منصورة يا ناصرة.../ بقلم:سميح غنادري

سميح غنادري
نُشر: 01/01 12:26,  حُتلن: 16:19

ابرز ما جاء في المقال :

 لا يجوز ولن تسمح الناصرة، أن يكون نهج العصا لمن عصى

الناصرة وطن لمن حُرِم من الوطن بعد أن أسرلوه وهوّدوه وصهينوه

لا نريدها مدينة متشرذمة ومتصارعة بين هويّات تفريقية ضيّقة حاراتيًا وحمائليًا وطائفيًا

 تتمحْور المسألة الأساسية في هذه الإنتخابات حول السؤال المركزي: أيّة ناصرة نريد؟ هي حملة، ولا أقول معركة، تتعدى مجرد إختيار الرئاسة والعضوية لبلدية الناصرة. فمدينتنا ليست مجرد مدينة يقطنها ثمانون ألف إنسان. وأهلها باختيارهم لرئيس بلديتهم وإدارتها يقررون ليس فقط أية مدينة يريدون أن يعيشوا فيها وأن تحيا فيهم، وإنما أيضًا يقدمون المثال لشعب هتف في أواسط سبيعنيات القرن الماضي: الناصرة انتصرت، كلنا على طريق الناصرة.
الناصرة وطن لمن حُرِم من الوطن بعد أن أسرلوه وهوّدوه وصهينوه. هي الراية والعاصمة لمن سلبوه رايته وعاصمته. هي الإنتماء والبيت الجماعي الحاضن لأهلها، ولماضي تاريخهم وتراثهم وعراقته وأصالته. والعنوان والمزار لمليون وربع المليون باقٍ في وطنه ومتطلع لغد أفضل. هي ناصرة الرضيع والشاب والمسنّ والجنين في رحم أمه متسائلًا: لأية ناصرة تريدونني أن أولد، وأي مستقبل تعدون لعيشتي؟
هذه حملة إنتخابية تتعدى مجرد كونها تنافسية على الكراسي. ولا يجوز فصلها عن كونها معركة حقيقية – (في هذا السياق فقط أستعمل كلمة معركة) – لنصرة الوجه والإنتماء القومي الوطني والسياسي والانساني الديمقراطي العام، والنسيج الإجتماعي الوحدوي الأهلي، ولتحقيق الخدمات لمدينة تعتز بمدنيّتها ويطيب ويأمن العيش فيها. ولا يمكن فصل الكرامة القومية والإنسانية عن الخدمات والكفاح لاستلالها، بتصدٍ وتحدٍ وبتخطيط علمي مدروس مرافق لحسن الإدارة وللوحدة الوطنية الاهلية الجامعة. لأن مَن يريد مقايضة الكرامة الوطنية لشعبه ولمدينته بشحد فتات الخدمات والتنازل عن حقهما بالمساواة ولا أقل منها، سيفقد الأمرين: الكرامة والخدمات.
هي حملة على "مدنيّة المدينة" الواحدة والدفيئة الحاضنة والجامعة ولكل أطيافها ونسيجها الإجتماعي العائلي والطائفي والحاراتي والحزبي واللاحزبي. ولا تجوز قسمة المدينة إلا على واحد، فتبقى واحدة لعموم مواطنيها – أهلها وأصحابها. وتبقى هي العائلة والحي والطائفة الأكبر. لأنه لا تقطنها "أقلية" أو "أغلبية" من هذا الطيف الإجتماعي أو ذاك، وإنما تقطنها وتملكها أغلبية عربية فلسطينية مطلقة من فسيفساء هذا الشعب الباقي في وطنه والمتطلع لغد أفضل.
الناصرة مدينة – لوحة مرسومة بفن الأرابيسك. وهي أشبه بخيوط التطريز ذات الألوان المتعددة على صدر ثواب المرأة الفلسطينية. تعددت الخيوط والألوان والرسوم... والثوب واحد، تمامًا كما هي وشعبها واحد أحد عصيٌ على التقسيم. ولمن يريد أن يكسب الإنتخابات عن طريق التقسيم وتسعير العداوات والاعتداءات والبلطجيات، نقول له: هيهات، فماذا يفيدك لو كسبتَ انتخابات البلدية وخسّرتنا جميعًا، بمن فينا أهلنا من المقترعين لك، بلدتنا الواحدة الموحدة؟
كبوة الماضي ليست فرضًا خالدًا، فكم يكبو الهمام.. والناصرة همّامة. هذا ما يثبته الحراك الإجتماعي الواسع انتصارًا لرئاسة وليد العفيفي وللتحالف الوطني الواسع، انتصارًا للناصرة. السيد علي سلام رئيس البلدية الحالي، والذي سيكون السابق بعد انتخابات 30 أكتوبر القريبة، ليس عدوًا. هو منافس إنتخابي من هذه المدينة. وأنا لا أعرفه عن قرب. وما من شك أنه يتمتع ببعض خصال شخصية جيدة، وبأخرى سلبية، مثله مثل سائر البشر. ولكن ليس على شخصه ولا على هذا يجري النقاش والتنافس الإنتخابي معه. وإنما على نهجه في التعامل وتسعير الإستقطاب والتنافر والإنقسام والعنف داخل البلدية وفي البلد، مصحوبًا بسوء الادارة وغياب التخطيط العلمي، والخروج عن الإجماع الوطني العام لشعبنا.
