مؤرخون فلسطينيون وإسرائيليون : رواية مذبحة دير ياسين تعرضت للتهويل بدوافع مختلفة
وديع عواودة- يؤكد المؤرخ الفلسطيني دكتور عادل مناع أن عدة جهات بشكل متعمد أو دون قصد قد بالغت في عرض تأثير مذبحة دير ياسين التي تصادف ذكراها السبعون أمس على تهجير الفلسطينيين من وطنهم. وكان المؤرخ مناع قد شارك في جولة نظمتها جمعية " يذكرن " الإسرائيلية على أراضي دير ياسين ضمن مساعيها لتعميم الرواية التاريخية على الإسرائيليين ومحاولة إقناعهم بأن الطريق للسلام تمر عبر اعتراف إسرائيل بمسؤوليتها عن النكبة وباحترام حق عودة اللاجئين والعيش ضمن دولة واحدة.وشملت الجولة سماع رواية المكان وتثبيت لوائح تشمل أسماء ضحايا المذبحة باللغتين العربية والعبرية. ويوضح مرشد المجموعة التي زارت دير ياسين محمد بركات المقيم في القدس " أن عشرات من الإسرائيليين وبعض الفلسطينيين والأجانب قد شاركوا في الجولة الميدانية لدير ياسين غربي القدس المحتلة التي هدمت إسرائيل معظم بيوتها وأقامت على أنقاضها مستوطنة عدا المقبرة وبعض البيوت التي تستخدم اليوم مستشفى مجانين. ونوه بركات إلى أن الجولة هذا العام تمتاز بخصوصية ليس فقط للذكرى السبعين للمذبحة بل لتزامنها مع مسيرة العودة وارتكاب مذبحة جديدة بحق متظاهرين مدنيين. وتابع " ما أشبه اليوم بالبارحة فعلا. النكبة ليست حدثا تاريخيا انتهى عام 1948 بل هي مستمرة لكن شعبنا ما زال يتذكر ويتمسك بالعودة لدياره وبعض القرى ما زالت ملامحها على حالها كما يتجلى بكرومها وسلاسلها الحجرية ومشاهدها الريفية وبعض عمارتها الناجية من الهدم ". ونوه بركات إلى أن جد والده اسماعيل عطية قتل في المذبحة وقال إن بعض بيوت القرية الفلسطينية ما زالت قائمة منها بيت جده الذي يستخدم مستشفى إسرائيلي للمجانين. كما أشار لبيت زوج خالة والده أحمد رضوان المسكون من قبل يهود وبات جزء من حي " غفعات شاؤول " القائم على أراضي دير ياسين وهو موجود قبالة مدرسة للبنين التي تستخدم اليوم مدرسة يهودية دينية. وقال بركات إن عددا من أقارب عائلته قتلوا في المذبحة وإنه سمع من بعض الناجين منها أمثال مهندس الطيران المتقاعد المقيم في أمريكا اليوم داهود أسعد رضوان ويوسف أحمد رضوان المقيم في عمان وشارك المؤرخ وليد الخالدي في إصدار دراسة حول دير ياسين قبل سنوات. وينقل عنهم القول إن أهالي دير ياسين اتفقوا مع اليهود في البلدة اليهودية المجاورة غفعات شاؤول قبيل 1948 على الحفاظ السلام المتبادل والتنبيه من أي خطر لكنهم وجدوا أنفسهم ضحية غدر الجيران أيضا.
من جانبه شدّد المؤرخ المختص بالتاريخ الفلسطيني الحديث بروفسور مصطفى كبها أن نيسان/أبريل 48 شهد أحداثا حاسمة ضربت معنويات الفلسطينيين . ويتابع" وجدنا مجزرة دير ياسين التي اقترفت بالتاسع من نيسان في وعي الفلسطينيين بكل البلاد لا في طبريا وحيفا فقط واللتين سقطتا في مثل هذا الشهر بعد نحو أسبوعين من دير ياسين".
تهجير وانتقام
ويوضح كبها أيضا أن الصهيونية استخدمت المجازر للانتقام أيضا من كل من عادى المشروع الصهيوني في فترة الانتداب.
