أمير طاهري في مقاله:
اثنتان فقط من أصل الدول السبع، وهي إيران والسودان، تصف نفسها رسميا بالجمهورية الإسلامية. وهناك ثلاث جمهوريات إسلامية أخرى، هي موريتانيا، وأفغانستان، وباكستان، ليست مدرجة على قرار الحظر الأميركي
ما قام به الرئيس ترامب هو مجرد الإصرار على التنفيذ الكامل لحظر السفر والدخول لمدة 90 يومًا للقانون الذي أُقر في عهد الرئيس جورج دبليو بوش في عام 2002
كما كان متوقعًا، أشعل قرار الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب فرض حظر دخول الولايات المتحدة لمدة 90 يومًا على الزائرين من سبع بلدان ذات أغلبية مسلمة، ردود فعل عنيفة في الكثير من المناطق، بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها.
وحقيقة أن السواد الأعظم من مواطني البلدان المحظور دخول رعاياها هم من المسلمين قد دفع بعضا من المعلقين إلى الزعم بأن قرار الحظر الجديد مناهض للإسلام وبالتالي فهو يشكل انتهاكًا واضحًا لدستور الولايات المتحدة الذي يضمن احترام جميع الأديان.
ولقد ذهب عدد قليل من السياسيين، وأغلبهم من أوروبا الغربية، إلى أبعد من ذلك وعقدوا مقارنة بين ترامب وهتلر وموسوليني. (وبالمناسبة، على الرغم من أن هتلر وموسوليني كانا متشابهين فإنهما كانا مختلفين أيضًا)!
وتحليل خطوة الرئيس ترامب الأخيرة يظهر أن الهستيريا الحالية ليست في محلها المعتبر إن لم تكن سوف ترجع بنتائج عكسية. كما أنه من شأنها أن تمنحنا نظرة متفحصة إلى طريقة عمل الرئيس ترامب في إدارة البلاد.
وأول شيء يلفت الانتباه هو ما إذا كانت تلك الخطوة مناهضة للإسلام فعليًا.
فليس هناك شيء في الأمر التنفيذي الصادر من ترامب يشير إلى أن هذه هي القضية. على الرغم من أن السواد الأعظم من مواطني الدول المعنية هم من المسلمين، وينطبق الأمر التنفيذي الأميركي على مواطني الدول غير المسلمة كذلك.
ولا يستهدف هذا الإجراء مواطني تلك البلدان على هذا النحو، ولكنه معني بجوازات السفر الصادرة عن حكومات تلك البلدان. فإذا كان مواطن هذه البلدان يحمل جواز سفر آخر، كما هي الحالة مع ما يقرب من 4.5 مليون مواطن من مزدوجي الجنسية الذين يحملون جوازات السفر الأوروبية وربما الأميركية، فلن يكون ممن يشملهم حظر الدخول إلى الولايات المتحدة.
ويشكل المسلمون أغلبية تعداد السكان في 57 دولة من أصل 198 دولة في العالم. كما يوجد المسلمون أيضًا في كافة البلدان الأخرى تقريبًا. وهناك في الولايات المتحدة نفسها ما يقرب من 6.5 مليون مسلم، في حين يحمل 4.5 مليون مسلم آخرون حق الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة المعروف إعلاميا باسم «البطاقة الخضراء».
وفي حالة إيران، وهي أحد البلدان السبعة التي يشملها قرار الحظر، هناك ما لا يقل عن 1500 مسؤول من كبار المسؤولين في الجمهورية الإسلامية يملكون حق الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة، وفقًا لبيانات المجلس الإسلامي في طهران. وأبناء الكثير من المسؤولين الإيرانيين هم من بين 16 ألف مواطن إيراني ممن يدرسون في الجامعات الأميركية.
والدول التي يشملها القرار الرئاسي الأميركي هي: إيران، وسوريا، والسودان، والصومال، وليبيا، واليمن، تمثل نسبة لا تتجاوز 10 في المائة من إجمالي تعداد سكان العالم من المسلمين.
وأي من الدول الخمس من بينها التي تضم أكبر عدد من المسلمين على مستوى العالم، وهي الهند، وإندونيسيا، وبنغلاديش، وباكستان، ومصر، ليست مدرجة على قوائم الدول السبع غير المرغوب فيها.
واثنتان فقط من أصل الدول السبع، وهي إيران والسودان، تصف نفسها رسميا بالجمهورية الإسلامية. وهناك ثلاث جمهوريات إسلامية أخرى، هي موريتانيا، وأفغانستان، وباكستان، ليست مدرجة على قرار الحظر الأميركي.
والدول السبع قد شملها قرار الحظر بسبب التهديدات التي من المفترض أن تشكلها على أمن الولايات المتحدة. وسواء كان هذا التهديد حقيقيًا من عدمه، فإنها قضية يمكن سحبها للمناقشة في وقت لاحق، ولكنه طرح يبدو من المعقول لعدة أسباب.
بالنسبة لإيران، على سبيل المثال، كانت في حالة حرب ضد الولايات المتحدة منذ عام 1979 عندما اقتحمت مبنى السفارة الأميركية واحتجزت الدبلوماسيين رهائن، وهو من أسباب إعلان الحرب وفقًا لنصوص القانون الدولي.
ومنذ ذلك الحين، تعقد طهران مؤتمرًا دوليًا يحمل اسم «نهاية أميركا»، ويحضره عدد من الشخصيات والجماعات التي، ولجملة من الأسباب المتنوعة، يسعون إلى تدمير الولايات المتحدة.
