سليم سلامة في مقاله:
حكومة نتنياهو هي الأكثر معاداة للصهيونية التي تشكلت في إسرائيل منذ إقامتها
اعتراف الحركة الصهيونية، بمؤسساتها وقياداتها الرسمية الراهنة (الراهنة في وقتها)، بكل ما ارتكبته من جرائم بحق هذا الشعب ترتبت على مشروعها الاستيطاني الاستعماري
بعد سنوات طويلة، بدأت منذ أيام شبابي الأولى، في العمل السياسي اليومي النشط جدا، ميدانيا (جماهيريا وطلابيا) وإعلامياً ـ ثقافيا (في الصحافة والإعلام وما يدور في مجرّتهما)، توصلتُ إلى قناعة سياسية قوية أطرحها منذ بضع سنوات في شتى المنابر والمحافل التي أستطيع الوصول إليها، ومنها هذه المنصة هنا، أرددها وأكررها مراراً، في مناسبات مختلفة وسياقات عديدة.
وتتلخص زبدة هذه القناعة السياسية بالتالي، بأقصى ما أمكن من إيجاز:
لا سبيل إلى حل هذا الصراع بيننا (كجماعة وطن أصلانية تعيش على أرض وطنها في دولة تعاديها، جزء من شعب تعرض لأكبر عملية سطو استيطاني استعماري، ربما ليس في القرن العشرين وحده، مطرود من أرضه ووطنه، بعضه مُهجر ولاجئ في المنافي وبعضه تحت احتلال عسكري) ـ لا سبيل إلى حل هذا الصراع، ولو حلاً "تساومياً" ينصاع لأحكام السياسة وموازينها دون أن يرجو العدالة المطلقة أو يصبو إلى ما يدانيها، من دون توفر شرط جوهري أساسي: اعتراف الحركة الصهيونية، بمؤسساتها وقياداتها الرسمية الراهنة (الراهنة في وقتها)، بكل ما ارتكبته من جرائم بحق هذا الشعب ترتبت على مشروعها الاستيطاني الاستعماري، الاقتلاعي الإحلاليّ، وفي مقدمتها جريمة التطهير العرقي التي بدأت بتنفيذها وحالت الظروف، الذاتية والموضوعية، دون استكمالها وإنجازها النهائي، ثم جريمة نهب الوطن كله، من أقصاه إلى أقصاه، ثم جريمة القتل والاقتلاع، التهجير والتشريد.
لا سبيل إلى بلوغ وتحقيق مصالحة تاريخية إن لم يكن هذا هو المنطلق وحجر الأساس (وليس اعتراف ألمانيا واعتذارها المتكرر، أجيالا إثر أجيال) ودفعها التعويضات السنوية هو المثال الأنسب!).
ولكن، كي نصل إلى هذه النقطة/ المرحلة، ينبغي، بالضرورة ـ شرط!ـ نشوء وضع تكون فيه الحركة الصهيونية في حال تراجع، بتعرّضها إلى هزيمة (معنوية وسياسية، لا عسكرية، وليست ماحقة نهائية بالضرورة!!) تُفقِدها أكثر ما أمكن من أوراقها الدولية وقوة تأثيرها عامة، والأمريكية خاصة، مما سيضع دولة إسرائيل أمام مأزق وجودي يضطرها، اضطرارا، إلى النزول عن بغلة عنجهيتها وغطرستها.
سوف يستغرق هذا وقتا، نعم. لكن، ها قد قضينا سبعين عاما ونحن نتراجع إلى الوراء ونعمق أزماتنا، بل ننتج منها كل ما هو جديد و"حداثيّ"، بدلا من إحراز أي تقدم جدي.
