بروفيسور أسعد غانم في مقاله:
أظهر استطلاع أن الكثيرين في الوسط اليهودي يعارضون دمج الفلسطينيين في اسرائيل في صنع القرار وبعض اليهود يدعم التمييز اتجاههم وحتى الامتناع عن العيش بقربهم
تتلاءم هذه الصورة القاتمة مع توجهات القيادات، وعلى رأسهم رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يقود توجها فاشيا عدائيا معلنا تجاه الفلسطينيين وحقوقهم عموما، وتجاه الفلسطينيين في اسرائيل بشكل خاص
قد يبقى من "قانون القومية" الكثير او القليل، وذلك يتعلق بالأكثرية وبنا وبالعالم، لكنني اعتقد بان كل من تنبه الى "صورة السلفي" التي شارك بها نتنياهو بحضور "شلته الفاشية" وعضو الكنيست حزان "متحمسا" لإخراج صورة ملائمة "للحظة التاريخية" المتمثلة في اقرار قانون فاشي تأسيسي، لا يمكن ان ينسى هذه الصورة، والتي قابلتها برأيي الصورة التي نشرتها غداة اقرار القانون الصحيفة الاهم بالعالم "النيويورك تايمز" على صفحتها الاولى وفيها يظهر اعضاء القائمة المشتركة وهم يمزّقون مشروع القانون، "سلفي فاشي" يقابله "سيلفي ديمقراطي".
هذين "السيلفين" لا يمكن قطعهما عن الفكر الناظم، والمبنى السياسي المنظم، بما في ذلك الاشخاص والواقع المنظوم، او المجتمع الذي يحاول القانون –اي قانون- ان يجعله منتظما، وهذا ما يجب ان نسعى لتغييره. باختصار التركيز فقط على القانون ومركباته واهمال ما ادى اليه، من فكر شعبوي عنصري واشخاص وقيادات ومقاصد سياسية واجتماعية، يسيء الى امكانيات فهمنا لهذا القانون، ومداخل التصدّي له.
فمقدمات القانون الذي مثله "السيلفي الفاشي"، وان يكن قد طبقت مركباته بوحشية وبشاعة قبل النكبة وخلالها وبعدها، هي مهمة لنفهم لماذا وصلنا اليه. فالواقع الاجتماعي الديمغرافي في اسرائيل على الاقل، يشكل الارضية لهذا التطور السافر في القانون. بواقع ان صعود اليمين "الفاشي الجديد" عام 2009 للسلطة من جديد، من غير اغفال جرائم "اليسار" و"المركز" الاسرائيلي، لم يكن محض صدفة، بل ترافق او نتج عن تغييرات ديمغرافية وسكانية في المجتمع الاسرائيلي يلخصها صعود الطبقات اليهودية المهمشة تاريخيا الى مركز القوة، على الاقل في التأثير في من يحكم اسرائيل. فالشرقيون والروس والمتدينون يمثلون "الوقود الانتخابي" المركزي لليمين، وصعودهم له علاقة اساسية بشعورهم المتراكم بان حكومات حزب العمل وحلفائه "اليسار" لم تنصفهم تاريخيا، وهذا بالمناسبة صحيح، ولذلك فان "غضبهم ضد "اليسار الاسرائيلي" في محله. الا انه، من الناحية الثانية، طورت هذه المجموعات وغيرها موقفا عدائيا وعنصريا تجاه الفلسطينيين وحق تقرير مصيرهم عموما، وحقوق الفلسطينيين في اسرائيل بشكل خاص.
فمثلا، يمكن الرجوع الى بعض استطلاعات الرأي الاسرائيلية لفهم الموقف الشعبي نحو القضية الفلسطينية عموما، والفلسطينيين في اسرائيل بشكل خاص. فتمرير القانون، وغيره من قوانين سوف نفرد لها مقالا منفصلا، ترافقت مع جو شعبي يساند بشكل كبير توطيد يهودية الدولة ولو على حساب الديموقراطية وحقوق المواطنين العرب الفلسطينيين. فقد أظهر استطلاع المركز الاسرائيلي للديموقراطية وفق مقياس الديموقراطية (2015) وهي دراسة تنشر للعام الثالث عشر على التوالي، أن الكثيرين في الوسط اليهودي يعارضون دمج الفلسطينيين في اسرائيل في صنع القرار وبعض اليهود يدعم التمييز اتجاههم وحتى الامتناع عن العيش بقربهم. وفق ذات الدراسة فمعظم الجمهور اليهودي (61٪) أيضا دعم حرمان العرب الفلسطينيين في اسرائيل من الحق في التصويت اذا لم يعلنوا يمين الولاء للدولة كيهودية ولرموزها، في اشارة الى نظرة تسود في صفوف اليهود أن المواطنين الفلسطينيين يشكلون تهديداً للدولة ككيان ولتعريفها. ووفق استطلاع مركز "بوو" (2016)، فان 48% من اليهود يؤيدون تهجير المواطنين الفلسطينيين من اسرائيل، ويشير تقرير الاستطلاع أن السكان اليهود في البلاد بمختلف انتماءاتهم ظلوا موحدين وراء فكرة أن إسرائيل هي وطن للشعب اليهودي. وبذلك فان الصورة الشعبية هي واضحة في فاشيتها وعدائها للديمقراطية عموما وللفلسطينيين، من مواطنين وغيرهم.