والعراق مدرج أيضًا على قائمة الحظر الأميركية، على الرغم من العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة. والسبب هو أن تنظيم داعش الإرهابي لا يزال يسيطر حتى اللحظة على ثلاث من المحافظات العراقية إلى جانب ثالث أكبر المدن العراقية وهي الموصل.
وفي عام 2015، أعلنت السلطات العراقية في بغداد أن التنظيم الإرهابي صادر الآلاف من جوازات السفر العراقية التي قد يستخدمها في إرسال الكثير من المتسللين إلى دول في الخارج.
وفي موقف يتسم بمزيد من الخطورة والتعقيد من الأوضاع العراقية، تأتي سوريا التي تعاني من مشاكل مماثلة. فهناك، أيضًا، لا يزال تنظيم داعش الإرهابي يسيطر على أجزاء من الأراضي والأقاليم السورية ويمتلك عددًا غير معروف على وجه التحديد من جوازات السفر السورية المسروقة.
وفي ليبيا، يستقر تنظيما القاعدة وداعش والجماعات الموالية لهما في مناطق تفوق مساحتها دولة سويسرا، والكثير من المستنقعات المجازية التي تنشأ وتتربى فيها سلالات الإرهاب الخبيثة.
وفي السودان، موئل زعماء تنظيم القاعدة وغيره من الجماعات الإرهابية لعقود مضت، استضافت الدولة المؤتمر الإسلامي الشعبي الذي انتخب مجلسًا من تسعة رجال مكلفين بمهمة شن النسخة الخاصة بهم من «الجهاد» في جميع أنحاء العالم.
ومنذ ذلك الحين، تغير السودان وهو يحاول النأي بنفسه عن الجماعات الإرهابية. ومع ذلك، فإن الجماعات التي اتخذت لنفسها موطئ قدم هناك منذ عقود لا يمكن اجتثاث جذورها في غضون أعوام قليلة.
وفي اليمن، يسيطر تنظيم القاعدة على أجزاء من أراضي البلاد، بينما شنت الميليشيات الحوثية، المدعومة من إيران، هجومين على الأقل على القطع البحرية العسكرية الأميركية في عام 2016،
وليست قائمة الدول السبع هذه من بنات أفكار الرئيس ترامب.
بل إن الأمر يرجع إلى إدارة الرئيس السابق باراك أوباما في عام 2016، وجاءت القائمة في صورة نسخة جديدة من قائمة الدول الراعية للإرهاب الدولي التي صدرت إبان إدارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش في عام 2002. وفي العام نفسه، مارست إدارة الرئيس بوش الضغوط من أجل تعديل القسم رقم 306 من قانون الهجرة والجنسية الأميركي بغية فرض الحظر الشامل على السفر من جانب مواطني الدول السبع المدرجة على القائمة الحالية بوصفها قائمة الدول الراعية للإرهاب الدولي. ومنح التعديل الجديد للرئيس الأميركي حق الإعفاء من تطبيق قرار الحظر وقتما يشاء، الأمر الذي استخدمه الرئيسان بوش وأوباما على نطاق واسع.
وما قام به الرئيس ترامب هو مجرد الإصرار على التنفيذ الكامل لحظر السفر والدخول لمدة 90 يومًا للقانون الذي أُقر في عهد الرئيس جورج دبليو بوش في عام 2002.
وتضم القائمة الأصلية للدول الراعية للإرهاب الدولي كلاً من كوبا وكوريا الشمالية بدلاً من سوريا واليمن.
وفي تلك الأثناء، كانت سوريا تعتبر من حلفاء الولايات المتحدة. وبين عامي 1992 و2002 قام ثلاثة من وزراء الخارجية الأميركية المتعاقبين بإجراء 29 زيارة رسمية إلى العاصمة السورية دمشق. وفي ذلك الوقت، كانت الولايات المتحدة تعتبر اليمن، تحت رئاسة علي عبد الله صالح، من الحلفاء. وبعبارة أخرى، فإن التغيرات في الظروف السياسية الأمنية من شأنها إحداث التغيير في نظرة واشنطن وموقفها حيال الخصوم والأصدقاء.
وفي العام الماضي، قام الرئيس أوباما بزيارة إلى العاصمة الكوبية هافانا، وبالتالي كان لزامًا عليه رفع اسم كوبا من قائمة الدول الراعية للإرهاب الدولي. كما عمل أوباما على رفع اسم كوريا الشمالية من قائمة «الدول ذات الاهتمام الخاص» على افتراض واقعي بأنه ليس هناك أحد من أبناء هذه الدول لديه الرغبة الحقيقية في زيارة الولايات المتحدة لأغراض السياحة أو العمل.
تعهد الرئيس ترامب، خلال حملته الانتخابية، بفرض حظر مؤقت على كافة المسلمين الراغبين في السفر إلى الولايات المتحدة. وكل ما تمكن فعلاً من عمله هو، رغم كل شيء، فرض الحظر المؤقت على مواطني عدد صغير من الدول المسلمة.
وبمعنى من المعاني، فلقد تصرف الرئيس ترامب بأسلوب التظاهر بالعمل المفضل لدى أوباما، حيث يتخذ قرارًا يبدو كفقاعة كبيرة وهائلة، ولكنه يتبدى بعد فترة وجيزة من الوقت لأن يكون شيئًا عاديًا.
كانت أصالة وجدارة أوباما وهمية. فهل سوف يتحول تظاهر ترامب إلى شيء أصيل؟
نقلاً عن الشرق الأوسط
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net