معن البياري في مقاله:
يُزيلون دولة قطر من خريطة الخليج في متحف فرنسي في أبوظبي، ويزيلون علمها من بين أعلام دول الخليج الست في ميدانٍ في الشارقة، ولا يظهرونه بين هذه الأعلام على واجهة برج خليفة في دبي في ليلة رأس السنة
لمّا باشرت وساطتها لحل الأزمة التي افتعلتها أبوظبي والرياض مع دولة قطر في يونيو/ حزيران الماضي، طلبت دولة الكويت منهما دلائل على اتهامهما الدوحة بدعم الإرهاب والإرهابيين. وهو الأمر الذي طلبه وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، من أهل الحكم في العربية السعودية، غير أن هؤلاء ونظراءهما في الإمارات لم يفعلوا حتى اللحظة. والبديهيّ أن حكومات دولٍ كثيرة، في أوروبا مثلا، لا تتساهل مع أي دولةٍ يثبت أنها تدعم إرهابا وإرهابيين، ويستحيل أن تُجامل قطر لو أنها اقتنعت، استنادا إلى دلائل مؤكدة، بارتباط أي مسؤولٍ في هذا البلد بفعل إرهابيٍّ في أي مكان. والعجيب في أمر تينك العاصمتين (دعك من القاهرة والمنامة) أن مغرّدين وزراء ومستشارين وأهل إعلامٍ وسياسةٍ فيهما (هل من سياسة فيهما؟) لا يملّون من ترديد هذه المعزوفة الناشزة، من دون إشهار قرينةٍ ظاهرةٍ على أي صدقٍ فيها. والأغرب أنه ليس هناك دولة في أوروبا والأميركتين (مثلا) صدّقت شيئا مما يثرثر به هؤلاء الذين لا يرعوون، ولا يستحي الإعلام المبتذل لديهم من اللتّ والعجن فيه.
وحتى بعد أن ضربت العفونة هذه القصة السمجة، مع مضي ثمانية أشهر، ها هو مغرّد في الإمارات، في منصب وزير دولة، ما زال، حتى أول من أمس، يحكي عن إضرار دولة قطر بجيرانها، من دون أن تبادر الأجهزة المختصة في بلاده إلى إشهار شاهدٍ على هذا الادعاء. وما يبعث على الهزء بهذا التخريف أنه ليس منسيا بعد الاتهام الصريح للإمارات الذي أشهرته سلطنة عُمان، في بيان رسمي في يناير/ كانون الثاني 2011، ليس بالإضرار بها، وإنما بـ"اكتشاف شبكة تجسّسٍ تابعة لجهاز أمن الدولة في دولة الإمارات العربية المتحدة، مستهدفة نظام الحكم في عُمان، وآلية العمل الحكومي والعسكري". ثم لم يكن نفي أبوظبي هذا الاتهام، في حينه، الأهم، وإنما سفر محمد بن راشد ومحمد بن زايد، برفقة أمير الكويت، فورا إلى السلطان قابوس.
مناسبة الإحالة هنا إلى هذا المقطع في الأزمة الخليجية ما تبدّى، أخيرا، من ارتجاجٍ ظاهر في تعليقات إعلام دول الحصار (سيما الإمارات والسعودية) على بدء حوار استراتيجيٍّ قطري أميركي سنوي، وتوقيع اتفاقاتٍ مهمةٍ بين واشنطن والدوحة، والإشادات الوفيرة التي أدلى بها وزيرا الخارجية والدفاع الأميركيان على جهود قطر في مكافحة الإرهاب. ومن قلة العقل أن يكترث واحدُنا بأن أذرع الإعلام في البلدين داهمتهم الاندفاعة المهمة في العلاقات القطرية الأميركية، الأسبوع الماضي، وهي انعطافةٌ بالغة الأهمية في مسار الأزمة الخليجية بالضرورة، غير أنه جاء لافتاً أن تحرص صحافات الدولتين، وكذا المغرّد الأبرز برتبة وزير في إحداهما، على نفي تخطيط أبوظبي والرياض لعمل عسكري ضد قطر، مع نشوب "أزمة 5 يونيو"، في ردٍّ على حديث نائب رئيس الوزراء وزير الدولة لشؤون الدفاع القطري، خالد العطية، في هذا الخصوص أخيرا، لصحيفة واشنطن بوست. وهو حرصٌ على النفي المشدّد مغايرٌ للذي فعلته صحافات دول الحصار والمقاطعة لمّا أعلن أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد، في سبتمبر/ أيلول الماضي في البيت الأبيض بحضور الرئيس دونالد ترامب، عن نجاحه في منع عمل عسكري كانت الرياض وأبوظبي ترتّبان له. ومع نفيٍ رسميٍّ من هذه الدول هذا الأمر، انقطعت صحفها وفضائياتها للوم أمير الكويت على ما قال (كان بعضها قليل الأدب)، وكأن القضية هي إشهار ذلك التدبير الأسود، وليس الحماقة الطائشة التي كانت ستأخذ الخليج، لا سمح الله، إلى حريق مهول.
يُزيلون دولة قطر من خريطة الخليج في متحف فرنسي في أبوظبي، ويزيلون علمها من بين أعلام دول الخليج الست في ميدانٍ في الشارقة، ولا يظهرونه بين هذه الأعلام على واجهة برج خليفة في دبي في ليلة رأس السنة. ويخرّف المغرّد المعروف، ضاحي خلفان، أن قطر من أملاك الإمارات، وأن منزل جده كان في موقع قناة الجزيرة في الدوحة.. وهكذا دواليك. ولكن، لماذا هذا كله؟ ليكن البساط أحمديا، ويبقّون البحصة، بدل خرّافية الإرهاب الساقطة التي لم يشترها أحد.. هل من شجاعٍ بينهم، ويقول ما لا يُقال؟
* نقلًا عن العربي الجديد - لندن
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net