مارون سامي عزّام في مقاله:
عندما يسافر نتنياهو إلى أمريكا، يشعر بارتياح كبير، لأنه وصل إلى منتجع دونالد داك... عفوًا دونالد ترامب، المزوِّد لكافّة الخدمات السياسيّة التي لم تكن متوفرة في عهد أوباما، منتجع خالٍ من أي ضغوطات سياسية
رفض سوبرمان الأمن جميع التقديرات الأمنية السّابقة والأخيرة، بأن إيران لا تُشكلُ خطرًا على إسرائيل، وكل ما يُقال من تصريحات إيرانية حول نيّتها بإزالة إسرائيل من الوجود، غير حقيقيّة بالمرّة
قبل أن يكون نتنياهو سوبرمان الأمن، كان نبيّ الرّعب
الجيش الإسرائيلي ما زال يكتشف وجود "أنفاق هجوميّة" تحت الأرض، يدّعي أنها اخترقت الخط الأخضر، يهدمها بكل تقنيات التفجير المتطوّرة جدًّا، ليصُد عن المستوطنات الهجمات الإرهابية. داخليًّا، اليمين يعتبر نتنياهو باني الدّرع الواقي لحماية هيبة الاستيطان الذي يشرعنه دون رادع أمريكي، بل بتشجيع منه، أمّا خارجيًّا، فهو يسوّقه على أنه سوبرمان الأمن، لكي ينقذ العالم من إيران، التي يعتبرها نتنياهو محور الشّر المتمركّز اليوم في سوريّا، تريد أن تزيد من سرعة طاحونَيّ التّوتّر على الجبهتَين السّوريّة واللبنانيّة، لتُشعلا احتكاكًا عسكريًّا مع إسرائيل، بأي ثمن، هكذا يزعم!!
التعسُّف السياسي جزء من السياسة الدّوليّة الرّسميّة للإدارة الأمريكيّة، وأمريكا التي يسودها الفوضى في عهد ترامب، باتت منعزلة سياسيًّا عن الشّرق الأوسط، لم تعُد راعية لعملية السلام، إرضاءً لافتراءات إسرائيل المعادية للتّفاوض، وتماشيًا مع الأجندة الأمنية المستَعجَلَة لنتنياهو، ومن جهة أخرى استطاع سوبرمان الأمن، والمتجبّر بالشعب الفلسطيني نتنياهو، أن يقنع حليفه الأمريكي الأهوج ترامب، بأن يصبّ جلّ تركيز سياسته الخارجيّة، على الملف الإيراني، الأهم دوليًّا!! لأنّه في أعلى سُلّم اهتمامات نتنياهو!!
عندما يسافر نتنياهو إلى أمريكا، يشعر بارتياح كبير، لأنه وصل إلى منتجع دونالد داك... عفوًا دونالد ترامب، المزوِّد لكافّة الخدمات السياسيّة التي لم تكن متوفرة في عهد أوباما، منتجع خالٍ من أي ضغوطات سياسية... تتوفّر فيه الوسائل الدّبلوماسيّة المريحة، للدّفاع عن أعمال إسرائيل، بوجود الحاضنة الأمميّة الأمريكيّة نيكي هيلي. خلال زيارة نتنياهو الأخيرة لبلاد استغلال الفرَص، قام بعرقلة آليّات إعادة إطلاق عمليّة السّلام، أخذ تعهّدًا من ترامب بأن ينسحب قريبًا من الاتفاق النّووي الإيراني، "السيء"، تمهيدًا لضرب إيران، القريبة من الحدود مع إسرائيل!
جعل نتنياهو المجتمع الإسرائيلي يعيش في دوّامة التّوتّر الأمني التي لا مخرج منها، فكيفما التفت، يجد أخبارًا وعناوين مخيفة، تحيط به سواء من خلال الأخبار الإلكترونية أو المتلفَزَة، أو عبر صفحة سوبرمان الأمن نتنياهو في الفيسبوك. لقد أصبح لديه حالة من الاستحواذ اسمها إيران، إذ يُصِر في جميع المحافل الدوليّة والإسرائيليّة، على وجود تهديدٍ أمني كارثي فارسي، يُهدّد وجود إسرائيل، يُبرِز لشعبه المسكين، عضلاته المعلوماتيّة الخارقة بكافة أشكالها، الاستخباراتيّة، والعسكرية أو من خلال التدريبات التي يقوم بها الجيش لحماية الجبهة الدّاخليّة.
رفض سوبرمان الأمن جميع التقديرات الأمنية السّابقة والأخيرة، بأن إيران لا تُشكلُ خطرًا على إسرائيل، وكل ما يُقال من تصريحات إيرانية حول نيّتها بإزالة إسرائيل من الوجود، غير حقيقيّة بالمرّة، ولا أساس لها من الصحّة، بتأكيد من دان مريدور، عندما كان وزيرًا للشّؤون الاستخباراتيّة، في عهد حكومة نتنياهو الثالثة، عام 2009، ولكن... كما يقول المثل "دق الميّ وهي ميّ".
التهديد الحقيقي لأمن إسرائيل يا سوبرمان الأمن، يكمن باستمرار حصار غزّة، ومنع المواد الغذائيّة والاستهلاكيّة عن السكّان... يكمن بتقليص عدد العمّال الفلسطينيين المسموح لهم بدخول إسرائيل... يكمن بإذلال المرضى على الحواجز والتنكيل بهم يوميًّا والاعتقالات الليليّة المتكرّرة، كل هذه الأمور تُنذِر بحدوث انتفاضة ثالثة، ستتحمّل إسرائيل مسئوليّتها.
قبل أن يكون نتنياهو سوبرمان الأمن، كان نبيّ الرّعب، عندما تولّى وزارة المالية في عام 2003، في عهد حكومة شارون، استعرض لنا نبوءاته التي لم ولن تتغيّر، قدّم لنا تقارير استخباراتيّة مفَبرَكة حول وجود الخطر الإيراني، أنفق الجيش مليارات الشّواكل هباءً على التحضيرات العسكريّة لتوجيه ضربة استباقيّة للمنشآت النّوويّة الإيرانيّة، التي أُلغيَت في اللحظة الأخيرة... إذًا نجح نتنياهو سوبرمان التهويل الإعلامي، بكتابة سلسلة سيناريوهات دراميّة مشوّقة عن قرب نشوب حربٍ مع إيران، علّق على كتفيه عباءة التّرويج العالمي لروايته الإسرائيليّة الكاذبة، التي يُحَلّق بها في أنحاء العالم، يُطلِق صواريخ تعنّته الفاشلة في فضاء المجتمع الدّولي، الذي بات مُضادًا لها، لأنه سئم بهلوانات نتنياهو التحريضيّة!!
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net