الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 09 / نوفمبر 16:01

قراءة أولية بحثية في انتخابات بلدية الناصرة لعام 2018/ بقلم: سهام فاهوم غنيم

سهام فاهوم غنيم
نُشر: 14/11/18 13:44,  حُتلن: 12:06

جاء في مقال سهام فاهوم غنيم:

من مراجعة إحصائيات الانتخابات على مدى السنوات يتبين أن الوضع بالنسبة للجبهة شبه ثابت وان ديناميكية الحراك والتغير والتغيير موجودة في القوى الأخرى أكان في الصعود او في النزول

الخطأ الذي وقع فيه العفيفي هو محاولة سحب مصوتين من قطاع سلام وليس البحث عن قطاع المتذبذبين، الجبهة لا تستطيع سحب مصوتين من قطاع آخر لأن سعتها لا تستطيع ذل

نقول لعلي سلام الف الف مبروك في المرة الماضية قلنا انك الأنسب للرئاسة بسبب الظروف الوضعية التي كانت سائدة آنذاك ،نأمل انه بعد هذه الفترة سنقول لم تكن فقط الأنسب بل كنت أيضا الأفضل!

من مراجعة نتائج الانتخابات يتبين أن الصوت المسيحي ما زال الركيزة الأساسية للجبهة وهذا يظهر في تقسيم الأصوات حسب الأحياء

قيل لرابين إن عرب اسرائيل يهددون كيان الدولة فماذا نفعل؟
قال: إلهُوهُم بالانتخابات؟
صدق رابين ‼
بماذا تتميز الانتخابات المحلية في الناصرة لعام 2018م عن الحملات الانتخابية السابقة؟

