شاكر فريد حسن في مقاله:
كاملة شريح اغبارية تتمتع بحماس متوقد وصمت عميق ورأي سديد وتجربة حياتية وعشق غامر للارض والوطن والحياة
كاملة شريح اغبارية القابضة على الجمر، السانرة فوق الالغام ، تحاول بقدر استطاعتها رفع واعلاء صوت المهمشين والمهمشات ، الطامحين والطامحات دوماً لانتزاع حقهم بحياة جديرة بهن وبهم
يحق لنا ان نفخر ونرفع رؤوسنا عالياً بنسائنا الطلائعيات الرائدات المعطاءات في مجتمعنا، اللواتي يعملن بحيوية وجهد وشفافية واخلاص وتفان منقطع النظير، يصلن الليل في النهار ، يسترخصن الروح بعز ، وينشطن اجتماعياً وسياسياً وثقافياً للدفاع عن قضية المرأة وتسليط الاضواء عليها، ورفع مكانتها الاجتماعية ، والمشاركة في عمليات التحول النوعي والتغيير الجذري للمجتمع ، والتصدي للآفات والاوبئة الاجتماعية والظواهر السلبية ، ومواجهة التقاليد والطقوس الرجعية البالية التي تحاصر وتسجن المرأة بين الاسوار وتمنع دخول نسائم الهواء النقي اليها .
من اولئك النسوة اللواتي عملن وقدمن الكثير للمرأة والمجتمع المصمصاوي ، وكان لهن دور ايجابي في نشر الفكر النسوي والوعي النهوضي الجمعي ، الناشطة كاملة شريح اغبارية ، ابنة مصمص المقيمة ، الناهضة والقادمة من ترشيحا في اعالي الجليل الأشم ، التي ولدت وترعرعت في افيائها وبين ظلالها الخضراء ، وتعلمت في مدارسها ، ونهلت العلم وتشربت قيم العطاء والاصالة والطيبة من اهلها ونواديها ومؤسساتها .
كاملة شريح اغبارية تتمتع بحماس متوقد وصمت عميق ورأي سديد وتجربة حياتية وعشق غامر للارض والوطن والحياة ، وقد عرفنا فيها الروح الانسانية الفياضة والاحساس المتدفق الصادق بحب الناس ، وشيدت صرحاً ومجداً وبنياناً بالمكارم والصلاح والخير والتسامح ، وسياجاً آمناً واقياً من عثرات الدهر وغدر الزمان ، تاركة ارثاً طيبا ً في النفوس كالورود حين تعبق المكان بشذاها واريجها .
عملت كاملة في الماضي كمدرسة في مجال الرياضة ، وتنازلت عن تعليمها العالي من اجل مساعدة اخوتها في الدراسة العليا ما يدل على اصالتها وتضحياتها ، ثم عملت في الهستدروت بمسار عائلات في ضائقة ، كذلك عملت مدرسة بديلة في مدرسة مصمص الابتدائية لمدة اربع سنوات ، وانخرطت في العمل السياسي والاهلي الاجتماعي في صفوف حزب التجمع الوطني الديمقراطي ( بلد) ، وتبوأت منصب مسؤولة القسم النسائي في منطقة المثلث ، وحولت بيتها الى ناد لاجتماعات النساء ، وقادت فرق شبابية في الحزب ، لكنها تركت العمل السياسي لاسباب ذاتية وموضوعية لا مجال للخوض فيها الان ، وتفرغت لشؤون بيتها والعمل في صالة العرض غاليريا بام الفحم .
رفعت كاملة شريح اغبارية صرخة النساء عالياً ، ودعت الى مساواة الجنسين في التعليم والوظائف لذوات الكفاءات والاختصاص ، وشكلت بنضالها ونشاطها السياسي في الماضي اليد اليمنى والصوت الصارخ في البرية لنساء مصمص خاصة والمثلث عامة ، ورغم الاعتزال والانكفاء الا انها ما زالت مخلصة للمسألة النسوية التي تقض مضاجعها وتشغل بالها وتطمح ان ترى المرأة وقد تخلصت من قيود عبودية الجهل والتخلف والحرمان المجتمعي .
