الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 12 / نوفمبر 22:02

محمد بن سلمان والفشل المقبل/ بقلم: عمار ديوب

كل العرب
نُشر: 11/11/17 08:36,  حُتلن: 09:11

عمار ديوب في مقاله:

محمد بن سلمان الآن وحيد في السعودية، ومن الطبيعي أن يكون السؤال: من أين تأتي قوة الأمير الشاب هذا؟

سيتعرّض بن سلمان لابتزاز أكبر من الأميركيين وهي بدأت فوراً مع الاعتقالات

الإشكال الذي سيواجهه محمد بن سلمان هو غياب البيئة الاستثمارية، فمصادرة الدولة الأموال تقدم مبرّراً كافياً لمغادرة رؤوس الأموال كما يجري، وليس لاستقطابها من الخارج

هل يتمكن ولي العهد من تجاوز كل الاحتمالات السلبية لتفرّده بالحكم؟ تجيب قراءة للخطوات المتسارعة للحدث السعودي: لا. 

لم يكن متوقعاً أن تتسارع الأحداث في السعودية، لكن ولي العهد لن ينتظر وفاة والده؛ إذ قام بجملة اعتقالات، طاولت أبرز رجال المال والإعلام، وقبل ذلك اعتقل شخصيات دينية فاعلة، وليست كلها محسوبة على التشدّد الديني، لكنها ليست متفقةً معه في التشدّد ضد قطر، ولم يشفع لها صمتها عن إبداء الرأي. تعادي اعتقالات ولي العهد، عائلة آل سعود بأغلبيتها، وهي أحد مرتكزات المملكة الأساسية، وكذلك تعادي المؤسسة الدينية، وهي المرتكز الثاني بالحكم أيضاً. إذا محمد بن سلمان الآن وحيد في السعودية، ومن الطبيعي أن يكون السؤال: من أين تأتي قوة الأمير الشاب هذا؟ ونقول ملكاً لأن الخطوة التالية بعد استقرار الحكم (إن استقر) ستكون تنحّي الملك سلمان واستلامه الحكم.

بدأ محمد بخطوات مهمة، ولاقت صدىً كبيراً عند الأوساط الشبابية، حيث سمح للمرأة بقيادة السيارة، وكُفّت نسبياً يد جماعة الأمر بالمعروف عن الخلق، وأطلق سراح صوت أم كلثوم، أخيراً، فصدحت بأغنياتها الممنوعة هناك منذ نحو أربعين عاماً. ولكن ما تلا الاعتقالات والقتل ومحاولات هروب أمراء هو ما سيفتح المجال لتطورات كبيرة في ذلك البلد. الاعتقالات بذريعة الفساد ليست حجة ذات معنى، فأغلبية الشعب السعودي، وبغض النظر عن وضعه الاقتصادي والاجتماعي، ترى أن الفساد منتشر على نطاق واسع في المملكة، وهناك من يرى أن احتكار الحكم بأسرة آل سعود أمر غير مشروع ومسألة قهر للسعوديين، فكيف ومحمد بن سلمان ينقلها إلى أسرته لتصير المملكة السلمانية. هنا مكمن الخطورة على الأسرة السعودية، وربما لأول مرة في تاريخها، حيث الأعداء سيكونون كثيرين.

الحرب المتعثرة في اليمن، والصفقات المهولة المعلنة مع ترامب، وانخفاض سعر النفط، عوامل ساهمت في البحث عن موارد جديدة للنهب، ودفعت محمد بن سلمان إلى وضع خطة يستولي بها على نسبة من أموال الأمراء وأصحاب المال، وهي خطة أميركية وإماراتية بالأصل، وتتكامل مع "تنظيف" البيت الداخلي الذي رفض كثيراً من سياساته، حيث لم تحبذ أوساط الأسرة المالكة عزل ولي العهد السابق، وهناك تسريبات تؤكد رفض أقوى شخصية مالية في السعودية والعالم، وأقصد الوليد بن طلال، ذلك العزل. لهذا كان لا بد من الاستيلاء على الأموال، بحجة مكافحة الفساد.

