فادي عباس في مقاله:
السلطات المحلّية العربيّة، إن كان رؤساؤها يمثلون جماهيرها، فإنّ أعداد هذه الجماهير ليست متناسقة أو مُتساوية، ومع ذلك، تكون أصواتهم متساوية
الوظيفة المطلوبة من أعضاء البرلمان العرب، والوظيفة المطلوبة من رؤساء السلطات المحلِّيّة العربيّة، رغم اختلاط الأمر على كثيرين، ومِن ضِمنهم حتّى الأحزاب العربيّة، هي ليست ذات علاقة مباشرة لا بقيادة الجماهير العربيّة ولا بتشكيل مرجعيّتهم ولا بتمثيلهم ككلّ واحد
يحق لأي إنسان اختيار مرشحيه للمجلس المحلّي أو البلديّة، بمعزلٍ عن أو بدون علاقة مباشرة لانتخابات البرلمان، كونهما مُختلفين في الوظيفة والدور، فيجب أن يكون اختيار الهيئة التمثيلية العُليا للعرب، بمعزلٍ عن الإثنين، كذلك
بخصوص نقاش مواجهة محمد بركة مع الإعلاميين فايز شتيوي وسعيد حسنين والذي - كما ذكرنا سابِقًا - بحاجة إلى حلقات عديدة لمناقشتها ولتغطية الأمور الهامة التي وردت فيها، أقدّم اليوم حلقة أخرى:
فإنّ قول محمد بركة أن لجنة المتابعة العُليا هي لجنة مُنتَخَبين وليست لجنةً مُنتخبة فيها ما فيها من الصّدق، وعليها ما عليها من ملاحظات ومشاكل، ومِنها، وهو غيضٌ من فيضٍ ما يلي:
1. لقد كان السيد محمد بركة ليس فقط شديد الصّدق في قوله هذا، ولكنه شديد الدِّقةِ أيضًا، وهو بذلك يضع إصبعه على بعضٍ من الوجع، فإنّ كونها لجنة مُنتخبين. هي إحدى أهم مشاكلها الأساسيّة التي تفغر فجوةً هائلة بينها وبين الجماهير، كما سيرد في النقاط التالية.
2. إنّ كونها لجنة منتخبين ستعني أنّها أشبه ما تكون - مع حِفظِ الفوارق - بالنقابات المهنيّة التي تعمل لمصلحة أصحاب المهن المنتمين إليها، كما نقابة الأطباء أو نقابة المحامين أو نقابة المهندسين أو نقابة سائقي الباصات، وغيرها، وهذه النقابات وغيرها - مع الإحترام لها ولأعضائها الذين تُمثّلهم - فهي أشدّ ما تكون حِرصًا على أعضائها، بصرف النظر عن غيرهم، مع العِلمِ أنّه - في حالة النقابات - للآخرين نقابات أخرى تُمثّلهم وتساهم عادَةً في حِفظِ التوازن بين مصالحها ومصالح أعضائها، وبين الآخرين، ولكن في حالتنا هذه، فلا تُوجد نقابَة تُمثّل غير المُنتخبين، فتقابل نقابة المنتخبين وبذلك ينعدم التوازن بين المصالح.
3. إنّ لجنة المُنتخبين التي نتحدّث عنها في هذه الحالة تشمل - مِن ضِمن مَن تَشمَلُهم - مَن انتُخِبوا قبل عُقود، ومِنهم من انتُخب للمرّة الأخيرة قبلَ عشر سنين أو عِشرين سنةً أو أكثر، وهو مثله كمثل من انتخب في الإنتخابات الأخيرة، على سبيل المثال الحِزبين الديمقراطي العربي والقومي العربي، والذين لا نعرف وزنهما، وهذا ليس انتقاصًا من وزنهما ولا من حقّهما في التمثيل، ولكن لهما ولغيرهما الحق وعليهم الواجب في نفس الوقت في أن يكونوا مُنتَخَبين، كما وتشمل - من ضمن من تشملهم - من لم ينتخبهم أحد، مِثل الحركة الإسلامية الشمالية وحركة أبناء البلد، واللتينَ ر،بّما يكون لهما وزنٌ في المجتمع أكبر من وزنهم وتمثيلهم في لجنة المُتابعة (وربّما أقلّ) ومن حقّهما كذلك، ومن واجبهما أن يكون لهما تمثيل يليق بوزنهما، كما هو من حقّ أي حزبٍ أو مجموعة أخرى.
كذلك، وفي نفس السّياق، فالجميع يعلم أنّ هناك تمثيل للحركة الطّلابية، أي الإتحاد القطري للجان الطلاب العرب، ولن أخوض كثيرًا هنا، ولكن باختصار فإنّ أعداد الطلاب العرب في الجامعات والكلّيات تختلف من مؤسّسةٍ لأُخرى....كذلك لن أدخل هنا في انتخابات لجان الطلاب العرب، والذي هو موضوع شائك أكثر، ولكن هو موضوع بحدّ ذاته وهناك الكثير مما يُقال فيه.