ويدلل كبها على مسؤولية إسرائيل عن هذه المجازر بالإشارة أنها هي وليست منظمات " الإيتسل" و" الليحي" أو " الهجاناه" ،ارتكبت مذابح كثيرة بعد قيامها كدولة منتصف مايو/أيار.
لماذا تم تهويل مجزرة مروعة
وردا على سؤال حول مدى التضخيم والتهويل الذي شهدته مذبحة دير ياسين يؤكد المؤرخ دكتور عادل مناع أن أن عدة جهات شاركت بالتهويل ومنها أوساط إسرائيلية مثل الدكتور والجنرال الإسرائيلي الراحل مئير بعيل الذي عمل عام 1948 ضابطا في استخبارات الهغاناة وقدم تقريرا عن المذبحة قال فيه إن منظمتي " الايتسل " و " الليحي " قد قتلتا 254 شخصا،وذلك في محاولة للنيل من سمعتهما لأنها كانتا تعارضان منظمته " الهغاناه". كما أن " الايتسل " أصدرت تقريرا بنفس يوم المجزرة ذكرت فيه أن 250 فلسطينيا قد قتل خلال احتلال قرية دير ياسين. ويتابع " يقول السياسي الكاتب الفلسطيني الراحل حسين فخري الخالدي في مذكراته إنه لعدم قدرة الفلسطينيين وقتها زيارة الموقع كلفوا رئيس الصليب الأحمر في القدس بزيارة دير ياسين لاستكشاف حقيقة ما جرى وفعلا عاد من هناك في 11 أبريل / نيسان وأكد رواية بعيل و" الهغاناه ". ويعتقد مناع أن كافة الإنجليز أيضا ذكروا عددا أكبر من عدد شهداء المذبحة( نحو 110 شخص). ويتفق مناع مع المؤرخ البروفيسور وليد الخالدي الذي بحث الموضوع ويشكك بما رواه باحثون آخرون حول الأثر البالغ لدير ياسين على تهجير/هجرة الفلسطينيين بدافع الخوف. في كتابه أشار وليد الخالدي إلى أن القرى المجاورة لدير ياسين مثل عين كارم وصوبا لم ترحل ولم يهرب سكانها بعد المجزرة وظلت تقاوم حتى احتلت في يوليو/تموز 1948.
مجازر في الجليل
ويضيف مناع " في أبحاثي التاريخية وجدت ما يدعم هذه الرؤية ففي نهاية 1948 وخلال استكمال احتلال الجليل ارتكبت الصهيونية 14 مذبحة من عيلبون إلى الصفصاف ولم يهرب الكثير من الفلسطينيين وصمدوا وبقوا في قراهم حتى اليوم. وردا على سؤال حول ما تتناقله الرواية التاريخية الشفوية حول الأثر الكبير لدير ياسين على هجرة فلسطينيين كثر يوضح مناع أن الكثير من الناس قدموا شهادات متأخرة ذكروا فيها دير ياسين والترهيب الناتج عنها لكن تاريخيا هناك مبالغات في عرض تأثير دير ياسين وقد استغلت الصهيونية هذه الرواية وساهمت بتعميمها خدمة لروايتها التاريخية بأن الفلسطينيين هربوا من وطنهم".
ترهيب
يشار أن المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس أيضا أوضح في كتابه الأخير(حرب 48) أن الصهيونية سارعت لتهويل مجزرة دير ياسين التي وقعت في التاسع من أبريل/نيسان بهدف ترهيب وتهجير الفلسطينيين لافتا لقول بن غوريون بأن دير ياسين،إضافة لمقتل القائد الأعلى،عبد القادر الحسيني، ساهمت في سقوط حيفا. ويتابع موريس بهذا السياق" كانت أسطورة دير ياسين تعادل زيادة 6 كتائب لقوة الصهيونية فاستبد الفزع بالعرب".
