ردًّا على أسعد غانم: المشتركة، القائمة البديلة، الأحزاب والعمل السياسي/ بقلم: سليم سلامة

كل العرب
نُشر: 01/01 14:38,  حُتلن: 19:40

سليم سلامة في مقاله:

هل أيمن عودة، شخصيا (الذي طرحتُ أنا شخصياً نقاشات سياسية حادة جدا معه) هو "مشكلة القائمة المشتركة" وسبب أزمتها وفشلها؟

جاء غانم الآن ليوجّه "نداء أخيراً" إلى "القائمة المشتركة" يعتبرها فيه "الإخفاق السياسي الأكبر في تاريخ السياسة العربية في إسرائيل منذ 1948" ويشرح مدى "خيبة أمله" (على الأقل!!) من عضو الكنيست أيمن عودة

لستُ في صدد أي دفاع سياسيّ عن عضو الكنيست أيمن عودة. لكنّ للحقيقة وجهاً واحداً فقط، لا وجهين اثنين! ووجه الحقيقة هنا أنّ مَن رفض إقامة "القائمة المشتركة" وعارضها منذ بداياتها، بل قبل بداياتها حتى، لا يستطيع القفز من الشبّاك اليوم ليقول للناس: "وأنا شخصيًا اعتقدت قبل الانتخابات، ولفترة طويلة بعدها، أن القائمة المشتركة هي إنجاز كبير...."! و"القائمة المشتركة هي إنجاز مهم يجب الحفاظ عليه وتعزيزه"! كما كتب بروفيسور أسعد غانم (في مقال نشره في صحيفة "هآرتس" يوم 27/5/2018 - https://www.haaretz.co.il/opinions/.premium-1.6118744، ثم نشر ترجمة غير دقيقة تماما له في "موقع العرب" يوم 28/5/2018 - https://www.alarab.com/Article/859266 .WwweDkw8OHs.facebook).

ذلك أن الحقيقة هي أن غانم عارض "المشتركة" وتحدث باسم "الأكاديميين" في اجتماع (مع عضو الكنيست أحمد طيبي ورئيس بلدية الناصرة، علي سلّام) عُقد في الناصرة قبيْل الانتخابات بهدف "إقامة قائمة بديلة"!. بل أكثر منذ ذلك: فقد كتبَ مقالاً خاصاً تحت عنوان "التجمع والاسلامية أكثر المستفيدين من القائمة المشتركة"، نُشر في موقع "العرب" يوم 21/1/2015 (https://www.alarab.com/Article/660145)، أي قبل ساعات معدودة من إعلان التوصل إلى اتفاق نهائي على تشكيل "المشتركة". في ذلك المقال، وصف غانم القائمة المشتركة بأنها "قائمة الاحزاب والنوادي المغلقة"! وأضاف: "هذه القائمة البديلة التي يُسعى الآن لإقامتها ليس لها مكان لو التزمت لجنة الوفاق والأحزاب بإقامة قائمة وحدوية ووطنية" وأن "إقامة قائمة بأيّ شكل وبأيّ ثمن .... قد يفتح الباب جديًّا الآن لتشكيل قائمة بديلة لا تقل وطنية ولا تمثيلاً ولا التزامًا بقضايا الناس عن قائمة الأحزاب"!!

حتى أنّه (غانم) استحثّ عضو الكنيست أحمد الطيبي وحركته (العربية للتغيير) على رفض "معادلة توزيع المقاعد" محذراً إياه (الطيبي) وإياها (الحركة) من أن "قبولاً ممكنًا للحركة العربية للتغيير وللطيبي شخصيًّا، لما طُرح بالأمس هو تراجع واضح عن مواقفه الأخيرة، وقبوله لقائمة مبنية على مفتاح الانتخابات الاخيرة وتركيب قائمة من نادٍ مغلق للأحزاب يضر بالطيبي والعربية للتغيير أكثر من أي شيء آخر، ويضع الانجاز من حيث الدعم الشعبي للطيبي في مهب الريح"!!