4. إنّ رؤساء السلطات المحليّة العربية لهم وزن كبير في لجنة المتابعة العليا، وبهذا الخصوص، لا بدّ من تقسمة هذه النقطة بالذات إلى عدّة فروع:
أ. إنّ عشرات الألوف - إن لم يكن أكثر - من الجماهير العربية تسكن في مدنٍ مختلطة، وليس لديهم رئيس سلطة محلّية عربي، وبهذا يسقط حقّهم - في هذه الجُزئيّة - في التمثيل.
ب. إنّ السلطات المحلّية العربيّة، إن كان رؤساؤها يمثلون جماهيرها، فإنّ أعداد هذه الجماهير ليست متناسقة أو مُتساوية، ومع ذلك، تكون أصواتهم متساوية.
ج. إنّ عددًا من السلطات المحلّيّة العربية، تقوم بإدارة شؤونها لجان مُعيّنة من وزارة الداخلية، وبالتالي يسقط حق هذه الجماهير في التمثيل.
د. إنّ كثيرًا من رؤساء السلطات المحلّية العربية يُنتخبون بفوارق ضئيلة، وفي بعض الأحيان تلعب صُدفة اللحظات الأخيرة دورًا مُهِمًا جِدًا في قلب النتائج لصالحهم، وسواء كانت صُدفة اللحظات الأخيرة أو أي سبب آخر، فجميعنا نعلم كيفيّة انتخاباهم وعلى أيّة أُسس.
هـ. إن ما يتعلّق بتنسيق عمل رؤساء السلطات المحلّية وتعاونهم ومشاكلهم المشتركة، من المفروض أنها تتم في إطار ما يٍسمّى اللجنة القُطريّة للرؤساء، ولا شكّ أنّه من المفروض أن تكون لجنة المتابعه العليا حاملة لهمومهم راعية لمشاكلهم معاوِنةً لهم مُستمعةً إلى شكواهم، ولكن لِمَ الإزدواجيّة وما هي الفوائد من هذه الإزدواجيّة.
5. بخصوص الأحزاب الممثّلة في الكنيست، فجميعنا نعلم أن وزن الأحزاب الأربعة - جماهيريّا - ليس بالضرورة كوزن تمثيلهم، وهذا بطبيعة له أهمّيةً كُبرى فيما يتعلّق بتركيبة القائمة المشتركة، ولكن هذا نقاش طويل وله سِياقه، وخُضنا فيه في سياقه، ويبدو أنّه لا بدّ من الخوض فيه مرّات ومراتٍ أُخرى عديدة، ولكن ما يهمّنا هنا أنّ تمثيلهم في اللّجنة ليس بالضرورة مناسِبًا لتأييدهم الجماهيري، والقائمة المشتركة بأية تركيبة كانت، وبرغم كلّ الملاحظات حولها، فإنّ لها أسبابها أموضوعيةً كانت أم غير موضوعية، ولكن التقوقع في تمثيل الأحزاب العربية في البرلمان، واعتباره هو الأساس لتمثيلهم في لجنة المُنتَخَبين ليس صحيحًا وليس عادِلًا ولا يمثّل إرادة حقيقية للجماهير، وبالتالي ما هكذا تُمَثّل الجماهير، وهذا دون الخوض لا في نسبة مشاركة الجماهير العربيّة في انتخابات البرلمان، ولا في مسألة وجود حِزب أو أحزاب تعرض نفسها على أنها مبنية على أساس الشراكة اليهوديّة-العربيّة..ولا أبدي رأيي في هذه الشراكة هُنا، ولكن ذلك يؤثّر بشكل مباشر على نسبة وزن هذه الأحزاب في تمثيلها للجماهير العربيّة، ما دام تمثيلهم في البرلمان هو الأساس لتمثيلهم في لجنة المتابعة العليا.
6. إنّ الوظيفة المطلوبة من أعضاء البرلمان العرب، والوظيفة المطلوبة من رؤساء السلطات المحلِّيّة العربيّة، رغم اختلاط الأمر على كثيرين، ومِن ضِمنهم حتّى الأحزاب العربيّة، هي ليست ذات علاقة مباشرة لا بقيادة الجماهير العربيّة ولا بتشكيل مرجعيّتهم ولا بتمثيلهم ككلّ واحد، ولا يعني ذلك أبدًا أنّه لا يحق للنواب أو لرؤساء السلطات المحلّيّة أو أنّهم لا يستطيعون أن يؤدوا الدَّورَين، بالعكس تمامًا، ولكن الدّورين يَنبُعان مِن منابِعَ مُختَلِفَة، ولهما أهداف مُختلفة، ويتم العمل بموجبهما بوسائل مُختلفة، أو - على الأقلّ - مِن المفروض أن يكونا كذلك، ولو لم يكن الأمر كذلك، لما كان للإثنين معًا الحقّ في الوجود، فإمّا هذا وإمّا ذلك، ولكن بموجب الإختلاف المذكور، والإصرار على حق الدورين في الوجود، فلا شكّ أنّه من الناحية المنطقية، كما يحق لأي إنسان اختيار مرشحيه للمجلس المحلّي أو البلديّة، بمعزلٍ عن أو بدون علاقة مباشرة لانتخابات البرلمان، كونهما مُختلفين في الوظيفة والدور، فيجب أن يكون اختيار الهيئة التمثيلية العُليا للعرب، بمعزلٍ عن الإثنين، كذلك.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net