جاء في مقال عيسى قراقع - رئيس هيئة شؤون الاسرى والمحررين:
كيف كان اليوم الاول في منازل 62 شهيدا ارتقوا في قطاع غزة خلال مسيرات العودة الكبرى؟
اليوم الاول في شهر رمضان سمعت امهات الشهداء يؤكدن ان الشهداء خرجوا ليلا الى الشوارع يحملون الورد للاحياء ، من يبصرهم هناك على جسور الذاكرة؟
في اليوم الاول من شهر رمضان وفي غزة، ما يجمع الناس نبضة، تم توزعهم دقات القلوب، تراهم يلملمون اجسادهم قطعة قطعة، يصلون جماعة ويغرسون الورد بين الدموع وبين الجراح
في اليوم الاول من شهر رمضان المبارك، سلام الى غزة، هي من مواليد النار، ونحن من مواليد الانتظار والبكاء على الديار
يحل شهر رمضان الفضيل هذا العام في ظل نكبة فلسطينية دامية مستمرة ومتفاقمة ترتكبها سلطات الاحتلال الاسرائيلي بحق ابناء شعبنا الفلسطيني قتلا واعتقالا واستيطانا وتهويدا وتشريدا.
كيف كان اليوم الاول في منازل 62 شهيدا ارتقوا في قطاع غزة خلال مسيرات العودة الكبرى؟ عاد اهاليهم من الجنازات الجماعية، القمر في السماء، الجثث على الارض، الدماء لم تجف على طول حدود قطاع غزة، حسرات وبكاء وفجع وذهول وصدمات في كل بيت وحارة وشارع، هي مجزرة خرج الناس منها باشلائهم وجثثهم واعمارهم الباقية.
اليوم الاول في هذا الشهر المبارك، شهر الصيام، الشهر الذي هو خير من الف شهر ، يعمده الشهداء والارواح التي صعدت الى بارئها، لا زالت نكافاتهم معلقة على الاسلاك، حجارتهم ، قمصانهم، اغانيهم واناشيدهم، ولن يكونوا على موائد الافطار، الموائد ناقصة والقبور مزدحمة.
اليوم الاول في شهر رمضان تجيش الذكريات، الكل صامت، هذه الام تتفقد ظلال ولدها الغائب، كان هنا، هذه حقيبة مدرسته، هنا كان يجلس، هنا كان ينام ويسهر، هنا كتبه واغراضه الصغيرة، هنا كان يحلم ويحلم، الوقت صيام والوقت وداع ورحيل.
اليوم الاول في شهر رمضان سمعت امهات الشهداء يؤكدن ان الشهداء خرجوا ليلا الى الشوارع يحملون الورد للاحياء ، من يبصرهم هناك على جسور الذاكرة؟ من يرى شرايينهم تدلنا على دروب العودة؟ تبلغ حيفا والناصرة، والامهات صادقات صادقات يؤكدن ان الشهداء يعودون في الفجر زهورا بين عشب المقبرة.
اليوم الاول في شهر رمضان ، جروح كثيرة، المستشفيات مكتظة، الثلاجات مكتظة، صوت الآذان يعلن سقوط شهيد، صوت الآذان يدعو لافساح المجال للجنازة، صوت الآذان يعلن انه في قطاع غزة وخلال احتفال امريكا بنقل سفارتها الى القدس، خلال النشوة الفاجرة، ارتكبت مذبحة وفاض الدم، تجمعت الملائكة ، تجمعت ارادات المحاصرين الموجوعين الفقراء اللاجئين يكتبون سيرتهم بالحجر رسلا بلا حاشية.
في اليوم الاول من شهر رمضان وفي غزة، لم نعد لاجئين، صور الشهداء على جدران المنازل وليس بطاقات الاعاشة، حكايات اسطورية يرويها الناس حتى صلاة الفجر، زفاف سعيد قبل الجنازة، يوم ميلاد شهيد قبل الموت، وليد جديد ومخاضات دائمة.
في اليوم الاول من شهر رمضان وفي غزة، ما يجمع الناس نبضة، تم توزعهم دقات القلوب، تراهم يلملمون اجسادهم قطعة قطعة، يصلون جماعة ويغرسون الورد بين الدموع وبين الجراح، بعضهم وصل القدس بنصف جسد، كتب اسمه على مصاطبها وحجارتها و اغمض عينيه الى الابد.
في اليوم الاول من شهر رمضان في قطاع غزة، خبز كثير، وموت كثير، سنابل تنمو في الاجساد المهشمة، سنابل على السياج الحدودي ، سنابل على الارض التي حرقت بالرصاص وبالقنابل ، ويتساءلون: كيف استوى القمح في قطاع غزة ومشى النخيل بين الجثث الواجمة؟ نخلة تغطي بسعفها جسد طفلة نائمة.
في اليوم الاول من شهر رمضان في قطاع غزة، قامت القيامة، شعب عضلاته تفتحت تحت الهراوات وفي كوابيس الحصار والسجون، اجيال تفيق وتفيق في غرف التحقيق، الذاكرة لم تمت ، غزة اشتعلت في القدس وقدمت لحمها المرّ، سكبت دمها في وجه احتفالاتهم الغاشمة.
غزة في اليوم الاول من شهر رمضان الفضيل تقول: حياتنا التي نريدها بلا حدود، لن نقف امام اليافطات التي تقول لنا قف، نتجاوز الحدود والحواجز وحقول الالغام بحثا عن الحرية، لن نسمح للرئيس ترامب ان يعيد امجاد سلالته في الغرب الامريكي وعمليات القتل والابادة التي تمت بشكل همجي للسكان الاصليين، هنا حياتنا وستبقى قائمة.
في اليوم الاول من شهر رمضان المبارك، سلام الى غزة، هي من مواليد النار، ونحن من مواليد الانتظار والبكاء على الديار، وهذا ما قاله شاعرنا الكبير محمود درويش: قد يكسرون عظامها، قد يزرعون الدبابات في احشاء اطفالها ونسائها وقد يرمونها في البحر او الرمل او الدم، لكنها لن تقول للغزاة نعم، ستستمر في الانفجار.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net