عوض عبد الفتاح في مقاله:
ليذهب المقعد الى الجحيم، ولنقلب الطاولة، وليبدأ العمل على إعادة رسم قواعد ومقومات السياسة العربية لفلسطينيي الـ48، بعيدًا عن التناحر على التمثيل في كنيست إسرائيل
أعتقد انه يكفي ما ذكرنا أعلاه للتدليل من خلال المقارنة على ما وصلت اليه الجبهة من تدهور في مجال الالتزام الاخلاقي بالعهود وبالمسؤولية الوطنية، وما يجب عمله فورا وبدون تأخير
تعاني القائمة المشتركة من ثغرات جدية في طريقة عملها وفِي خطابها وفِي طبيعة العلاقات الداخلية
بقي السيد شوقي خطيب لحوالي تسع سنوات رئيسا للمتابعة، دون أن يحصل اي تحول حقيقي في مبناها
في عام 2002، كنت خارجا من مقر المحكة العليا الاسرائيلية، بعد استجوابي، أمام ثلاثة قضاة في اطار لجنة آور، عن دوري في هبة القدس والاقصى، بتهمة المشاركة في قيادة عملية التحريض على الهبة التي اجتاحت الخط الأخضر ردا على الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 (بالاضافة الى استجواب عزمي بشارة، والشيخ رائد صلاح ، وَعَبَد المالك دهامشة في وقت سبق).
اتصل بي الدكتور عزمي بشارة، رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي والنائب في الكنيست، وطلب مني القدوم الى مكتبه داخل الكنيست، للمشاركة في لقاء طلبه السيد شوقي خطيب، رئيس المجلس المحلي في يافة الناصرة، وأحد قادة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، بخصوص الحديث معنا عن ضرورة تنفيذ تفاهم بخصوص التناوب على رئاسة اللجنه القطرية للسلطات المحلية العربية، والتي تصبح أتوماتيكيا رئاسة للجنة المتابعه لشؤون المواطنين العرب، وفق ما كان متعارفا عليه آنذاك.
أجبته بأني افضل أن يكون الاجتماع في الناصرة وليس فِي داخل الكنيست . فاجابني أنّ شوقي ألح على اللقاء وانه وصل. وأضاف:" طالما انت هنا في القدس تعال الى المكتب". والحقيقة أنه كان قد مر حوالي خمس سنوات على مشاركة الحزب في انتخابات الكنيست دون أن ادخل الى المبنى. على الرغم اننا كحركة ابناء البلد كنّا من المبادرين الرئيسيين لإقامة التجمع والانتقال من المقاطعة الى المشاركة في الانتخابات، في ظروف ما بعد أوسلو مع امتناع ممثلي الحركة عن الترشح للكنيست على الأقل في المرحلة الاولى، لم أكن نفسيا مهيئا لدخول هذا المبنى، هي مسالة شخصية ومرتبطة بذهنية تعودت على المقاطعة لفترة طويلة. طبعا ، الأداء المذهل الذي قدمه عزمي بشارة وقدرته على تحويل منبر الكنيست الى ساحة مواجهة وصدام أيدلوجي يمس صميم الدولة اليهودية، وهو أمر غير مسبوق، خفف التخوف من أن تتكرر معنا تجربة من سبقونا الى كسر هذا التابو اذ صح التعبير، بل عزز القناعة التي رسونا عليها آنذاك، بخوض هذه التجربة رغم كل التناقضات المتضمنة فيها. على كل حال، وان كان هذا ليس السياق، ربما حان الوقت لاعادة النظر في المشاركة، بعد كل المتغيرات الخطيرة الجارية بتسارع في سلوك وبنية نظام الابارتهايد الكولونيالي، وفِي ظل سلوك بعض العرب الذين حولوا عضوية الكنيست الى وظيفة وليس رسالة، والمشاركة فيها الى دين وليس وسيلة نضالية يمكن أن نستفيد منها كشعب مضطهد في مرحله معينة ويمكن أن تضرنا في مرحلة اخرى.
وعودة الى الموضوع...
يذكر أنّ الانتخابات التي جرت لانتخاب رئيس اللجنة القطرية للسلطات العربية المحلية عام 1998، أسفرت عن تساوي الأصوات بين السيد شوقي خطيب والسيد محمد زيدان، رئيس مجلس قرية كفرمندا آنذاك: 28 صوتًا لكل واحد منهم. لم يكن للتجمع تمثيل في هذه الهيئة اذ كان لا يزال حزبا جديدا، وبالتالي لم نحضر عملية الانتخابات ولم نشهد على التفاهم الذي حصل كبديل عن اجراء جولة انتخابات ثانيه لحسم الامر لصالح احد المرشحين.
ولكننا كنّا ممثلين في لجنة المتابعة، انا والدكتور عزمي. وعلمنا انه تم الحديث عن تقاسم فترة الرئاسة، دون أن يكون اتفاق مكتوب وموقع. ومرت الايام وكاد اغلبيه الممثلين في اللجنة ينسون هذه المسألة.
ونظرًا لاهمية وخطورة الموضوع اذ كان جو من الاستياء داخل صفوف الجبهة لعدم تنفيذ التناوب في موعده بدأ ينتشر وينعكس على العلاقات الداخلية للمؤسسة التمثيلية العربية، حسمت ترددي بخصوص مكان اللقاء، وذهبت الى مكتب الدكتور عزمي بشارة، بعد أن مريت بعملية التفتيش الروتينية على مدخل مبنى الكنيست، حيث وجدت شوقي منتظرا عنده للتداول بشأن الموضوع وتوضيح موقفنا. فقد كان قادة الجبهة ومنهم شوقي خطيب، بدأوا يلمحون الى أنّ التجمع غير معني بتنفيذ التناوب، مع أنّه لم يكن أحد منهم قد اتصل بِنَا بخصوص هذا الموضوع، والاستفسار منا مباشرة. وللتذكير فقد كنّا جميعا أحزابا وجماهير نعيش، ومشغولون، بتبعات وإفرازات الانتفاضه والهبه الشعبيه داخل الخط الأخضر ، اولها سقوط الشهداء والمقاطعه اليهودية، الاقتصاديه ، للوسط العربي ، وحملات التحريض الجنوني و التعامل معنا على اننا جزء من العدو الفلسطيني خارج الخط الأخضر.
في مناخ هكذا كنّا نحتاج الى اعادة تنظيم صفوفنا واستخلاص العبر من تجربة الهبة الشعبية البطولية لفلسطينيي الـ48، خاصة وأنّ هناك أصوات اجتماعيه وسياسه واعلاميه بدأت ترضخ لحملة التهديدات والتحريض الاسرائيليه ضد المواطنين العرب وقياداتهم وتقيم خيم التعايش المزيف في محاولة لإفراغ الهبه من مضمونها الوطني والكفاحي . كنّا ، كحركة وطنيه وكشعب نحتاج الى اكبر قدر من الوحده والتعاضد وسد الثغرات التي يمكن ان تسهل على العدو المرور منها لإضعافنا ومنعنا من استثمار نقاط القوه التي تجلت في هذه التجربه الكفاحية، البطولية والاليمة.
بدأ السيد شوقي خطيب، حديثه معنا بالتعبير عن شعور بأننا غير معنيين بتنفيذ التناوب، وتمنى أن يكون مخطئا. وهو شكا من أنّ السيد محمد زيدان لا يبدو أنّه معني بذلك، لم تكن لدينا اي علاقه خاصة من السيد زيدان ولم نفتح معه هذا الموضوع، كانت علاقتنا به طبيعية مثل الجميع. وفي اللقاء، كنّا صريحين معه تمام الصراحة، أكّدنا له اولا اننا مع تنفيذ العهود وسندعم تنفيذ هذا التفاهم، مع اننا لم نكن شريكين فيه، ولا حاضرين في الاجتماع، وقلنا له أنّ لدينا ملاحظات على مواقفه، ومن الضروري ان تسمعها لأنك ستصبح رئيس لجنة المتابعة وهي المظلة التمثيلية التي نشارك فيها جميعا.
ملاحظة الدكتور عزمي كانت كالتالي:"لدينا تقدير انك ناعم جدا في مواقفك تجاه المؤسسة الاسرائيلية، وهذا لا ينسجم مع المناخ الكفاحي الذي رسمته الجماهير العربية بدمائها، نحن في مرحلة جديدة من الوعي الوطني لا بد من ترجمته في مؤسسات وطنية قوية". هو رد على الدكتور عزمي بهدوء ونفى أن يكون متجاوبا مع الاسرائيلين بخصوص التوجه نحو الاعتدال.
أمّا ملاحظتي، فكانت: أنا عضو ممثل عن التجمع في لجنة اعادة بناء لجنة المتابعة، ويدور منذ اكثر من أربع سنوات نقاش شديد وصعب حول تصورات البناء ، والجبهة هي التيار الوحيد الذي يعارض بشده تحويل اللجنه الى هيئه تمثيلية ممأسسه ويمنع التقدم ، وهي وأصرت ، على لسان عصام مخول آنذاك ، امام جميع أعضاء اللجنه ، ان اللجنه يجب ان تبقى كلجنة تنسيق مع تحسين طفيف . وقلت له انك في خلال كل هذه النقاشات والمداولات ، التي كانت تدور بعد نقلها من لجنة اعادة البناء الى الهيئه العامه للجنه المتابعه ، لم اسمع منك صوتا ، مما يعطيني انطباع اما انك معارض لاعادة البناء او انك غير مكترث.
