كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقوم الليل في رمضان وفي غيره من الأشهر
عملا بقوله تعالى(يا ايها المزمل قم الليل إلا قليلا * نصفه أو انقص منه قليلا *
أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا * إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا * إن ناشئة الليل هي اشد وطئا واقوم قيلا) صدق الله العظيم
ناشئة الليل هي القيام بعد النوم
وأما هي اشد وطئا فهي إصغاء السمع والقلب على فهم القرآن والعمل به
فهذا هو الأصل بقيام الليل وعلى سبيل الوجوب أيضا قوله تعالى(ومن الليل فتهجد به نافلة عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) فكان النبي صلى الله عليه وسلم له الاجتهاد في رمضان ما ليس له في غيره وخاصة العشر الأواخر كما جاء النص عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيا الليل
وأيقظ أهله
وشد مئزره
وروى احمد عنها رضي الله عنهما قال "كان يجتهد بالعشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها ولقيام رمضان أحاديث كثيرة منها أيضا من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له الله ما تقدم من ذنبه
إن الله فرض عليكم صيامه وسننت لكم قيامه"
فهذا هو بيان فعله صلى الله عليه وسلم في قيام العشر الأواخر من رمضان فلنجتهد ونوقظ الأهل ونشد المئزر أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نفوز بجنة عرضها السماوات والأرض داخلين من باب الريان بإذنه تعالى
في ليلة القدر
كرّم الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم والأمة الإسلامية بالتوجيه الواضح والساطع في هذه الليلة المباركة فانزل الله تعالى سورة بكاملها في شأن ليلة القدر
(إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر* تنزل الملائكة والروح فيها بأذن ربهم من كل أمر * سلام هي حتى مطلع الفجر)
صدق الله العظيم
والقدر قيل أنها الرفعة وعلو المنزلة وقيل أنها التقدير وكلاهما صحيح
فهي عظيمة الشأن
عالية المنزلة
وهي موضع تقدير الأمور في كل سنة
كما قال تعالى (إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين*فيها يفرق كل أمر حكيم)
وألف شهر تعدل 83 سنة فإذا كان قيام ليلها يعدل هذا الزمن كله فهي بلا شك عظيمة الشأن والرفعة والتقدير فلنحرص على قيامها
هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصا على قيامها وإحياء ليلها واستدل العلماء بأنها في الليلة 27 من هذا الشهر الفضيل
ولو تتبعنا السورة لوجدنا كلمة هي (الضمير) الكلمة عدد 27 في السورة وهذا من باب اجتهاد العلماء الأفاضل
والذي يستحق التنبيه عليه بخصوص هذه الليلة هو أن الله تعالى أكرم الإنسانية فيها بنزول نور الهدى فأزال به ظلام الضلال وإخراج والمؤمنين من الظلمات إلى النور
فاحيا به القلوب لصالح الأعمال وما يتجدد بهذه الأمة بربط الأرض مع السماء تنزل الملائكة والروح فيها وهو جبريل عليه السلام ينزل بالتشريع على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ينزل بإذن ربه من كل أمر من تقدير الأمور ووضع الخطة السماوية لأهل الأرض جميعا وهاهم الملائكة تتنزل فيها بكل سلام ولكأن الدنيا كلها في هذه الليلة مبتهجة بما يرفرف عليها من أعلام السلام والخير والأمان فيجعل للمسلمين الحق بالنداء للعالم كله أن ديننا ورسالة نبينا صلى الله عليه وسلم دين حق وآخر الرسالات التي يتجدد العهد بها كل سنة
وهاهو صلى الله عليه وسلم يدعو الأمة لتكون في تلك الليلة بالذات بل وفي كل ليلة رسل سلام حق وحقيقة بعبادتهم واعتكافهم وإحسانهم وكف الأذى واجتهادهم بما يرضي الله تبارك وتعالى فهم في النهار صوّامون وفي الليل قوامون وهاهم الملائكة تتنزل عليهم بسلام حتى مطلع الفجر إنها ليلة فريدة من نوعها فهي خير من ألف شهر, سامية في موضوعها, ذات قدر بزمانها,فمن فاته فضلها وحرم خيرها فقد حرم من عبادة 83 سنة فقد ظلم نفسه
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها إذا صادفت تلك الليلة ماذا تقول: فقال قولي: " اللهم انك عفو تحب العفو فأعف عني"
نسألك اللهم العفو والعافية آمين
آمين