يبدو أن ولي العهد يستخدم لغة العنف، كالاعتقال والقتل وسواها، لينذر السعوديين بأن خيارات المستقبل متعلقة به شخصياً، أي بصمتهم حيال سياساته. إيقاف أكثر من 1700 ألف حساب بنكي، والأرقام تتزايد، ومصادرة الأموال لصالح الدولة، ولنقل التهديد بذلك كله سيدفع الأمراء إلى البحث عن تسوياتٍ معينة، تتيح لهم تفادي السجن والهرب لاحقاً. لا يعنيه ولي العهد ذلك، وربما يجري تسوياتٍ معينة في مقابل نسب مالية كبيرة. قوة الرجل متأتية من دعم الرئيس الأميركي له، ومسك الأمن والجيش وأخيراً الإعلام بين يديه، بالإضافة إلى إجرائه تعيينات جديدة واسعة، تتيح له المجال واسعاً لبسط سلطته المطلقة.

شبّه كتابٌ سوريون الوضع السعودي بالوضع السوري حينما تسلم بشار الأسد الحكم، ولكن ذلك غير صحيح، فالرئيس السوري لم يمارس قمعاً للسلطة الدينية، بل أفسح لها المجال، وشرعن "القبيسيات" مثلاً، ومكّن حلفاءه من الاقتصاد، وكانت الهيئات الخاصة بالفساد تعزّز منه ولا تحاربه، طبعاً الجيش والأمن خضع له سريعاً، ولم تظهر أيّة مشكلات بخصوص هذه القضية. يعادي محمد بن سلمان كل السلطات "المال والإعلام وبعض قادة الجيش اعتقلهم ورجال الدين"، عدا أنّه يعادي الأسرة السعودية الكبيرة، والتي يعتقد كل أمير فيها أن له الحق بالسلطة، عدا الأمراء الكبار في السن خصوصا، وبالتالي يفترض أن تكون السلطة من نصيب آخرين، وليس هو بالتأكيد. إذا المصدر الخارجي للدعم هو الرئاسة الأميركية وعائلة ترامب، وهناك من يؤكد وجود رضى إسرائيليٍّ عليه. أما المصدر الداخلي، أي الشعب، فلم يرَ جديداً يعتد به سوى ما ذكرته أعلاه من ناحية. ومن ناحية أخرى، هناك إخفاقٌ كبيرٌ يتراكم، ولا سيما الحرب على اليمن، وكلفتها ونتائجها، وكذلك فشل حصار دولة قطر وارتفاع الأسعار والتخلي عن دعم المواد الأساسية للمواطنين.

الإشكال الذي سيواجهه محمد بن سلمان هو غياب البيئة الاستثمارية، فمصادرة الدولة الأموال تقدم مبرّراً كافياً لمغادرة رؤوس الأموال كما يجري، وليس لاستقطابها من الخارج، وفقاً لخطته في إصلاح الاقتصاد السعودي إلى عام 2030، وتجاوز ريعية الاقتصاد، والاعتماد على قطاعات اقتصادية غير النفط. ربما تعود خصخصة جزء من أسهم "أرامكو" على الخزينة المالية بعوائد كبيرة. ولكن، بغياب خطة لإصلاح الاقتصاد، وبما يحوله إلى اقتصاد صناعي، وأشكال أخرى تتناسب مع الموارد السعودية، والاستمرار بصفقات الأسلحة، إضافة إلى الفساد والنهب الذي لن يتوقف، ستشكل هذه كلها عوامل إفشالٍ لخطط محمد بن سلمان، وربما ستحدث اضطرابات داخلية عنيفة، وقد يشكل تحالف جديد بين الأمراء المهمشين عامل تهديد كبير للسلطة.

خفوت الاعتراضات الحالية من داخل الأسرة السعودية أو رجال الإعلام، أو حتى الدول الخارجية، على ما يحدث هناك، لا يعني بحال استمرار ذلك. سيتعرّض محمد بن سلمان لابتزاز أكبر من الأميركيين، وهي بدأت فوراً مع الاعتقالات، عبر توصية ترامب طرح أسهم من "أرامكو" ضمن بورصة نيويورك. وسيستجيب ولي العهد لتلك الابتزازات بشكل مستمر، وحينما يجد نفسه خاضعاً أكثر فأكثر لطلبات الأميركان بشكل خاص، ستتزايد الصعوبات أمام خطته الطموحة. وحينها ستبدأ آثار فشل سياساته، حيث سيحصد الأميركان كل نتائج الخطة، وسيحصد الشعب والأمراء معهم الفشل. .. هل يتمكن ولي العهد من تجاوز كل الاحتمالات السلبية لتفرّده بالحكم؟ تجيب قراءة للخطوات المتسارعة للحدث السعودي: لا. 

* نقلًا عن العربي الجديد - لندن

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net       

مقالات متعلقة

.