لم يطل الاجتماع اكثر من نصف ساعة، تبادلنا الآراء والملاحظات، وانتهى الاجتماع بصورة ودية ومريحة، ولم نضع شروطا لدعمه. لأننا نحترم الاتفاقات والمواعيد ونحترم الكلمة، فالقضية لا تهم حزبا او افرادا بل شعب باكمله. وقبل انتهاء اللقاء صرح أمامنا بعد أن يصبح رئيسا للجنة المتابعه بانه سيواصل العمل على اعادة البناء للجنة المتابعة.
بقي السيد شوقي خطيب لحوالي تسع سنوات رئيسا للمتابعة، دون أن يحصل اي تحول حقيقي في مبناها، وللامانة يسجل له انجازا واحدا هاما غير تقليدي، الا وهو إصدار وثيقة التصور المستقبلي، ولكنه لم يعمل على تطبيق أي منها ولا زلنا ننتظر تطويرها وتنفيذها وهي مهمة باتت ملحة وملحة جدا. وفِي رأيي ورأي الكثيرين لا تزال المتابعة تدار بالطريقة نفسها، رغم كل الجهد الذي يبذل، لكنه لا يبذل في الاتجاه الاستراتيجي الصحيح. وكنتيجة لذلك، ولأسباب اخرى تتعلق بكل حزب على حده، نشهد تآكلا بالحضور الشعبي، والجاهزية الكفاحية، وفقدان لمشاركة وتفاعل الاجيال الشابة.
استمرار فضيحة التناوب في المشتركة
أعتقد انه يكفي ما ذكرنا أعلاه للتدليل من خلال المقارنة على ما وصلت اليه الجبهة من تدهور في مجال الالتزام الاخلاقي بالعهود وبالمسؤولية الوطنية، وما يجب عمله فورا وبدون تأخير. هذه المسألة ليست حول خلافات سياسية أو ايدلوجية، بل مسألة اخلاقية، ومسألة جوهرية تتعلق بأسس وقواعد العمل المشترك. كما أنّه يكفي أن نشير الى موقف الحركة الأسلامية الجنوبية، الاخلاقي، بخصوص تنفيذ التناوب لندلل على هذا التدهور لدى اعرق تنظيم حزبي بين فلسطينيي الداخل، ويقف على رأس اهم تنظيمين تمثيليين عربيين، لجنة المتابعه والقائمة المشتركة.
في الواقع تعاني أصلا القائمة المشتركة من ثغرات جدية في طريقة عملها وفِي خطابها وفِي طبيعة العلاقات الداخلية. وقد يكون لكل مركب مأخذ وانتقادات على الاخر، والتجمع ليس معصومًا عن الأخطاء مثل اي حزب او حركة اخرى، وهذا أمر طبيعي. ولكن التجمع الذي كان الأكثر حماسا وقناعة، سياسيا واجتماعيا، لفكرة المشتركة، بل اعتبره القابلة النظرية والفكرية لها، كان يتوخى مسارًا اخر لها، يَصب في تشيد الحركة الوطنية الموحدة لفلسطينيي الداخل، من خلال تطوير وترجمة وثائق التصور المستقبلي لتصبح لهذه الحركة قاعدة مادية وثقافية وتعليمية واقتصادية راسخه تمكن الشعب من الصمود والتطور من خلال تحقيق مستوى عال من الاعتماد على الذات، وتمكنه من مقاومة جرائم هدم البيوت وتشريد أصحابها.
إنّه لأمر محزن أنّه بدل أن تجري الجهود الفكرية والعملية والنقاشات المعمقة للتقدم نحو هذا الهدف الاستراتيجي، يشغلنا البعض بقضية صغيرة تكاد تكون تافهة اذا ما تعاملنا معها بكونها تتصل بمقعد في برلمان نظام الابارتهايد الصهيوني الذي يذهب بَعضُنَا اليه بكم هائل من التناقضات الاخلاقية والوطنية.
وأُفصح الان عن موقفي وعن موقف اخرين من قيادات الحزب، في الاجتماعات الداخلية، تجاه هذه المسالة ويتلخص: ليذهب المقعد الى الجحيم، ولنقلب الطاولة، وليبدأ العمل على إعادة رسم قواعد ومقومات السياسة العربية لفلسطينيي الـ48، بعيدًا عن التناحر على التمثيل في كنيست إسرائيل.
إنّها فرصة لاعادة الاعتبار للشارع والى الاجيال الشابة المتوثبة، وللعمل الشعبي الذي ندرك أنّه يحتاج الى ابداع كبير وجهد فريد، ولكنه بات الخيار الأساسي الملّح بعد كل هذا الركون الى الكنيست والطابع التنسيقي للجنة المتابعة. ليتحمّل المسؤولية الأخلاقيه والوطنية أمام الناس من خرق المواثيق، ومن فَرَّط بالقائمة المشتركة كأحد الاطر الوحدوية الهامّة، وأحدث شرخًا قد يصعب رتقه في ظل استمرار هذا السلوك ، فهل أحد يسمع!
لقد آن الاوان لتغيير المسار.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net