روزانا بومنصف:
البراغماتية لدى المملكة السعودية هي التي أتاحت مقاربة التطورات الاخيرة في لبنان خلال الاشهر الثلاثة الماضية من هذه الزاوية
الاسئلة يطرحها هؤلاء السياسيون تبعا للكباش القوي حول قانون الانتخاب الذي لا يخفي أحد من السياسيين انه محاولة لتحديد كل الاحجام لكل الافرقاء على نحو مسبق باستثناء هامش ضئيل جدا
مع المنحى التصاعدي والتصعيدي لإدارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب في اتجاه ايران، في مقابل احتمال كبير لعودة الحرارة السابقة الى العلاقات الخليجية - الاميركية في ظل الاتصالات التي اجراها ترامب بزعماء دول الخليج، لم يخف بعض السياسيين خشيتهم أن يتخذ الاعداد للانتخابات النيابية منحى أكثر تشددا، انطلاقا من جعل لبنان ساحة من ساحات المواجهة ولو السياسية بين الولايات المتحدة وايران. وتفيد معطيات هؤلاء أن المسؤولين الاميركيين الذين يعرفون الوضع اللبناني يحمّلون ادارة سلفهم باراك اوباما مسؤولية عدم بذل جهد من اجل عدم وقوع لبنان في الفلك الايراني، لا بل الذهاب حتى الى الاقرار بنتائجه، ولو ان الكثير من المسؤولية تحمّل في هذا الصدد لقادة قوى 14 آذار الذين لم يكونوا على مستوى التعامل مع كل التحديات التي واجهت البلد، علما ان هؤلاء تركوا من دون اي دعم معنوي سياسي خارجي في مقابل الدعم التي وفرته ايران للافرقاء الآخرين. والاقرار راهنا بنتائج التسوية التي ادت الى انتخاب العماد ميشال عون وتأليف حكومة برئاسة الحريري يفيد بالتعامل مع الامور من باب الامر الواقع، تماما كما تم التعامل مع الامر الواقع السياسي الذي فرضته ظروف معينة على لبنان بعد إقرار اتفاق الطائف.
ويتردد أن البراغماتية لدى المملكة السعودية هي التي أتاحت مقاربة التطورات الاخيرة في لبنان خلال الاشهر الثلاثة الماضية من هذه الزاوية، خصوصا ان اللبنانيين افتقدوا القدرة على انتخاب رؤسائهم بأنفسهم منذ زمن بعيد، باعتبار ان موقع الرئاسة هو نتيجة تسوية اقليمية ومحلية الى حد كبير، ولم يخرج انتخاب عون عن هذه القاعدة في نهاية الامر، ويمكن ان يكون عبر عن انتصار محور على آخر ايضا لم ينفه أحد. ومعلوم أن اعتبارات اخرى تتصل باعادة ترتيب البيت السني في لبنان واعطاء الاعتدال دفعا من ضمن هذه الطائفة، واستيعاب الوضع اللبناني كما كان يتم استيعابه إبان الوصاية السورية، وهذا ما يعتقد سياسيون كثر أنه على جدول الانفتاح السعودي. وإذا كانت الانتخابات النيابية بإقرار كل الافرقاء السياسيين أكثر أهمية بأشواط من موقع رئاسة الجمهورية على صعيد التوازنات، ليس المحلية فحسب بل الاقليمية ايضا، فمن غير المستغرب ان يكون الكباش حول القانون العتيد للانتخابات وما يمكن ان يسفر عنه على صعيد هذه التوازنات محور كباش ضار وقوي، جعل سياسيين كثرا، وزراء ونوابا، يستبعدون امكان التوصل الى قانون انتخاب جديد، ولو ان العناوين الداخلية حول حصص الافرقاء والطوائف هي التي تطغى في واجهة النقاش حول قانون الانتخاب. والواقع أن خلط الأوراق الذي حصل وأدى الى انتخاب رئيس للجمهورية فتح الباب أمام احتمالات مختلفة لمرحلة الانتخابات وما بعدها، وهذا يشكل عاملا اضافيا في حساب التوازنات في المجلس النيابي المقبل، باعتبار أن خلط الأوراق أدخل عناصر جديدة على المشهد السياسي لاحقا في حال استمراره على واقعه الراهن، فضلا عن أن المخاوف من الاعتبارات التي فرضت التسوية الرئاسية بالنتيجة التي آلت اليها قائمة، في ضوء توظيف السلوكيات والمقاربات نفسها، بما قد يعني حسما مسبقا أو تثبيتا لواقع على وهج التسوية وديناميتها. وإذذاك يصار الى تقليص ملموس لحصة كل من الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط وإطاحة المسيحيين المستقلين عبر القانون وليس عبر الانتخابات، تحت وطأة شعارات تسودها الاعتبارات الداخلية، لكن من دون غياب الأبعاد الإقليمية.
إلا أن الاسئلة يطرحها هؤلاء السياسيون تبعا للكباش القوي حول قانون الانتخاب الذي لا يخفي أحد من السياسيين انه محاولة لتحديد كل الاحجام لكل الافرقاء على نحو مسبق باستثناء هامش ضئيل جدا، اذا كان ينبغي توقع تشدد من الجانب الايراني في ضوء ما يمكن ان تستشعره ايران من تهديد لنفوذها خصوصا في ظل عقوبات اميركية طالت شركات واشخاصا في لبنان ايضا الاسبوع الماضي، واحتمال ان تتطور الضغوط على ايران ومعها الحزب اكثر في المرحلة المقبلة، بما يمكن ان يقرأ جيدا على انه وضع كامل لليد على موقع الرئاسة والاكثرية النيابية من جانب ايران، مما يدفع الى العمل على منع حصوله. وهذا السؤال ليس مبنيا على فرضية وهمية، بل ان التحديات التي يمكن ان تواجهها ايران على امتداد نفوذها في المنطقة في ضوء المواقف المعلنة والصريحة لادارة الرئيس الاميركي ومؤشرات صريحة بدأت تتلمسها من اليمن الى سوريا، تجعلها اكثر حذرا في عدم ترك موضوع نفوذها في لبنان معرضا لأي اهتزاز. والسؤال الآخر في المقابل هو ما اذا كان ينبغي توقع رهانات على التشدد الاميركي الجديد في وجه ايران على قاعدة انه يمكن ان يساهم في تغيير المعطى الداخلي لجهة منع استئثار ايران بالواقع السياسي في لبنان، الامر الذي يؤدي الى المزيد من التشنج في الداخل، ومن المحتمل ان يقابل بتشدد آخر على خلفية المخاوف من وجود مثل هذه الرهانات مثلا او احتمال نشوئها. ومن هذه الزاوية بالذات فإن تطورات السجال بين الولايات المتحدة وايران بدت منذرة ومقلقة لسياسيين كثر يخشون أن يروا انعكاساتها في لبنان بأسرع مما كانوا يعتقدون حين كانت الادارة الاميركية في عهدة اوباما.
نقلا عن جريدة النهار
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net