الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 14 / نوفمبر 04:01

الأب الياس عودة كاهن الألفية الثالثة/ بقلم: زياد شليوط

كل العرب
نُشر: 24/08/17 12:04,  حُتلن: 12:07

زياد شليوط في مقاله:

عرفنا الأب الياس أكثر ما عرفناه أنه حامل لواء العلم والثقافة والمعرفة، فهو لم يكتف بأن يكون كاهنا، يمارس الشعائر الدينية فقط

منذ اليوم الأول عندما حل الأب الياس عودة كاهنا في شفاعمرو صيف عام 1995، رأينا فيه كاهنا من نوع جديد، يحمل رؤية جديدة لعمل الكاهن

إن كنا نكرم الأب الياس عودة بمناسبة انهاء خدمته الكهنوتية الرسمية ليس ذلك تعظيما له، بل احتراما لأنفسنا. فتكريم الأب الياس متوفر في القلوب ومحفوظ في الذاكرة، ومحفور في الأعمال التي قام بها، ولا أخاله ينتظر تكريما بشريا عابرا، فيكفيه ما أنعم الله به عليه من نعم ورضى. لكننا واحتراما لأنفسنا وواجبا تجاه خادم يحمل رسالة السيد المسيح، له المجد، ويسير بموجبها، خدم كنيستنا ورعايانا ومدارسنا، بل مجتمعنا وشعبنا خلال 47 عاما بين 1970-2017 بمحبة واخلاص وتفان، فأقيمت له اللقاءات التكريمية.

كاهن مجتمعي مثقف طليعي
عرفنا الأب الياس أكثر ما عرفناه أنه حامل لواء العلم والثقافة والمعرفة، فهو لم يكتف بأن يكون كاهنا، يمارس الشعائر الدينية فقط، بل فهم دوره المجتمعي منذ البدايات، فبادر الى تأسيس حركة كشفية وفرقة مسرح، بعدها انصب اهتمامه على التربية والتعليم فأوكلت اليه مهمة بناء مدرسة تابعة للبطريركية اللاتينية في قرية الرينة، وكلنا يعلم مدى التطور الذي شهدته المدرسة في عهد الأب الياس حتى باتت مدرسة شاملة بقسميها الابتدائي والثانوي يشار اليها بالبنان. ومن ثم تولى مهمة مدير عام المدارس اللاتينية في الجليل لمدة 17 عاما، وعندما تم نقله الى قرية الرامة لمدة قصيرة قام ببناء المرحلة الثانوية لمدرسة البطريركية وتطويرها.

وفي أي رعية حل فيها سواء الرينة أو شفاعمرو أو الرامة، كان مبادرا وطلائعيا في بناء علاقات أخوية سليمة بروح مسكونية مع اخوته الكهنة من الكنائس الشقيقة، كما بادر وكان طلائعيا في مد جسور الحوار والعلاقات مع رجال الدين المسلمين والدروز، فكان طلائعيا وسباقا في هذه المجالات. وكانت له وقفات ومواقف في الأيام العصيبة والأيام الوطنية مثل أيام هبة أكتوبر 2000، وكذلك عند وقوع المجزرة العنصرية – الارهابية التي نفذها جندي صهيوني موتور في شفاعمرو في الرابع من آب 2005، وراح ضحيتها أربعة شهداء من أبناء المدينة.

