حازم صاغية في مقاله:
يُفترض بالانتصار على "داعش" أن يكون، في الوقت ذاته، انتصاراً للنساء
الوضع الجديد قد يسعّر الطائفيّة، إذ تستقلّ كلّ طائفة بنظام لحياتها، لكنْ لا داعي للخوف إذ العراق يخلو من هذا الوباء تماماً
إذاً، انتهاك لحقوق المرأة. انتهاك لحقوق الطفل. حصار لأكراد الإقليم الذين قاتلوا "داعش". هكذا يكون الانتصار!
حقّاً هناك دائماً "داعشٌ" ما معنا. في ظلّه يصعب أن تنتصر النساء. أن يزهو الأطفال. أن يزدهر العراق
يُفترض أنّ النساء أوّل ضحايا تنظيم "الدولة الإسلاميّة" أو "داعش". هنّ أوّل ضحايا أفعاله المتوحّشة، وأوّل ضحايا أفكاره المتوحّشة، وأوّل ضحايا وعيه للتراتُب الجنسيّ المحكم والعبوديّ ولعمله بموجبه. لهذا يُفترض بالانتصار على "داعش" أن يكون، في الوقت ذاته، انتصاراً للنساء. أيّ انتصارٍ لا يكون كذلك لا يكون انتصاراً على "داعش".
في العراق، وكما يُخبرنا الزميل خالد سليمان، في مقالة نشرها موقع "درج" الجديد والواعد (daraj.com)، يحصل العكس تماماً. هناك شُرّع زواج الفتاة في عمر التاسعة، فكان خفض سن البلوغ أولى بشائر القضاء على "داعش"، كما يقول عنوان مقاله.
تعديل قانون الأحوال الشخصيّة على هذا النحو ليس جديداً. ففي 8/3/ 2014، وكما يذكّرنا سليمان، أعلنت وزارة العدل العراقيّة القانون الجعفريّ عنواناً للاحتفال بعيد المرأة العالميّ في ذاك اليوم نفسه. وهل يُحتفل على نحو أفضل بهذا العيد؟ وزير العدل يومذاك، حسن الشمّري، قال إنّ القانون الجعفريّ الذي يُراد اعتماده، والذي يشرّع زواج الفتاة في التاسعة، إنّما جاء لإنصاف المرأة، كما أعطاها امتيازات غير مسبوقة بخفضه سنّ البلوغ والميراث إلى التاسعة واعتبارها الوريث الشرعيّ الوحيد لأبيها إذا توفّي. لقد جاء هذا القانون لرفع الحيف والظلم الذي وقع على المرأة طيلة العقود الماضية جرّاء القوانين الوضعيّة والتقاليد الاجتماعيّة المتخلّفة".
عيون الكلام. إذاً إلى التقدّم سِرْ. هذه زبدة القرار الذي طُرح في 2014. لكنْ ما إنّ مرّت ثلاثة أشهر حتّى هجم التخلّف، واحتلّ "داعش" المدينة العراقيّة الثانية، الموصل، وأجزاء أخرى واسعة من البلاد. عند ذاك وُضع القانون التقدّميّ، الذي يتيح زواج الفتاة في التاسعة، في الأدراج، في انتظار الوقت المناسب. في هذه الغضون تولّى "داعش" سبي الفتيات، لا سيّما الإيزيديّات، واغتصابهنّ. لكنْ مع التحرير، فُتح الباب مجدّداً أمام التشريع الذي يُنصف النساء. لا "داعش" بعد اليوم. انتصرت النساء، وسوف يُقَرّ زواج الفتيات في التاسعة. القوى التي تمسك بالأغلبيّة البرلمانيّة في بغداد مصمّمة على هذا الإنجاز.
لكنّ القانون الموعود ينطوي على ملامح تقدّميّة أخرى، فهو يمنع الزواج المدنيّ بين المذاهب كما الطوائف، أو يعرقله في أحسن الأحوال ويجعله موقّتاً. هذا يستدعي تعديل قانون عام 1959 الذي حرّر الأحوال الشخصيّة من سطوة الطوائف ورجالها ووحّد مرجعيّتها، جاعلاً سنّ الزواج للجنسين 18 عاماً.
الوضع الجديد قد يسعّر الطائفيّة، إذ تستقلّ كلّ طائفة بنظام لحياتها، لكنْ لا داعي للخوف إذ العراق يخلو من هذا الوباء تماماً. في المقابل، هو يتيح للفتاة البالغة تسع سنوات حرّيّة التوقيع على عقد زواجها بنفسها في حال غاب الوصيّ! وهنا أيضاً لا داعي للخوف، لأنّ الفتاة عندنا ما أن تبلغ التاسعة حتّى تتمّ لها الإرادة والإدراك في مواجهة عالمها ووعي مصالحها.
يضيف الكاتب: "ليست القضيّة كما يذهب بعض منظّمات المجتمع المدنيّ ومنظّمات الدفاع عن حقوق المرأة، قضيّة تعدٍّ على حقوق المرأة ومنح الرجل سلطة تحديد الزواج فقط، بل إنّها تعدٍّ على حقوق الأطفال بالدرجة الأولى. ذاك أنّ الطفلة في سنّ التاسعة لا زالت في مقاعد الدراسة الابتدائيّة، لم تكتمل جسديّاً ولا تفهم من العلاقة الجنسيّة شيئاً، كما أن العمر لا يؤهّلها لتحمّل مسؤوليّة الحياة الأُسريّة، بل لا تفهمها أساساً".
إذاً، انتهاك لحقوق المرأة. انتهاك لحقوق الطفل. حصار لأكراد الإقليم الذين قاتلوا "داعش". هكذا يكون الانتصار!
حقّاً هناك دائماً "داعشٌ" ما معنا. في ظلّه يصعب أن تنتصر النساء. أن يزهو الأطفال. أن يزدهر العراق.
* نقلا عن "الحياة"
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net