ومريدوه ومؤيدوه هم من أهلنا وإخوتنا وأخواننا وأقاربنا وأنسباؤنا وجيراننا، ومن ناصرتنا الواحدة. ولسنا بأعداء رغم تعدد انتماءاتنا الإجتماعية والأهلية والحزبية، وأختلافنا في المواقف والخيار الإنتخابي. أمّا النقاش والتنافس الإنتخابي فيجب أن لا يفسد للحمتنا الوطنية الأهلية أية قضية. وكان العفيفي وقوى التحالف الوطني قد أعلنوا أنهم سيدعون "ناصرتي" – قائمة علي سلام - إلى ائتلاف شامل في المجلس البلدي على أساس البرنامج للنهوض بالناصرة، حال فوزهم.
ثمّ لا يجوز، ولن تسمح الناصرة، أن يكون نهج العصا لمن عصى هو الأداة لحسم نتيجة الإنتخابات، بدلًا عن ورقة الإقتراع. فالناصرة ليست عصيّة فقط عن القسمة، وإنما عن الكسر أيضًا. إسألوا شرطة إسرائيل عن هذا... لأنها الأدرى به من خلال تجربتها مع النصراويين في أيام الحكم العسكري. وها هي الناصرة تثبت اليوم، بدعمها الواسع لرئاسة وليد العفيفي ولقوائم التحالف الوطني للعضوية، أن العنف والإنفلات الكلامي والممارساتي لا يزيدها إلا إصرارًا على الإنتصار لذاتها ولشعبها عمومًا.
تتمحور الحملة الإنتخابية حول سؤال: أية مدينة نريد؟ لا نريدها مدينة متشرذمة ومتصارعة بين هويّات تفريقية ضيّقة – حاراتيًا وحمائليًا وطائفيًا، وتنخرها قبلية الاحزاب وحزبية القبائل وفئويتها. نريدها مدينة لا نعيش فيها فقط وإنما تعيش هي فينا أولًا. ولا يهزم بعضها بعضًا بل تنتصر لذاتنا المدنية الجامعة على شتى هوياتنا الثانوية الخاصة. لكن يصر البعض على تغييب مدنيّة المدينة وجعل حملة الانتخابات معركة اقتتال أهلي. لدرجة تجعلنا نكاد نقول: غابت (بالتاء المفتوحة) – المدينة وأصبحت أشبه بالغابة - (بالتاء المربوطة). لذا حين ننتصر للعفيفي وللتحالف الوطني لا ننصر شخصياتهم الفردية وإنما ننتصر لمدنيّة المدينة. ننتصر للبرنامج الذي طرحوه ولنهج التعامل الوحدوي والحضاري الذي عمموه، والذي فتح الباب على مصراعيه للمتنافسين لأن يشاركوا في صنعه، على أساس احترام فوز الفائز والالتزام بالبرنامج المشترك للنهوض بالمدينة.
تشهد الناصرة، يومًا بعد يوم، إنحيازًا متزايدًا وواسعًا لصالح مرشح الرئاسة وليد العفيفي ولقوائم العضوية الداعمة لرئاسته. يجري هذا أولًا بين قواعد جماهيرية وشخصيات إجتماعية كانت حتى يوم الأمس القريب داعمة لعلي السلام ولقائمته "ناصرتي". لذا ما من غرابة في مظاهر التوتر والغضب الواضحة على سيماء وجوه غالبية قادتهم، ولا في تصاعد بلطجية الكلام والممارسة واستعراض العضلات من بعضهم. وأتوقع المزيد منها. وذلك لأن هذه هي عادة مَن يرى أن خسارته قادمة لا محالة، فيتوهم أن البلطجية هي قارب النجاة له.
نقول لهؤلاء: ارفقوا بمدينتكم، لا بنا. شعب الناصرة قادر على حماية نفسه، ولا يزيده العنف بحقه إلا عنفوانًا. ونحن وشعبنا قادرون على محاصرة، ولا أقول كسر وشل اليد التي ستُرفع على الناصرة ولا الرد بعنف مضاد على هذا الإنفلات العنيف. رد الناخبين على هذا الإنفلات سيكون فقط بعبور حاجزيْ الخوف والتردد بخصوص التصويت، وبالإصرار على التحدي وعلى الإدلاء بأصواتهم زرافات وجموعًا جموعًا يوم الإنتخابات دعمًا لرئاسة العفيفي ولعضوية كتل التحالف الوطني الجامع للناصرة.
أفلا تلاحظون معي أن مَن اكتفى من أصحاب حق الإقتراع حتى يوم الأمس القريب بقراره بأن يقترع، أصبح بعد هذا الإنفلات البلطجي والعدواني مجنّدًا نشطًا لإقناع المترددين بأن يدلوا بأصواتهم وينشطوا إنتخابيًا؟ بوركتِ يا ناصرة، يا مدينة بطلة عصيّة على الكسر والطرح والقسمة. وابقِ كما انت مرفوعة الهامة موفورة الكرامة. أما أنتم يا أهل المدينة، فانصروا ذاتكم ومدينتكم ومدنيّتكم وشعبكم، وكونوا مع الفائزين المنتصرين المحتفين في فجر 31 أكتوبر. فيا أهلًا "بالمعارك"، ويا بخت مين يشارك. منصورة أنت يا ناصرة!

 المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة