المترتبة علي اي مصادرة للخيار الديمقراطي الشعبي.
نعم للانتخابات، ولكن في موعدها، وبعد رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني، وانسحاب القوات الاسرائيلية من مناطق الحكم الذاتي، واعادة بناء منظمة التحرير على اسس علمية حقيقية، بحيث تضم حماس و الجهاد وكل الكتل البرلمانية الجديدة كلا حسب حجمه. وانتخاب لجنة تنفـــيذية تعكس واقع القوي على الارض، اما اجراء اي انتخابات قبل تحقق جميع هـــذه الشروط، فانها دعـــوة لحــــرب اهلية واحتراب فلسطيني لا يخدم الا اســـرائيل والمحافظــين الجدد من انصارها في واشنطن.
تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد:
مجموعة تلجرام >>
t.me/alarabemergency
للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >>
bit.ly/3AG8ibK
تابع كل العرب عبر انستجرام >>
t.me/alarabemergency