وهي ترى ان تحرر المرأة مرتبط بتحرر المجتمع ككل ، ولا تحرر لها الا بتحرر المجتمع ، انها تريد الحرية لها وللنساء ، ولن ترضى بالذل والهوان والقهر السياسي والاجتماعي ، ولا يزال بيتها يشهد على النضال الذي قادته وقامت به من خلال رحلة عمرها ، التي ما ذاقت خلالها طعماً للراحة والسكينة ، فكان بيتها ملتقى للنشيطات الحزبيات التجمعيات بهدف تبادل الافكار والآراء والخبرات والتجارب المختلفة ، ولتعميق الوعي السياسي والاجتماعي والفكري .
ولا شك ان شعور كاملة شريح اغبارية بالخلل الاجتماعي كان اكبر عائق دون راحة بالها ، ولم يخالجها اي احساس بالتقصير في حقلها ومن جانبها ، ما زاد غبار القلق والاضطراب الوجودي من المستقبل المعتم الذي ينتظرنا بسيطرة الفكر الظلامي وتغلغله بين الاوساط والقطاعات الشعبية المختلفة .
وهذا التطلع اليائس ، الحانق ، الثائر ، المتوهج ، الحاني ، الوديع في آن واحد ، يعني ان مصيبة اجتماعية ايقظت اليأس الى تلك الآفاق من التفكير وحملت الى نفسها وصدرها تلك الالوان من الشعور السلبي .
واذا كانت الافكار التي تحملها والقيم التي تؤمن بها وترضاها كاملة لنفسها وللمرأة واليها تطمئن ، وعنها تنافح ، ليست سوى " خيال " او " هوس " او عواطف لا محل لها من الاعراب في نظر وعرف مجتمعنا الذكوري الذي يضطهد الأنثى ، فان ذلك ما يزيدها تعلقاً بها ودفاعاً وذوداً عنها ، واصراراً على اعزازها والاشادة بها ، واصرار اليأس على تعلقها بقيمها الخاصة وتفكيرها الخاص وحياتها الخاصة منذ حداثتها ووعيها على الدنيا ، انها تتألم وتتوجع من الواقع المعيش دون ان تقنط او تتخاذل او تتنازل عن فكرها ومعتقداتها التحررية ، واي صوت يدعو الى الحرية والانعتاق والنور والتنور والمعاصرة والتقدم يتهم بالزندقة والكفر ، وتلك هي المأساة ، وهذا هو البؤس الفكري الذي يلفنا من قبل جماعات وقوى الظلام والتكفير .
كاملة شريح اغبارية القابضة على الجمر، السانرة فوق الالغام ، تحاول بقدر استطاعتها رفع واعلاء صوت المهمشين والمهمشات ، الطامحين والطامحات دوماً لانتزاع حقهم بحياة جديرة بهن وبهم ، وتدهشنا صلابتها وحالة الثبات والتماسك التي تتحلى بها في مواجهة الصعاب وتجاوزها .
فيا لروعة هذه المرأة الجسورة كاملة شريح اغبارية ، التي لم تستسلم للقيود المجحفة والافتراءات التي رافقت مسيرتها ، فانطلقت بكل عنفوانها لتثقيف ذاتها من خلال الممارسة الكفاحية واقتحام الواقع ومحاولة فك طلاسمه وسبر اغواره ، وستظل نموذجاً للعطاء النوعي وللانسانة الريادية الواثقة المسلحة بفكر تقدمي متنور يدرك اهمية ودور المرأة في معارك الحضارة والتقدم والبناء ، وانك فعلا ً تستحقين التكريم والتقدير ، ولك الحياة .
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net