جمال عبد الله عمري ناج شاهد على الواقعة:
نحن نركض أفلت اخي يده مني، ولم انتبه وظننت انه يمشي معي، وحقيقة فقد كان قد رجع الى موقع القذيفة، بعد دقائق معدودة، سمعنا الانفجار، وقع الانفجار نظرت فلم اجد اخي معي
خالد إبراهيم عمري ناج شاهد على الواقعة:
كانت المناظر صعبة، لم أر طالبا سليم الجسم، تحولت الاجساد الى أشلاء وقطع من اللحم
الحاجة تمام عبد الحليم عمري- فقدت 3 أشقاء:
يوم وقعت المجزرة، كان عادل ابني قد دخل للتو إلى المنزل وإذ بنا نسمع دوي انفجار قوي، ولكنّه أكّد لي بأن جميع الطلاب الباقيين يسيرون خلفه
مجزرة قرية صندلة، التي راح ضحيتها 15 طالبا صغير السن لم يتجاوز أكبرهم عمر 13 ربيعا، مأساة ما زال وقعها صعبا على من عاصرها أو نجى منها، أشلاء تطايرت في الهواء وقطع لحم اختلطت بالتراب، يؤكد أهل صندلة أنهم لم ولن ينسوا هذه الجريمة أبد الدهر، ويطالبون بالاعتراف بها رسميا من قبل الدولة، كما يطالبون القصاص ممن تسبب بوقوعها.
موقع العرب وصحيفة كل العرب التقت عددًا من الناجين وممن عاصر المجزرة وكان من بين الشهداء عدد من أخوانهم وأخواتهم واستمعت الى شهادات مفصلة ومؤلمة توثق الجريمة وما تبعها.
يقول جمال عبد الله عمري مواليد 1946 والذي نجى من المجزرة لكنّ أخيه فؤاد الذي رافقه في الطريق حينها استشهد: "الحادثة حدثت في يوم 17/9/1957، كنّا نتعلم في مدرسة مشتركة ما بين صندلة ومقيبلة، الموجودة في المرج، كنا نرجع الى بيوتنا بعد الدوام، والطريق كانت ترابية طبعا، نذهب مشياً ونرجع مشيا في تلك الأيام، في ذلك اليوم وعند رجوعنا من المدرسة كنت أنا وأحد الطلاب قد وصلنا الى القذيفة التي كانت موجودة في الطريق، وكانوا عمال "الكيبوتسات" يعملون في الأرض، يحرثون فيها، ووجدنا قنبلة، وبما أننا في ذلك الوقت كنا صغار السنّ، 8 سنوات وعشر سنوات، كنا نجهل ما عواقب هذا الشيء اذا لعبنا فيه، لسنا رجال عسكر ولا رجال حروبات، كنا أطفال أبرياء نخرج الصبح من البيت على المدرسة ونرجع الظهر إلى البيت، لعبنا في القذيفة التي وجدنها على جانب الطريق، بعد دقائق معدوات، حملت القذيفة وأبعدتها عن الطريق، لأني الذي فهمته أن هذا شيء خطر، بالرغم من أنّنا لم نكن نعرف تقريبا، ما هذه القذيفة وما هي نتائجها، في ذلك الوقت جاء اخي الذي هو أصغر مني سنا، اسمه فؤاد أمسكته بيده ومشينا، ولكن قبل ذلك تواجد في المكان أخوان واللذان أمسكا بالقذيفة للعب فيها، وبعد ذلك ترك أحدهما المكان ولحقه الآخر وأنا واخي لحقنا بهما كي نعود الي البيت سوية، ونحن نركض أفلت اخي يده مني، ولم انتبه وظننت انه يمشي معي، وحقيقة فقد كان قد رجع الى موقع القذيفة، بعد دقائق معدودة، سمعنا الانفجار، وقع الانفجار نظرت فلم اجد اخي معي".
يكمل فيقول: "عدنا راكضين، كان منظراً رهيباً جدا، يصعب وصفه، أشلاء، أطفال صغار، من 8 سنوات لعشر سنوات، كان من الصعب تميّيز هذه القطعة لمن؟! والقطعة الأخرى لمن!، وقطعت أجساد هؤلاء الأطفال، بعدها جاء المعلمون من المدرسة والناس وأهل البلد وأهل مقيبلة طبعا، وقد حلّت هذه الكارثة، وفعلا كانت كارثة كبيرة جدا، وصل الناس وطلاب آخرين إلى موقع الانفجار، والذي كانت نتيجته استشهاد 15 طالبا، وجرح ثلاث طلاب، منهم ابنة عمي قطعت رجلها، ومال زالت على قيد الحياة حتى اليوم، وطالبان آخران، وهما أيضا ما زالا على قيد الحياة، ولكن المشقة والصعوبة في الحياة كانت أكبر على ابنة عمي التي عاشت بدون رجل منذ ذلك الوقت".