لهذا، بالذات، أكتب دائما وباستمرار ومنذ العام 1992 تحديدا، عن ضرورة حصول تطورين، يكملان بعضهما بعضا في ديناميكية جدلية:
الأول ـ إحداث كَسر في العلاقة "التاريخية" بيننا وبين الحركة الصهيونية (ممثلة بدولة إسرائيل)، وهي العلاقة الممتدة منذ سبعين عاماً على خيط واحد، إيقاع واحد ونسق واحد، بما يُحدث فيها انعطافاً. ويبدأ هذا المنحى من خروجنا من قوقعة "معسكر السلام" الإسرائيلي وتخلّصنا من أوهام التعويل عليه، بحجج وذرائع شتى، قد لا يكون أقلها وأخطرها شعار "دحر اليمين"؛ ثم ضرورة تخلّينا عن" بزّ" إسرائيل الديمقراطي، بمعنى تخلينا عما ترمي لنا به من فتات "ديمقراطيتها" التي تشكل الكنيست تجسيدها الأبرز ودرّة تاجها (بلاش "شطارة" ادعاءات الديماغوغيا السياسية هون: وشو مع بطاقة الهوية؟ وشو مع مصاري التأمين؟ وشو مع أبصر شو؟؟؟)، ثم السير المتدرج في خطوات مرسومة ضمن برنامج وطني استراتيجي، يوضع بغية التنفيذ لا بغية تحويله إلى "ورقة مساومة" / "ورقة ضغط" لتحصيل بعض الحقوق المدنية الآنية و/أو لتحصيل بعض الامتيازات، الترضيات أو التشريفات في اللعبة السياسية الإسرائيلية! مثل هذا البرنامج الاستراتيجي يرمي إلى ممارسة الضغط على الحركة الصهيونية (مجسدة بدولة إسرائيل هنا، مرة أخرى)، على المستويين الداخلي والخارجي ـ الداخلي، بما له أثر على موازين القوى السياسية، تركيبة الخارطة السياسية وتداعيات الحرب السياسية المترتبة عليها بين مركبّاتها وأطرافها (وبلاش "شطارة" ادعاءات وحجج الانتهازية السياسية هون: واحنا نقعد نتفرج؟ وشو رح يكون دورنا السياسي وشو رح يكون وزننا وتأثرينا؟ ـ كله، ضمن "برنامج وطني استراتيجي"، كنت أشرتُ إلى بعض مقترحاته الأولية في مقال على هذا الموقع)؛ والخارجي ـ بما لهذا الوضع المستجد من أثر على اليهود في العالم، المنضوين تحت كنف المنظمات والمؤسسات الصهيونية والدعامة الأقوى والأمتن لدولة إسرائيل في العالم.
في إطار هذا الفهم يأتي "تفضيلي" لليمين الإسرائيلي، والأكثر تطرفا منه حتى، لاستلام الحكم في إسرائيل، لما يسببه من ضرر وتفتيت في جسد الحركة الصهيونية العالمية، بسبب ما يزرعه من فرقة وشقاق وشروخ بين الفئات والمجتمعات اليهودية المختلفة. وهذا، بالضبط، ما قصده عاموس عوز حين قال إن "حكومة نتنياهو هي الأكثر معاداة للصهيونية التي تشكلت في إسرائيل منذ إقامتها" (صحيفة "هآرتس" – 11/1/2013)، وعقّبتُ عليه وقتَها، بما يلي (أنظر صورة البوست، في التعقيب الأول):
"حكومة نتنياهو هي الحكومة الأكثر معاداة للصهيونية التي تشكلت في إسرائيل منذ إقامتها"!!!! (عاموس عوز، "هآرتس"، اليوم).
- أولا، أنا أتفق مع هذا القول تماما. وعاموس عوز يعرف جيدا جدا (يمكن الوحيد اللي بعده فاهم، غير بيرس) ما هي "الصهيونية" الحقيقية. وأزيد عليه: بعد في مجال إنه تكون هون حكومة/ات أكثر معاداة للصهيونية
- وثانيا، مش صحيح أي كلام يُقال عن أن هذه الحكومة "هي الأكثر معاداة للعرب"!!! (وهاي مش أول حكومة يُقال عنها هذا، ولن تكون الأخيرة!).