الكاهن النموذج والراعي الصالح 
منذ اليوم الأول عندما حل الأب الياس عودة كاهنا في شفاعمرو صيف عام 1995، رأينا فيه كاهنا من نوع جديد، يحمل رؤية جديدة لعمل الكاهن. وقد تجلى ذلك في أمر دنيوي وهو رفضه السكن في بيت قديم، تتآكله الرطوبة في كل جانب وآيل للسقوط، كأنه يرفض الاقامة في ثياب الكاهن التقليدي، ويطمح الى ثياب الكاهن الجديد التي تتماشى والعصر الجديد الذي يدخل اليه الكاهن، والذي يتناغم والروح الجديدة التي هبت على كنائسنا الكاثوليكية في الأراضي المقدسة، والتي قادها في حينه غبطة البطريرك ميشيل صباح، أطال الله في عمره، وتجلت في مسيرة السينودس للكنائس الكاثوليكية "السير معا"، وكان الأب الياس خير ممثل لهذه المرحلة الجديدة بانفتاحه واتساع أفقه ومعرفته الواسعة لما يجري في عالمنا، فالى جانب اهتمامه بالعمران والتجديد والترميم في بناء الكنيسة والحضانة وبيت الكاهن، عمل الأب الياس على الجانب الروحاني والانساني والاجتماعي، فرأيناه يعمل بقول القديس بطرس " لا تتسلطوا على الذين هم في رعيتكم، بل كونوا قدوة للقطيع". فبادر الى تشكيل مجلس رعوي لأول مرة، تمشيا مع توصيات المخطط الرعوي العام، وأوجد نمطا جديدا في العمل الرعوي، وهو العمل مع والى جانب دائما، وليس العمل من فوق كما كان متبعا.
واذا كنا نقرأ من قبل كلام السيد المسيح، له المجد، في الانجيل المقدس " أنا الراعي الصالح، أعرف خرافي وخرافي تعرفني"، أدركنا كنه هذا الكلام مع قدوم الأب الياس الى رعيتنا، وخلال وقت قصير بات يعرف أبناء رعيته وأبناء رعيته يعرفونه، يرافقهم، يلتقي بهم، يسير معهم، يحضر الى بيوتهم حاملا كلمة الله، وكأنه القديس بولس يخاطب أهل أفسس " من أول يوم جئت الى آسية، وأنا أخدم الرب بكل تواضع".

الكاهن ابن عصره وبيئته والمتفاعل مع الأحداث
في العام 2003 طرحت مجلة "اللقاء" الصادرة عن مركز اللقاء للدراسات الدينية والتراثية في الأرض المقدسة، سؤالا كبيرا "أي رجل دين للألفية الثالثة؟". ومن خلاله بسط مدير تحرير المجلة الأب د. رفيق خوري أفكارا ورؤى للكاهن الذي نريده للألفية الثالثة، وأثناء مراجعتي للمادة من جديد تمثل أمامي الأب الياس عودة. هذا الكاهن " ابن عصره وبيئته والمتفاعل مع ما يجري حوله متأثرا بالأجواء السائدة"، الكاهن الذي عايش وعاصر وتفاعل مع ما يمر على الكنيسة الكاثوليكية من تغيرات وتحولات بعد المجمع الفاتيكاني الثاني، وفي الكنيسة المحلية مع مسيرة السينودس الأبرشي، ورافق التقلبات العالمية بعقل منفتح وفهم دقيق وعرف كيف يوفق بين نظرة العلماني ورؤية الكنيسة بتحليل كاهن ثاقب النظر وحادّ البصيرة. واذا كان من مقومات كاهن الألفية الثالثة أن يكون واعيا لنفسه، راغبا بالتغيير، يمتلك الامكانيات، يتحلى بالشجاعة المطلوبة، يتمتع بالمقدرة ويتسلح بالأمل، لم يعطِ الكهنوت لنفسه بل أعطيَ له فتحول الى ورشة انسانية حقيقية فيها: تفسير وحكم واختيار وقرار ومخرج ونتيجة. ولو أردنا أن نقدم اجابة واضحة مباشرة موجزة للسؤال أي كاهن للألفية الثالثة، نختصرها باسم واحد هو الأب الياس عودة.

الكاتب هو أمين سر المجلس الرعوي لرعية اللاتين في شفاعمرو، وهذه المقالة خلاصة كلمتين ألقاهما في تكريم الأب الياس عودة في احتفالين الأول في شفاعمرو يوم 4/8 والثاني في الرينة يوم 16/8/2017 مع بعض التعديلات.

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net 

 

مقالات متعلقة

.