يتابع: "تبيّن ان أحد العمال اليهود الذين كانوا يعملون في الأرض هو الذي أحضر القنبلة ووضعها في الطريق، بعد الحادثة تم التحقيق معه، وادعى انه وضعها وكان مخططا أن يعود ليزيلها من مكانها ولكنه يدعي انه نسي ذلك، نحن نشك في هذا الكلام، هو وضعها قاصداً وهو يعرف أنّ الطلاب يمرّون من هذه الطريق يوميا، هم يشتغلون ونحن نمرّ من أمامهم وبجانبهم، ذهابا وإيابا من والى المدرسة، وهذا الذي حصل، وكان المصاب أليما وصعبا، ونحن اليوم نريد احياء ذكرى مرور 60 عامًا على هذه النكبة، وهذه المصيبة، ونتأمل خيرا، ونتأمل من القرى في الوسط العربي المشاركة في هذا المهرجان".
وعن شعوره في هذا اليوم في الذكرى الـ 60 يقول جمال عبد الله عمري: "الشعور لا يوصف، لم أنس ولن أنسى المناظر التي رأيتها، ما زالت تلك المناظر ماثلة وحاضرة أمام عيني ليل نهار، على مدار ستين عاما، واليوم نريد ونحن نحيي هذا الذكرى أن نؤكد اننا لم ننس ولن ننسى أطفالنا، الذين كانوا عبارة عن زهور متفتحة قطفت في غير أوانها، وطبعا أيضا احياء لذكرى أروح الشهداء، لن ننسى ما حدث إلى الأبد وسنورثها لأولادنا وأحفادنا، وأحفاد أحفادنا، ولن ننساها، ونسأل الله يجعلهم طيور من طيور الجنة، ويقاصص كل من كان له سبب في هذه المصيبة التي حدثت".
أما خالد إبراهيم عمري وهو معلم متقاعد (71 عامًا) وهو ناج من المجزرة فقال: "عندما حدثت المجزرة كان عمري تقريبا عشر سنوات، كنا في بداية الصف الخامس، في المدرسة المشتركة، مقيبلة وصندلة، وكانت عبارة عن بناية من خمس غرف، كنا ننزل من البيت الى المدرسة بحدود الساعة السابعة، مشيا عن الاقدام، من الصف الأول حتى السابع، في طريق ما زال حتى الآن اسمها طريق العراقية، لأن الجيش العراقي في الـ48 لما جاء الى صندلة رصف هذه الطريق، كنا نقطع الشارع الى طريق ترابية تخترق الأرض غربي الشارع للمدرسة، كنا نذهب الى المدرسة في جميع الأيام، صيفا وشتاء، والذي حدث بعد الدوام الدراسي، تقريبا الساعة 2:30 كنا عائدين من المدرسة، سرنا وراء وبجانب بعض، كان لي زميل بالصف اسمه أحمد، اجتمعنا مع الطلاب وكانوا يمسكون بجسم غريب، أول مرة يروا مثله، ملقى على جانب الطريق، طول قنينة عصير كبيرة، يلعبون بهذا الجسم ونحن نتفرج، وإذ بصاحبي محمد يقول لي ولا اعرف كيف انتبه للموضوع بأنّ هذه قنبلة وقد تنفجر في أي وقت، لم ننبه غيرنا كنا اطفالا غير مدركين، تركني صديقي وذهب، ومباشرة لحقت به، لم أكد اصل اليه على بعد نحو 200 متر، والا وقد وقع انفجار كبير، نظرت الى الوراء، دخان وغبار، اجسام في الجو، مختلطة بالتراب، طارت في الهواء وسقطت أرضًا، عدت الى هناك، كانت المناظر صعبة، لم أر طالبا سليم الجسم، تحولت الاجساد الى أشلاء وقطع من اللحم".