المعركة على الرواية
يذكر أن الباحث المعادي للصهيونية د. إيلان بابه صاحب كتاب " التطهير العرقي في فلسطين" أن المجزرة وقعت ضمن خطة مكتوبة وضعتها الصهيونية مسبقا وتعرف بالخطة "د" وبواسطتها هجروا نحو 500 قرية و11 مدينة. وبخلاف مؤرخين إسرائيليين كثر يؤكد بابه أن حرب 48 استخدمت من قبل الصهيونية وسيلة لتطبيق خطة التطهير العرقي نافيا المزاعم الصهيونية التقليدية أن المساس بالمدنيين هو نتيجة طبيعية لكل حرب. ولا يبد بابه استغرابه من قرار محكمة إسرائيل العليا بالتحفظ على أرشيف دير ياسين حتى اليوم لأن من شأنه كشف الحقائق الدامغة منوها أن المعركة على الوعي والرواية ما زالت على أشدها.
التمسك بالعودة
وتساءلت " يذكرن " في بيانها بهذه المناسبة إلى متى سيتم نفي حق عودة اللاجئين الفلسطينيين؟ وتابعت " على خلفية الأحداث الدموية المروعة التي استهدف بها اللاجئون في غزة لابد من استذكار مجزرة دير ياسين وهي مجزرة لا تستذكر في إسرائيل لأن ذكراها تعني الاعتراف بحق عودة لاجئي دير ياسين وبقية اللاجئين بمن فيهم أولئك في القطاع لأراضيهم التي سلبت ونهبت.
في وقت سابق التقينا الحاج عبد القادر زيدان أبو حسن (88عاما ) من دير ياسين أصلا ومقيم في قرية بيتين قضاء رام الله شارك في حامية القرية في ليلة المذبحة وقال إن نحو 60 من شبابها دافعوا عنها حتى نفدت ذخائرها.
بيت بيت
ويوضح أبو حسن على مسمع بعض أحفاده أنه في البداية قتل اليهود حراس القرية من الجهة الشرقية فاستيقظ السكان على أزيز البنادق الرشاشة وعندها هب المسلحون أبناء القرية وتصدوا بالبنادق. وبذلك يقدم هو أيضا دليلا على مقاومة أهل القرية بما ملكوا لحماية أنفسهم ويتابع" كنت أحد المدافعين عن القرية وتبادلنا رمي النار مع اليهود من بيت لبيت وخلال ذلك ذبحوا النساء والشيوخ والأطفال. وأضاف أبو حسن ووجهه بدا متجهما محتقنا " فيما بعد وعندما وصلنا سوية مع سكان دير ياسين نازحين لقرية عين كارم المجاورة فجعت بسماع نبأ مقتل والدي حسن وشقيقي علي وعمي مصطفى وزوجته عايدة وأولادهما السبعة وابن عمي موسى زيدان وأولاده الثمانية وابن عمتي عبد الله الذي أسروه ورموه بالنار قبالة والدته ثم أحرقوه بالكاز". واستذكر بصوت مرتجف أنه بكى وقتها حتى جفت الدموع في مقلتيه منوها أن مصيبته كانت جزءا من كارثة أكبر منوها أن ذلك ربما خفف عنه وقع المصيبة".
ولد في دير ياسين
وعرضت " يذكرن " الليلة الماضية فيلما عن دير ياسين بعنوان " ولد في دير ياسين " للمخرجة الإسرائيلية نيطع شوشاني. وتابعت في بيانها إن في الأيام الفاصلة بين يوم الأرض ويوم النكبة، تذكّرنا مسيرات العودة في غزة بأنّ عودة اللاجئين هي التي ستساهم في إيجاد حل منصف ومستدام للنكبة المستمرة. لافتة إلى أن القمع الوحشي لهذه المسيرات يعكس تخوف الجمهور الإسرائيلي من خوض نقاش معمق، صريح ومسؤول حول سنوات النكبة السبعين وحول إمكانية تحقيق العودة. وتابعت " يذكرن " : " في هذه الأيام تحديدًا، يجب أن نصغي لما تقوله القصائد التي تحتج على مساعي محو وإخراس النكبة، وتبعث الأمل في النفوس حيال إمكانية تحقيق العودة". وستنظم " يذكرن " بعد أيام أمسية شعرية ونثرية، باللغتين العبرية والعربية، بمشاركة شعراء فلسطينيين ويهود وهم شيخة حليوة، طال هران،رجاء ناطور ويوفال بن عامي.