وإلى ذلك، فقد ضمّن غانم مقالته تلك (قبل إعلان "المشتركة" بساعات) نقداً حادا لـ"لجنة الوفاق" التي رأى إن "مواقفها غير مقبولة ومستهجنة، إلا إذا كانت لجنة الوفاق تعتقد بأن إبراز دورها التوافقي والزعاماتي بأي ثمن هو أهم من مصالح مجتمعنا، وضرورة الاستفادة مما وضع من مسؤولية تاريخية بين أيديها لإنجاز وحدة سياسية وشعبية تستحق أن يذكرها التاريخ، ولو بملاحظة"! ثم نقداً حاداً أيضا "للأحزاب" التي، كما يعتقد، "تصرّ على مصالحها وتقوم بذلك في كثير من الحالات في شكل يتعارض مع مصالح مجتمعنا وشعبنا"!

لماذا؟؟ لأنّ ـ كما كتب: "المعادلة التي يتم تداولها حول حصول تقسيم حزبي لمركبات القائمة يبقى سيد الموقف من حيث الأحزاب السياسية. هذا الموقف لا يتفق ولا بأي شكل مع مطلب الجماهير العربية بأن تكون هنالك قائمة عربية وحدوية ووطنية، بل يتناقض مع هذا المطلب ويجعل من ترتيب الكراسي سيداً للموقف، بدل اللجوء إلى الاستفادة من الفرصة التاريخية وبناء جبهة وطنية عريضة تمثل غالبية قطاعات شعبنا في الداخل"؛ هكذا كتب غانم حرفياً وأضاف: "فغالبية شعبنا لا زالت خارج التمثيل السياسي، ولن تذهب مرة أخرى لتصوت"!! (بين قوسين، يجب التذكير هنا: ثبت، بدليل نسبة التصويت وما حصلت عليه "المشتركة" من أصوات، أن كلام البروفيسور عن "مطلب الجماهير العربية" كما يراه هو ويعرضه لا أساس له من الصحة ولا علاقة له بالواقع. والأمر ذاته يُقال، أيضا، عن "جزمه" بأن "غالبية شعبنا لن تذهب للتصويت مرة أخرى"!!. وأنا أقول هذا رغم موقفي المعارض، آنذاك والآن، لقائمة "ترتيب الكراسي" ومعارضتي أصلا لخوض انتخابات الكنيست والمشاركة فيها، ترشيحا أو تصويتا، وهو موقف عبرت عنه ونشرته في العديد من المناسبات والمواقع).
فكيف لمن كتب هذا كله، وغيره أيضا، أن يأتي إلى الناس اليوم ليقول إنه "اعتقد قبل الانتخابات، ولفترة طويلة بعدها، أن القائمة المشتركة هي إنجاز كبير...."، بل "إنجاز غير مسبوق"!! وإن "القائمة المشتركة هي إنجاز مهم يجب الحفاظ عليه وتعزيزه"؟؟!!

تساؤلات، برسم المكتوب
غير أنّ ما سُقناه أعلاه ـ على أهميته وخطورته! ـ ليس كل ما في الأمر هنا. فقد جاء غانم الآن ليوجّه "نداء أخيراً" إلى "القائمة المشتركة" يعتبرها فيه "الإخفاق السياسي الأكبر في تاريخ السياسة العربية في إسرائيل منذ 1948" ويشرح مدى "خيبة أمله" (على الأقل!!) من عضو الكنيست أيمن عودة إذ يحمّله، شخصيا ومباشرة، المسؤولية عن غياب القائمة المشتركة عن "النضال" ضد هجمة اليمين وحكومته على "الفلسطينيين في إسرائيل والمناطق" ـ هذا "النضال" الذي تجندت له "جهات مختلفة في المجتمع الفلسطيني في إسرائيل، وفي مقدمتها لجنة المتابعة العليا، تنظيمات المجتمع المدني، رؤساء سلطات ونشطاء ميدانيون مستقلون" (مَن هم الذين تجندوا لهذا "النضال" ولماذا لا يراهم عموم الناس؟!).
ثم يواصل البروفيسور الشرح حتى يصل إلى سطره الأخير: "الإخفاق هو، أولا وبالأساس، إخفاق قادة القائمة المشتركة وعلى رأسهم عضو الكنيست عودة....على عودة العمل بسرعة لقيادة القائمة المشتركة وجمهور النشطاء من حولها وتنظيم عملها الجماعي كجزء من العمل القائم أصلا في المجتمع العربي، وإلا فسيكون ملزما باستخلاص الاستنتاجات بشأن قدرته على قيادة القائمة المشتركة في السنوات القادمة"!!
أما استمرار الوضع على ما هو عليه الآن، دون أن ينفّذ أيمن عودة ما يطلبه منه الكاتب (ويبدو، واضحا تماما، أنه لن ينفّذ، لأسباب وظروف مختلفة، ذاتية وموضوعية!) فسيؤدي ـ في منظور غانم ـ إلى "إقامة قائمة عربية بديلة" (!) أو الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات (رغم علمه بأن المقاطعة قائمة ومتزايدة، منذ سنوات عديدة).
عند هذا الكلام، وغيره مما يضيق المجال لاقتباسه هنا، يجب التوقف مليّاً والتساؤل:
1. هل أيمن عودة، شخصيا (الذي طرحتُ أنا شخصياً نقاشات سياسية حادة جدا معه) هو "مشكلة القائمة المشتركة" وسبب أزمتها وفشلها؟؟ هل هذا "تحليل علمي وأكاديمي"؟؟ أم "سياسي ـ حزبي" له صلة بالعلاقات الاجتماعية ـ السياسية ـ الحزبية وبالصداقات الشخصية؟؟
2. أين هو "النضال" الذي "تجنّدت" له الجهات التي يعدّدها الكاتب، وخصوصا "لجنة المتابعة العليا" (ما للحقيقة وللعلاقات الشخصية؟؟) و"تنظيمات المجتمع المدني" و"رؤساء سلطات"؟؟
3. هل لهذا المقال، بنصه وروحه وتوقيته، علاقة بالاستطلاع الأخير الذي نُشر حول "أي أعضاء الكنيست أكثر شعبية لترؤس القائمة المشتركة"؟؟
4. هل كُتب هذا المقال، بنصه وروحه وتوقيته، من وراء ظهر أصدقاء الكاتب (وخصوصا في رئاسة "المتابعة" وفي الكنيست!!) وبدون علمهم أم بمعرفتهم وبالتنسيق معهم؟؟
5. والأهمّ الأهمّ: إذا كان عربي في هذا البلاد (إنسان عربي "عادي"!!) يريد توجيه "نداء أخير" إلى القائمة المشتركة يُضمّنه "نزع شرعية" عن أيمن عودة شخصيا، فلماذا يوجّه "نداءه الأخير" هذا (الذي يُفترَض أنه يخاطب الجمهور العربي!) باللغة العبرية وفي صحيفة عبرية (هي صحيفة "اليسار" الإسرائيلي الصهيوني)؟؟
الأخطر في الموضوع!