وأضاف قائلًا: "لم يكن في ذلك الوقت سيارة في صندلة الاّ سيارة واحدة، بالصدفة مرت من هناك ورأوا المشهد، نقلوا الجرحى، الذين كان عددهم 3، إلى مستشفى العفولة وما زالوا على قيد الحياة، وسائق السيارة الذي هو جارنا، كانت ابنته من ضمن الذين استشهدوا يومها، تم دفن الشهداء في الليل، وكان فترتها حكم عسكري، وفي ذكرى أربعين يوما لاستشهاد قرر اهل القرية احياء الذكرى، لكن الحكم العسكري لم يسمح لأي انسان ان يأتي من خارج البلدة، الا أنّ شخصيات معدودة منهم المرحوم راشد حسين، من قرية مصمص، والذي ألقى قصيدة يومها باسم الغابة الحمراء حضر هناك".
وتابع خالد إبراهيم عمري قوله: "يجب ان نواظب على هذه القضية، حتى تعترف الدولة والحكومة بهذه المجزرة التي ارتكبت رسميا. يجب توعية الجيل القادم، المجزرة كانت مروعة، كان عدد الطلاب في كل صندلة 45 طالبًا تقريبا، مما يعني أن ثلث الطلاب استشهدوا في يوم واحد، في صف استشهد كاملا لم يبق منه الاّ طالب واحد. كان وقع الحادثة صعبا جدا، لا يمكن تصوّر اب أو أم او اخت تذهب لتجمع أشلاء ابنها او اخوها، او اختها، كان الحدث كالصاعقة، هرعوا عن البيادر حيث كان وقتها موسم حصاد السمسم، رأوا الدخان متصاعدا من منطقة المرج، هرعوا إلى مكان الانفجار، تركوا كل شيء، وكان شيء مرعب ومخيف. لما وقعت المجزرة انقطعنا عن التعليم، في المدرسة، وانتقلنا للتعليم في غرفة الجامع في القرية، حتى تم تجهيز ثلاث غرف بنيت وانتقلنا الى الدراسة هناك، المدرسة التي كنا نتعلم فيها أكمل اهل مقيبلة الدراسة فيها حتى سنة 1969، ثم جاء أمر بإخلائها، وفعلا بنوا مدرسة في مقيبلة وانتقلوا للدراسة فيها، مكان المدرسة والابنية التي كانت أقاموا مستوطنة "مجين شاؤول" مكانها، بناية المدرسة التي كنا نتعلم فيها، حوّلوها الى مصنع معجنات، والبرج ما زال قائما حتى اليوم".
ولاحقا قام الأستاذ خالد إبراهيم بزيارة موقع المدرسة والبرج بمرافقة موقع العرب وهي المرة الأولى التي يزورها منذ ستين عاما، كما قام بارشادنا إلى الموقع التقريبي لموقع المجرزة، لأن معالم الموقع تغيرت بفعل بناء المستوطنة.
الحاجة تمام عبد الحليم عمري (84 عاما) والتي عاصرت المجزرة، لم تتمالك نفسها وقد بكت مرارا وهي تتحدث عن ذكرياتها عن المجزرة، التي راح ضحيتها ثلاثة من أخوتها، اختها آمنة (10 سنوات)، وأخويها طالب (13 سنة) وغالب (8 سنوات)، اما ابنها عادل فقد نجى لأنه كان في صف البستان وعاد من المدرسة مبكرا قبل أخواله".
تقول الحاجة تمام: "اخوتي كانوا من أحسن الناس، كان أخي طالب يحمل ابني الصغير على كتفيه إلى المدرسة، وكان ابني في صف البستان يوم وقعت المجزرة، كان عادل ابني قد دخل للتو إلى المنزل وإذ بنا نسمع دوي انفجار قوي، ولكنّه أكّد لي بأن جميع الطلاب الباقيين يسيرون خلفه، لم أعرف كيف وصلت إلى المكان بسرعة، رأيت أخي وأمسكته وحملته ولكنّه استشهد بين يدي، وعندما وصل الناس جميعًا لم يجدوا أي طفل حي إلا ثلاثة". وأضافت الحاجة تمام: "كانت المصيبة عظيمة، إذا مررت على جميع البيوت حينها لرأيت بأنّ جميعهم يبكون، تمّ دفن الشهداء ليلا، ولكنّي لم استطع من رؤية أحد اخوتي الذي تمّ تكفينه استعدادا للدفن، كان وقع الحادثة صعبا على أبي وأمي اللذين دفنا لاحقًا إلى جانبهما، هذه المصيبة لا تخلو من أذهاننا ونذكرها على الدوام، وأنا أذهب بشكل دوري إلى المقابر لأقرأ على أرواحهم الفاتحة" كما قالت.