أكتب كي تكون الكلمات سريرا دافئا لي في وحدتي..
فحينما تموت الكواكب في حضنك سرا، وكلما تقاسي لياليك وحيدا ستكون السطور وحدها من اتسعت لاحتضانك وانت في سكرة من الهدوء لست مدركا لشيء سواك..
لذا فأنا أكتب! اكتب تماما لأنني اريد ان انام وكأنه نومي الاخير كي أستيقظ في الصباح وكأنها صحوتي الاولى.. خالية من التفاصيل المعقدة والمتاهات الفكرية المُتعبة والتجارب المؤلمة والاحلام المعلقة من اعناقها خلف الأبواب المغلقة.
اذكر حينما باشرت في كتابة نصي الاول.. كان اكثر النصوص فوضية على الإطلاق، كل التعابير البلاغية التي حفظتها وأُعجبت بها في كل الكتب التي قرأتها مسبقا كنت قد وضعتها بغير تناسق مفهوم ولا رابط بين الجمل يُحكى به.. لكنني كنت فخورة في انجازي الاول.. اذكر انني نمت يومها في حماس مُضحك وكأنني نشرت للتو كتابا.. والحقيقة انه كان نصا أكثر ما يُقال عنه خاطرة على هوامش الحياة..
لم أنم.. في الحقيقة لم أنم أبدا.. كنت أغمض عيني والورقة تحت وسادتي افكر في اعظم إنجازاتي مُذ ولدت.. وفِي كل تارة ارفع وسادتي أتأمل السطور وابتسم.. احضرت قلما وضعته بجانب الورقة واغمضت عيني، وجدتني رحت ارسم الكلمات في مخيلتي وكالمجنونة أفتح عيني فجأة أضيف كلمة هنا وفاصلة هناك، أكتب مرادفا اجمل هنا وأمحو علامة تعجب لا مكان لها هنام.. إلى ان استسلمت لنعاسي وقد ملأني الرضا.. هذا ما يليق بي.
رحت انام على كنزي الثمين آنذاك. كنت طفلة حينما وضعت تلك الورقة والقلم بجانب وسادتي كي لا أُتلف ترتيبها.. وعندما استيقظت وجدت الورقة قد تجعدت حتى صعب علي قراءة ما كتبت.. حزنت حينها واتهمت نفسي بالمهملة.. كيف لي ان أستخف بإنجازي هكذا؟ أخرجت ورقة اخرى ونسخت ما كتبت مجددا لكنني أضفت بعض الكلمات والتفاصيل الصغيرة التي قد تدعم النص. في الليلة التي تليها وضعت الورقة بجانبي على الطاولة -هذه المرة لن تكون بجانب الوسادة ولن تتجعد- ونمت.
في الصباح وجدت الورقة غارقة بالماء.. حاولت أن أنقذ قدر المستطاع كلماتي من الذوبان .. الا أن الحبر قد لوث كل الورقة.. نسختها مجددا على ورقة جديدة ومجددا أضفت المزيد من التفاصيل..
لم أكن لأتخلى عن حلمي كنت اريد ان ارى تلك الورقة كل ليلة بجانبي.. الى ان غلبني الغضب ذات ليلة.. رميت الورقة على المكتبة بين الكتب ورحت انام بعيدا عن تعلقي بها..
ظلت الورقة هناك.. لم اجدها! مرت الكثير من الايام وتلتها السنوات أيضا لم اجدها!
وبعد سنوات قد مرت. وبعد ان اعتدت على العيش بعيدا عنها.. وجدتها اليوم في احدى كتبي القديمة. كانت هناك باردة تختلي بغيبوبتها بصمت.. فتحتها ولأول مرة كنت اقرأ ذلك النص بهذا الذهول.. قرأت ما خطت يداي وكأنني تلقيت صفعة من الحياة استحقيتها.. ادركت ان تلك الورقة لم تكن سطور وهامش وبعض من الكلمات.. انا لم أضع في تلك الورقة كلماتي، بل وضعت أحلامي وصففتها على السطور بأمل... وإذ بي حينما تركت الورقة في فراغ المكتبة كنت قد تركت أحلامي أيضا.. تلك الكلمات المبعثرة التي نكتبها هي وصف عميق لما نحن عليه في الداخل.. ففي داخل كل منا كاتب بل ربما حالم. كلّ قيمتنا تعود اليه.. قد تكون هذه الورقة مرآتك الوحيدة ومرجعك الوحيد الذي لا يليق بِه التخلي عنك..
اذهب خلف احلامك.. لا تخف من الظروف أبدا.. من تحلّى بالإصرار أنقذ احلامه من التخلي. سيأتي يوم وتكون كل انتصاراتك عائدة لحلم صغير لم تتخلى عنه حينما أجبرتك الحياة على ذلك.. كل احلامك قيّمة ولو انها لم تكن كذلك لما حلمت بها أبدا..
أما انا؟! علني ادركت متاخرة ان الأحلام التي لا نسير نحوها لا تأتي إلينا طواعية إلا انني شعرت بالفخر وانا اتصفح أحلامي.. ربما أضعت الورقة يوما؛ ولست انا من وجدتها بل هي التي وجدتني لتُخرجني من وحدتي في ليل حتى نجومه هي عدم!
وكي لا أبقى في هذا العالم وحيدة.. أحمل أحلامي داخلي واذهب خلفها.. فَمَن لها ومَن لي سواها في العدم؟
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net