وثالثا، تعالوا نسأل أنفسنا سؤال مصلّع عشان يكون جوابنا صريح: احنا شو بدنا، بالزبط؟؟؟ وين وشو مصلحتنا (مصلحتنا كلنا، الحقيقية واللي عنجد، مش مصلحة الديماغوغيا الانتخابية!!)؟؟؟ ..... هذا هو المطلوب: "حدا" يجيب آخرتها للصهيونية (مش للدولة!)، والجماعة (بيبرمان وشركاؤهما) قايمين بالمهمّة تمام... ويا ريت أكثر وأسرع شويّ كمان!!
ثم يأتي دليل قاطع آخر، جديد، على صحة ما نذهب إليه هنا، متثملاً في التصريح الذي أطلقه رئيس "المؤتمر اليهودي العالمي" وأحد مقربي نتنياهو في الماضي، رون لاودر، والذي تناقلته وسائل إعلام إسرائيلية هذا الصباح (14/8). قال لاودر، وفق ما نُشر: "إلغاء التسوية في الحائط الغربي (حائط المبكى/ حائط البراق) ـ وهذا شأن تدور حوله حرب شرسة بين اليهود في العالم، وفي أمريكا خاصة، وبين حكومة إسرائيل ـ وسن القانون المعادي لمثليي الجنس وسنّ قانون القومية ـ خطوات تجعل الأجيال الشابة من اليهود الأمريكيين تبتعد عن إسرائيل. وهذا المنحى سيجعلهم (الشباب اليهود في الولايات المتحدة!) غير قادرين وغير مستعدين للدفاع عن إسرائيل مستقبلاً"!!
هل ثمة أوضح من هذا الكلام؟؟
وهذا هو، تماما، التطور الثاني/ الآخر من بين التطورين اللذين ذكرتهما في البداية: ضرورة ممارسة التأثير على الرأي العام العالمي، واليهودي من ضمنه، في العالم عامة، وفي أمريكا خاصة، وهو ما كان الراحل إدوار سعيد يشدد على ضرورته وأهميته القصوى، كما تراكمه نشاطات حركة "المقاطعة، سحب الاستثمارات والعقوبات" (BDS) في المرحلة الراهنة. فحين تبدأ حلقات الحماية اليهودية ـ الصهيونية المستحكمة، عالميا وأمريكياً، التي تركن إليها إسرائيل، بالضعف والتراخي والتفكك، يصبح العمل أقل صعوبة/ أسهل في السعي نحو خلق حالة من التنافر، التنابذ والجفاء، بين إسرائيل وأوسع ما يتاح من القطاعات الشعبية والرسمية، التي ستبتعد عنها وعن سياساتها طوعياً، ابتعادا سياسيا ومعنويا (ثم ماديا، بالطبع) يدفع نحو وضعها في زاوية المرغم على "التسوية"، لا المتجبّر بها!
لكن عقب أخيل في هذا التطور هو نحن، هنا. لن يكون بالإمكان انطلاقة بالقوة والدفع المناسبين والمؤثرين، طالما بقينا نحن نكرس صورة إسرائيل "الديمقراطية"، بـ"نضالات" مستمرة منذ عقود حبيسة "اللعبة الديمقراطية"، لا تخرج عن دائرة المألوف ولا تشبّ على طوقه، دون أن تؤتي ثمارها المرجوة (المعلن منها، على الأقل)، ثم نرصعها بنواب نشارك في "انتخابات ديمقراطية، حرة ونزيهة" لإيصالهم إلى هناك، كي يصرخوا ويشتموا من على منصة الكنيست، أمام عدسات التلفزات المحلية والعالمية، وربما يُخرجونهم بالقوة أيضا، مثلما يحدث في أي برلمان ديمقراطي آخر في العالم.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net