الأخطر في كل ما كتبه غانم في "هآرتس" بالعبرية الآن (وترجم نصه إلى العربية) ليس في تحميله "القيادة" مسؤولية "فشل الفكرة التي أوصلت إلى تجنّد غير مسبوق في المجتمع العربي"؛ ولا في اتهامه القائمة المشتركة بأنها "لم تحقق أي إنجاز يُذكر" واتهام أعضائها بأنهم "في عملهم الجماعي، إنما يطلقون الشعارات ليس إلا"؛ ولا في محاولة تشكيل ضغط على أيمن عودة لإزاحته عن رئاسة "المشتركة"، أو ربما من عضويتها إطلاقا (!)؛ ولا في التهديد بأنه "إذا لم يفعل عودة هذا" فسيكون ثمة عقاب يتمثل في "إقامة قائمة عربية بديلة" ـ رغم ما رأيناه من حقيقة أنها مشروع قديم وليس جديدا، أي أنه مشروع قائم في عقول البعض، بصرف النظر عن أيمن وأدائه!
وهنا، بالضبط، مكمن الخطورة: محاولة تجاوز الأحزاب والقفز بنا وبعملنا السياسي إلى مساحات وساحات لا تحتكم إلى الأحزاب وتشكيلاتها وهيئاتها، دساتيرها وأنظمتها وبرامجها ـ رغم كل ما يعتريها من نواقص وقصورات ـ وإنما إلى نجوميّات، سياسية ـ حزبية أو أكاديمية أو "ثقافية" أو سواها.
هذا الخطر يطل برأسه من بين سطور ما يكتبه غانم، استاذ العلوم السياسية (ويعرف دلالات ما يكتب)، الذي يضع على كاهل "القائمة المشتركة" مهمات تُناط عادة بالأحزاب السياسية، لا بكتل برلمانية هي ممثلة للأحزاب افتراضا، على ما بينهما من فوارق شاسعة وعميقة. من بين هذه المهام وفي مقدمتها: "تنظيم العمل السياسي لمركبات الجمهور العربي كلها" و"وضع خطة عمل داخلية، على المستوى الإسرائيلي العام، على المستوى الوطني الفلسطيني العام وحتى على المستوى الدولي"، حتى يبلغ البروفيسور درجة طرح "نبوءة مروّعة" (أبوكاليبس) تقول إنه "عدم الفعل (كما طلبه هو وأوضحناه أعلاه) يعني "انتحارا جماعيا للأحزاب العربية، لأنه سيؤدي إلى تحطم القائمة المشتركة في الانتخابات المقبلة"!!
ليس صدفة ولا عفو الخاطر محاولة انتزاع مهمة "تنظيم العمل السياسي" من أيدي الأحزاب ووضعها في عهدة ومسؤولية قائمة برلمانية، قد تكون "قائمة عربية بديلة" تضمّ اشخاصا "ممثلين عن مركبات المجتمع العربي وأطيافه" (شعار اجتماع "القائمة البديلة" في 2015) غير منتمين سياسيا وغير مؤطرين حزبيا في صفوف الأحزاب السياسية الفاعلة بين الجماهير العربية في البلاد. والخطورة في هذا الطرح أن من شأنه تعميق ومفاقمة أزمة الأحزاب السياسية، التنظيمية والجماهيرية والأدائية، بدلا من مساعدتها على إصلاحها وترميم أوضاعها والخروج من أزمتها، لأن في أزمتها أزمة لنا نحن كمجتمع أيضا وفي تعميق أزماتها تعميقا لأزماتنا.
وما ينبغي العودة إلى توكيده، اختزالاً، هو: يبقى المعيار واحدا ويبقى الطريق واحداً ـ لا ممثل لأي جمهور أو مجتمع إلا مَن انتخبه هذا الجمهور وهذا المجتمع واختاره واضعاً فيه ثقته ليمثـّله، سيان كان في إطار حزبي ومن خلاله أو في إطار هيئة تمثيلية معروفة ومتفق عليها ومن خلالها! .... لا يكون "التمثيل" اعتباطا ولا اغتصاباً. ومَن يبتغي تمثيل الجمهور والمجتمع، ينبغي عليه أن ينخرط في تنظيم حزبي ـ سياسي أو هيئة تمثيلية معترف بها ومتفق عليها، ثم أن يحاول من هناك بلوغ مبتغاه وتحقيق مطمحه. أما التأفف من الأحزاب والهيئات والتعفف عن العمل السياسي ـ الحزبي المباشر ثم البحث، في المقابل، عن منفذ لادعاء دور "تمثيلي" والفوز به فهو مسلك غير أخلاقي وفاقد للمصداقية، أيا كان صاحبه.

  المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net


تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة