ذات ندم/ بقلم: جنان سجيع أبوليل

كل العرب
نُشر: 01/01 08:17,  حُتلن: 08:23

جنان سجيع أبوليل:

قد انسحب يوما لأخفف من وطأة ندمي، سيحدث حينما تقنعني الكتب بهذا.. لا البشر، أخر ما قد اود قراءته حقا هو البشر وهذه المدينة.. 

كان كل كتاب على وشك أن يغير مسارا في حياتي، كان بإمكاني ان انسحب وان أتوقف عن القراءة في اللحظة التي بدأت الصفحات تعنف زوايا قلبي المغلقة وتفتح عليها النور

في العادة حينما اقرأ كتابا، إما أن يجذبني الكاتب بأسلوبه فاقف عند احدى الصفحات اكثر من خمس دقائق، وإما أن انهيه بعدما أخذت منه ما أردت من ثقافة عامة ووضعته على الرف المجاور للسرير

قرأت مرة "أن الانسحاب قد يخفف من وطأة الندم" وقفت كثيرا هنا، على مبدأ انني اقرأ كثيرا وأحب ان اتذوق من كل كتاب اقرأه عبرة، لذلك انا لا اقرأ سوى الكتب التي تجذبني بأصحابها لا بعناوينها، اخر ما يغريني هو العنوان!
وحينما استوقفتني هذه الجملة في كتاب ادركت جيدا ان سبب حماقاتنا في الحياة هو أننا لم ننسحب حينما توجب علينا ذلك، فزاد بذلك ندمنا، وتكاثرت أصابع البنان الموجهة نحونا، ففي النهاية لا أُنكر اننا نعيش في مجتمع يحلل الخطأ طالما لم يصبح سبقا صحافيا تتداوله الألسنة، فإن اخطأت وندمت بعدها ولم يلحظ احد ذلك، لا باس فإنك حر في هذه المدينة، وانتبه من عكس ذلك، فلا ذنب تعرّى إلا وقد اصبح إثما..
لكن ما يشغلني حقا، هو السؤال العالق هنا، من كان الأكثر ندما في هذا الكتاب؟ الذي انسحب حقا دون ان يحارب لأجل النهاية، أم الذي حارب واستمر ولم يحصل على النهاية التي ارادها؟ من كان الأقل عرضة للخيبة، ومن منهم حافظ على كيانه اكثر؟
في العادة حينما اقرأ كتابا، إما أن يجذبني الكاتب بأسلوبه فاقف عند احدى الصفحات اكثر من خمس دقائق، وإما أن انهيه بعدما أخذت منه ما أردت من ثقافة عامة ووضعته على الرف المجاور للسرير.. وإن الكتب التي تستوقفني قليلة جدا، ككتب نيتشه، باولو كويلو، واسيني الأعرج، وغيرهم الكثير من العظماء..

كان كل كتاب على وشك أن يغير مسارا في حياتي، كان بإمكاني ان انسحب وان أتوقف عن القراءة في اللحظة التي بدأت الصفحات تعنف زوايا قلبي المغلقة وتفتح عليها النور، كنت اخاف من النور في حين قد اعتدت على الظلام،
خفت أن استمر في القراءة، أن يتغير ترتيب الاثاث في قلبي فأندم لاحقا على العبث بما اعتدت عليه.. لكنني لطالما كنت اختار النهاية على الرغم من كل شيء.. لم أودّ يوما ان أخلق نهايتي بنفسي، لطالما كانت تعيش بي حشرية الحدوث.. وكنت اؤمن حقا أنني لن أندم أبدا على اختياراتي وعلى حماقاتي التي اقترفتها عمدا.. بل أنني سأندم على حماقات لم اقترفها في الوقت الذي توجب علي فعل ذلك، ولأنني امرأة لا ندم لامثالها ممن فقدوا اَي اختيار، قررت ان اقرأ كثيرا، ان افتح أبواب قلبي وعقلي وان افتح الشبابيك على مصراعيها.. لن اخاف الضوء ما دامت الكتب هي منارتي..

ونعم، قد انسحب يوما لأخفف من وطأة ندمي، سيحدث حينما تقنعني الكتب بهذا.. لا البشر، أخر ما قد اود قراءته حقا هو البشر وهذه المدينة..
اتركوني اقرأ عنهم، وأدرسهم جيدا، ثم ستجدونني اكتب عنهم لعلكم تدركون لماذا هربت من البشر آلى الكتب..
سأنسحب حينما تعلمني الكتب ذلك، حينما اتعلَّم التخلي، وحينما اكتسب الاساءة، سأنسحب حينما افقد شغف القراءة وشغف الوصول للنهايات التي حلمت لاجلها..
فإن كنت تريد مني الانسحاب، إعمل على جعلي أتوقف عن القراءة، أتوقف عن الكتابة، وأتوقف عن الحلم. حينها لن تخفف من وطأة ندمي فحسب، فإنك تقتل كل ما كان يمكن ان يندم بي.. ومن يدري ربما حينها فقط تندم انت..
ثم بذات ندم تحاول ان تستجمعني من جديد، وستجد انك قد بالغت في إساءتك مجددا.. فلا تفعل..

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net     

 

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة