الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 13 / نوفمبر 00:02

بين المباح وغير المباح!..نايف خوري


نُشر: 11/09/08 07:29

*شدتني الكاتبة ميسون أسدي، في مجموعتها القصصية التي صدرت حديثا بعنوان "كلام غير مباح"، وأدهشتني مواضيعها التي تناولتها

لأني لاحظتها تتطرق إلى أمور نحاول جاهدين إخفاءها، والتغاضي عن أهميتها

ولكنها تعالجها بجرأة وحنكة ودراية بالجوانب التربوية والأبعاد النفسية والاجتماعية

أظهرت قدرة على المعالجة المواضيع كالمختصة والمجربة الواثقة مما تقول، وها هي تعلم ابنها الصلاة الربانية وتصلي معه كالمسيحية وهي الأم المسلمة بالفعل، وتجد المخارج لمطلب ابنها بضرورة إحضار صورة لعماده على يد الكاهن، وهو لا يدرك بأنه مسلم لم يتعمد

واستطاعت ميسون أن تصور بحس واقعي الأحداث العادية لتجعلها غير عادية، وتلقي عليها الأضواء الكاشفة من منظار مختلف، فتشعر وأنت تطالع القصص بأنك تعرفها، وأنك تدركها في قرارة نفسك، ولكنك تحيدها عن طريقك وتدع حلها للزمن

فهذا الطفل الذي تعلم النواحي الجنسية لولادته من بطن أمه، يضع الأم في اختبار عقيم ويطرح عليها السؤال تلو السؤال الذي تحاول الأم جاهدة للتهرب منه

وتلك المراهقة التي أخذت تتعرف على جسدها وتطرح قضية كل فتاة مثلها، وكل أم ستواجه هذه الحقيقة مع ابنتها من وجهة نظر جريئة لم تعهدها القصة العربية من قبل

فكيف يقبل العقل الشرقي أن تخاطب البنت أباها وتطلب منه ثمن صدريتها الأولى التي تنوي شراءها ويجيبها الأب بأن صدرها لا يزال صغيرًا؟ والعلاقات الاجتماعية من خلال الأجواء الاقتصادية والسياسية، ومرور الدبابات كأنها ديناصورات ستقتحم البلد، والتعامل بين الأب وأبنائه، من خلال تفضيل الولد عن البنت، والأحلام التي تراود الفتاة القروية البريئة التي تشاهد المستوطنة فتظن الحياة فيها أفضل

والأمنيات والتطلعات التي تخطر على بال الفرد وكأنها تخاطب المجتمع برمته

هذا عدا عن المسائل الملحة التي أخذ المجتمع يطرحها للنقاش العلني كالاغتصاب وغشيان المحارم والقتل على خلفية ما يسمى شرف العائلة


وقد تشعر بالارتياح أثناء مطالعتك للقصص وقد تشعر بالانقباض من الموضوع المطروح أمامك، وقد تشعر بالحرج نتيجة قراءتك لقضية شائكة، أو تشعر بالخجل من الفكرة التي قد تكون أنت بطلها، أو ابنك أو بنتك أو أي فرد من عائلتك

فهي قضايا نعيشها ونجاريها ونواجهها في حياتنا العادية واليومية وتمسنا في الصميم


يختلف الإنسان المبدع عن الإنسان العادي بأن المبدع يقوم بأعمال غير عادية، ولكن التعمق في العملية الإبداعية للسرد القصصي المباشر الذي تعرضه عليك الكاتبة يجعلك تظن بانه عادي، وتقول: "وأنا بوسعي أن اكتب هكذا"، ولكنك إذا حاولت يستعصي عليك الأمر، ويتعذر عليك القيام بمثله

واتخذت ميسون من شخصياتها المحلية وأماكن تواجدها في الساحة الجليلية، وجعلتها أكثر من محلية وأبعد من جليلية، ولاحظت أنها نقلت الحدث المحلي إلى كل بقعة يعيش فيها الناطقون بالضاد، فيتماثلون ويتعايشون ويتخاطبون بلغة الجليل وشخصياته


إن الديناميكية والتفاعل والتعامل بين الشخصيات والفعل المحوري تخلق الحبكة التي تقنع القارئ بأن القصة تحمل أفكارًا مميزة حتى لو عالجها آخرون من قبل

ولكن التعددية في الجوانب المطروحة يبقي المدى مفتوحًا على مصراعيه لوجهات نظر مغايرة

وفي هذا الصدد توغلت ميسون في أعماق النفس البشرية وسحبت إلى السطح مواضيع كامنة، وهي بمثابة الأمور المسلم بها، وتخاطب الجميع منادية ومستصرخة الضمائر للتنبه لمعيشة الجيل الحاضر والأجيال القادمة


قد تختلف العناصر والمدارس الأدبية في ما بينها وقد تتفق، فالرومانسية تنحو نحو المظلوم والفقير والجائع وتميل إلى الخاطئ والتائب وتنشيط الأحلام وتعزيز العواطف

بينما تعاقب الواقعية المجرم وتطالب المجتمع بأخذ دوره وتنظر إلى الفرد من خلال الجماعة والحرص على عدم الشذوذ والخروج عن المألوف

وكاتبتنا في مجموعتها هذه تتخذ الرومانسية حينًا والواقعية أحيانًا أخرى، ولكن كل موضوع وكل قصة تنتمي إلى مدرسة مختلفة وإلى جانر مميز، فهل أخذت هذه التعددية حقها؟
أعتقد بأن الكاتبة التي تقدم لنا الآن باكورة إصداراتها الأدبية، ترد على السؤال السابق، وتؤكد على قدرتها وتأهيلها لمثل هذه المواضيع

وإن المجتمع الذي يحظر مناقشة الشؤون العائلية والنفسية والجسدية، هو بأمس الحاجة إلى من يفتح له عيونه ويضيء دربه فيرى واقعه الحقيقي

وهذا المجتمع الذي يعيش ويمارس حياته التي لا ينتبه إليها، يأتيه من يهزه هزًا ويطالبه بالوعي والإدراك لمجابهة الأوضاع التي لا بد أن يواجهها على صعيد فردي أو جماعي

وكأنها تقول على لسان القس بن ساعدة الإيادي: "أيها الناس إسمهوا وعوا"

ولا يستغرب أحد إذا قرأ لميسون مقابلات صحافية أو تقارير متنوعة، فهذا يعود إلى تنوع مجالاتها، بين الأدب، العلوم الاجتماعية، العلوم النفسية، العلاجات المطروحة للحالات الخاصة، المجتمع الذي يحتاج إلى علاج ومعاملة مميزة كالمقعدين والمتخلفين

وكل هذا ينعكس في أجواء القصص التي تظهر في مضمار العمل والممارسة اليومية للكاتبة


ونلاحظ أن الساحة الأدبية تشهد في الآونة الأخيرة شحًا في كتابة القصة القصيرة، بعد أن طالعنا الأعمال الرائعة لكتاب مرموقين أمثال إدريس والسباعي ومنصور، وتجول في عالم الصحافة مقالات ومقابلات تطمح لتصبح قصصًا، ولكن القصة الصحافية تنحصر في إطار قد يتمزق أو يزول، ولكن ما يدرج في صفحات الكتاب فهو باق بقاء الكتاب الذي يدوم

وأفلحت ميسون بتوثيق أعمالها التي تدوم ولا تعتمد على الصحافة فحسب لنشر قصصها، وأخالها تضع قدمها في خطوة واثقة في عالم القصة وتنجح بتثبيتها، فيضاف اسمها إلى الكتاب والمؤلفين الناجحين


مقالات متعلقة

.