وطبعا، تتلاءم هذه الصورة القاتمة مع توجهات القيادات، وعلى رأسهم رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يقود توجها فاشيا عدائيا معلنا تجاه الفلسطينيين وحقوقهم عموما، وتجاه الفلسطينيين في اسرائيل بشكل خاص. التصريحات الاشد وطأة والاكثر تأثيراً والتي تشير إلى رؤية العرب ومنتخبيهم كعنصر تهديد على طبيعة ومستقبل دولة اسرائيل، تمثّلت في تصريحات رئيس الوزراء نتنياهو المتعددة اتجاه المواطنين الفلسطينيين، واهمها تصريحه يوم الانتخابات الاخيرة للكنيست بأن "العرب يصلون بكميات كبيرة لصناديق الاقتراع. سلطة اليمين في خطر"، وهذا التصريح الذي حاز على ادانات محلية ودولية لعنصريّته ونظرته الدونية لمواطنيه الفلسطينيين كان دليلاً اخر على رؤية الحكومة الاسرائيلية للمواطنين الفلسطينيين وممثليهم كخطر. نتنياهو ذاته واصل التحريض ضد المواطنين الفلسطينيين من خلال تصريح اخر له عقب اطلاق نار في تل ابيب ومطالبته لهم "بالولاء" قائلا: "لا يمكن أن تقول أنك اسرائيلي بالحقوق وفلسطيني بالواجبات، من يريد ان يكون اسرائيلياً عليه أن يكون كذلك حتى النهاية.. " وطالبهم بالانخراط في سلك الجيش والخدمة المدنية والحفاظ على الدولة، بل واتّهم المساجد ودوائر التعليم عندهم بالتحريض على العنف. نتنياهو ذاته قال أنه لا يمكن المقارنة بين "الارهاب اليهودي والارهاب العربي.. الارهاب العربي أكبر ولا يمكن مقارنته" وذلك بعد بث مقطع فيديو ليهود متدينين في احد الاعراس وهم يحملون صوراً للطفل دوابشة الذي حُرق وعائلته على أيدي مستوطنين يهود في الضفة الغربية وكان كذلك المحتفلون يحملون اسلحة وسكانين.
نتنياهو وفي افتتاح الدورة الشتوية للكنيست 2015 قال محذراً المواطنين الفلسطينيين من السير خلف قياداتهم المنتخبة وطالب بالابتعاد عنهم وقال:"القيادة تحرّض، رجال التجمع الشيوعيين الذين يسير بمحاذاتهم علم داعش"، في خلط متعمد واتهام القيادات بتأييدها للإرهاب، راسماً حدود التمثيل السياسي المقبول للعرب من عدمه. انضم سياسيون رسميون اخرون الى نتنياهو، ابرزهم الوزير ليبرمان والذي قال وبشكل واضح أنه "يجب على اليهود عدم الشراء من التجار العرب"، وفي تصريح اخر اشار الى أن القائمة المشتركة تتركب من احزاب عربية "تبصق في وجه اليهود وانهم، أي النواب العرب، يساعدون ويساهمون في الارهاب". وتبعهم اخرون كثر في مثل هذه التصريحات، التي لا ارى حاجه لذكرها هنا، فالصورة واضحة في عداء قيادات ونخب للفلسطينيين، واهم ما يميز هذا العداء هو البعد الفاشي والعنصري الذي يظهر في الكثير من التعبيرات والتوجهات، الرسمية وغير الرسمية.
تمت ترجمة التوجهات الشعبية والمواقف الرسمية وغير الرسمية المعادية للفلسطينيين عموما، وللمواطنين في اسرائيل من بينهم بشكل خاص، بسلة دسمة من السياسات والمواقف والقوننة التي تهتدي بمبدأ "تفوق اليهود" على غيرهم، ولا يمكن ان نفهم "قانون القومية" من غير السياق الاوسع لقوننة التفوق العرقي، ومنع الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره والممارسات في القدس، والاستيلاء على الارض ومشاريع التهويد، وهدم البيوت.. والعشرات بل اكثر من الممارسات، التي لا يتسع المقام لتفصيلها، لكننا مطالبون ان نضع هدف تغيير كل ذلك، نصب اعيننا، بما في ذلك قانون "الدولة القومية".
يتبع...
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net