إن المجالات التي تميزت بها هذه الانتخابات ما يلي:
1.النتائج الإحصائية
قانون المتحرك والثابت
من مراجعة إحصائيات الانتخابات على مدى السنوات يتبين أن الوضع بالنسبة للجبهة شبه ثابت وان ديناميكية الحراك والتغير والتغيير موجودة في القوى الأخرى أكان في الصعود او في النزول. أما بالنسبة للرئاسة فالفروق لم تكن كبيرة في البداية بينما توسعت الهوة كثيرا فيما بعد. في عام 1998 كان الفرق بين رامز جرايسي وسلمان أبو احمد 135 صوتا ، في عام 2013 كان الفرق 22 صوتا بين علي سلام ورامز جرايسي إذ حصل رامز جرايسي على 16301 بينما علي سلام على 16322، في عام 2014 اختلفت الصورة فحصل سلام على 27600 وجرايسي على 17155 . في عام 2018 وبما أن وليد العفيفي اعتُبر مرشحا توافقيا للجبهة فقد حصل على 17699 أي ما يعادل 37.5%بينما حصل سلام على 29498 أي ما يعادل 62.5%. أما نسبة التصويت فوصلت إلى 81.69% ما يعادل 48.047 صوت. أما أصحاب حق الاقتراع فبلغ 58813 نسمة.
إن السبب الأساسي في هذه التغييرات هو قطاعات معينة وهي قطاع الشباب الذي يصوت للمرة الأولى وقطاع الذين غيروا صوتهم لآخر وقطاع الغير راغبين بالتصويت ويقسم إلى قسمين ; الذين خرجوا عندما دعت الحاجة لذالك وأعطوا الصوت لعلي سلام والقسم الثاني الذي لا يصوت أبدا ويبلغ قرابة العشرة آلاف نسمة. بالمقابل فإننا نستطيع اعتبار النواة التصويتية الصلبة في الطرفين هي تقريبا لا تتغير (قرابة 15000-14000).
إن الذي يقرر نتيجة الانتخابات بالأحوال العادية هو الصوت " المتذبذب" ، فالذي يفوز بأصواته لربما يفوز بالانتخابات.
هذا النوع يمكن تقديره ب6000-7000 صوت . هذه المرة استقطب علي سلام هذا القطاع واكبر دليل على ذألك الارتفاع الهائل لعدد المصوتين لديه. لو استطاعت الجبهة ووليد العفيفي استقطاب هذا القطاع لربما اختلفت النتيجة، في هذه الحالة الجبهة لم تستطيع ذألك لأن سعتها لم تعد تستقطب ذألك، وكذالك العفيفي لم يقنع هذا القطاع لذالك لم يستطع أن يستقطبه.
والخطأ الذي وقع فيه العفيفي هو محاولة سحب مصوتين من قطاع سلام وليس البحث عن قطاع المتذبذبين، الجبهة لا تستطيع سحب مصوتين من قطاع آخر لأن سعتها لا تستطيع ذلك وليس لديها مغريات لسحب تلك الأصوات ، فلديها نفس الأصوات ونفس الوجوه ونفس الجمل ونفس التعابير ، بشكل عام لم تستطع إحداث تغيير ما ولو قيد أنملة.
إن فكرة المرشح التوافقي لم تعط النتيجة المرجوة، بل بقيت أصوات الجبهة كما هي، بكلمات أخرى لم يستطع العفيفي تجنيد أصوات جديدة بكثافة. هذا يثبت أن انسحاب مصعب دخان لم يكن تكتيكا ناجحا واغضب الكثيرين، لربما لو بقي دخان هو المرشح لاستطاع سحب أصوات اكثر من الحي الشرقي خاصة وانه ابن الحي أيضا، هذا الحي هو الرافعة المركزية في الانتخابات عامة فتغيير الوضعية الانتخابية فيه هو الذي أوصل الجبهة للحكم في بداياتها.
بشكل عام كلما كانت نسبة التصويت اقل كلما كان احتمال فوز الجبهة اكثر والعكس هو الصحيح كلما كانت نسبة التصويت اعلى كلما كانت نسبة خسارتها اعلى. فعندما كانت نسبة التصويت حتى 60% كانت الجبهة تفوز ، على اعتبار أن بلوك الصوت المسيحي ثابت ويلزم مقدار ما يقارب 25-35% من قطاع الصوت الإسلامي حتى تفوز الجبهة . بينما عندما ارتفعت النسبة إلى 80% اختلف الوضع.
لذالك على مر السنين كان التركيز من قبل الجبهة على البحث عن وسائل لخفض نسبة التصويت من قبل الصوت الإسلامي او تفتيته وتشتيته عن طريق مرشحين "مستقلين" ، ومن هذه الوسائل أيضا الدعم لإشاعة أن التصويت حرام ، وسيلة أخرى هي وسيلة "التغويل" ، إذ يحولون المرشح الآخر إلى "غول" متخلف وهمجي وديماغوجي وجاهل وخطر على المدينة كما حدث مع سيف الدين الزعبي (والذي لولاه لكان 15% من سكان الناصرة اليوم هم في مخيمات الشتات وذألك بسبب مساعدته للكثيرين في الحصول على الهوية الإسرائيلية، مثلا هناك حالة لسيدة نسلها اليوم يبلغ 70 نفرا) ومع سلمان أبو احمد وعلي سلام. بينما لم يطل ذالك لا بشير عبد الرازق ولا حنين زعبي. بينما من ناحية أخرى يصبغون على مرشحهم صورة الراقي والفهيم والذي تهمه مصلحة البلد وهكذا. وهناك وسائل كثيرة لا تعد ولا تحصى، ولكن في انتخابات 2018 وبسبب شعورهم بخسارتهم تمادوا كثيرا في الدعاية الانتخابية إلى درجة كبيرة فلم يعد هناك حاجز بين الانتقاد والتجريح والتشهير. تخيلوا لو أن الجبهة تراجعت عن فكرية العنجهية ورشحت علي سلام عام 2013 ، بالتأكيد سيطول عمرها في الحكم، ولكن من ناحية أخرى لن يستطيع سلام فعل ما فعله ولن يكون صاحب قرار حر كما هو الآن، هذه الكبوة من قبل الجبهة نستطيع تسميتها " الخطأ الصح".
من مراجعة نتائج الانتخابات يتبين أن الصوت المسيحي ما زال الركيزة الأساسية للجبهة وهذا يظهر في تقسيم الأصوات حسب الأحياء، فالثبات هنا هو سيد الموقف والدلالة على ذألك الفرق البسيط بين أصوات جرايسي في عام 2014 وأصوات وليد في عام 2018 حيث بلغ الفرق
بينهما فقط544 ، هذا يثبت أيضا انه لم يكن هناك انتقال أصوات من الجبهة إلى علي سلام. بينما في الأحياء الإسلامية نجد ارتفاع في عدد المصوتين وارتفاع في نسبة التصويت وهذا ارتداده إيجابيا على علي سلام.
بالنسبة للعضوية وبسبب ما عاناه سلام من المعارضة ادرك مؤيدوه انه يجب أن يسيطر على المجلس أيضا حتى يستطيع العمل، لذالك ارتفع عدد المصوتين للمجلس أيضا. فبينما في عام 2013 بلغ بين مؤيدي سلام 13710، ارتفع العدد إلى 26493 وبذالك ارتفع عدد الكراسي من 6.89 مقعد إلى 11 مقعد. من الواضح أن أصوات الموحدة للمجلس صوتت رئاسة لعلي سلام
ومن الواضح أيضا أن التغيير صوت للمجلس للتغيير وصوت لوليد للرئاسة، لا ننسى أن التغيير هو بذرة من بذور الجبهة التي زرعت لتفتيت الصوت الإسلامي.
في انتخابات 2013 صوت للجبهة في المجلس 15539 بينما في 2018 صوت 14219 وهذه هي النواة الصلبة للجبهة على مدى عدة دورات. إن الفارق بين الرئاسة لوليد والجبهة للمجلس عام 2018 هو2936 لصالح الرئاسة.
بالنسبة لأصوات التجمع للعضوية (ق)فكانت في 2013 تعادل 3614 بينما في عام 2018
1605. فأين ذهبت هذه الأصوات؟ هناك ضرورة لدراسة اعمق لربما تنجز في المستقبل القريب حتى تظهر النتائج النهائية المثبتة.
يقول المثل رب ضارة نافعة، فعدم تصويت المعارضة في المجلس البلدي على الميزانية وحل المجلس عندها هذا أدى إلى الارتفاع الهائل لعدد المقاعد لناصرتي. ربما لا يعلم الكثيرون أن حل المجلس أدى إلى حرمان القوائم المختلفة من ميزانية الانتخابات كل حسب عدد مقاعد المجلس لديه، لأنه لم يعد هناك مجلس واعتبار أن كل شيء يبدأ من " اول أبو جديد". لذالك لم تقبض الكتل " ولا مليم". بهذا اضطر العفيفي إلى ضخ الملايين من ناحية، ومن ناحية أخرى عمل معظم النشطاء عند علي سلام مجانا ، ومن ناحية ثالثة لم نسمع صوت القوائم الأخرى حتى الجبهة.
2. ظاهرة الشخصنة
الشخصنة هي تحويل مقومات وضعية عامة إلى خاصة إذ تصبح الأمور الشخصية والتركيز عليها اهم من الأعمال التي يقوم بها الشخص نفسه والتي تصبح هامشية. هذه الظاهرة تميزت بها هذه الانتخابات ففي الانتخابات السابقة كان النهج للمرشح هو المعرض لسهام الانتقادات وسهام الدعاية الانتخابية، ففي وجود الفيس بوك ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى تشخصن المرشحون هذا إضافة إلى الأخطاء التي قام بها المرشحون في الدعاية الانتخابية والتي ساهمت كثيرا في تشخصنهم، هذا ينتج عندما يكون مخزون الأعمال والإنجازات اقل كثيرا من مخزون السلوكيات الخاصة. فالدخول إلى تفاصيل الحياة لهم كان سيد الموقف. امر آخر ساهم في ذالك وهو ضعف الجهاز الإعلامي عند الطرفين والذي تميز بالعشوائية والتلقائية، لقد افتقد المرشحون للعمل والدعاية الممنهجة الانسيابية المتتالية فالجعبة كانت فارغة، لذالك ظهر المرشحون في مواقف كثيرة تحمل بين طياتها تبادل عبارات نابية وهزيلة وسوقية لا يليق تفوهها من قبلهم ومن قبل متابعيهم. للمرة الأولى في التاريخ الانتخابي دخل بكثافة في قاموسه كما هو شائع في علم الفكاهة الظاهرة التي أسميتها في كتابي ظاهرة "الحيونة"(راجع كتابي الخامس الفكاهة السياسية العربية بين الكفاح وجهاد النكاح) ومعناها اللجوء لاستعمال أسماء الحيوانات في التعابير المختلفة أكان في الفكاهة أم السخرية. في هذه الحملة تواردت أسماء كثيرة منها الأسد والفئران والصيصان والحمير والهسهس والذباب وغيرهم. لقد قطب المواطن حاجبيه مندهشا ومتسائلا هل حقا ما اسمع او اقرأ؟ لم يتم الحفاظ من قبل الجميع على الخط الرفيع الذي يفصل بين الانتقاد من ناحية والتشهير والتجريح من ناحية أخرى ولا غرابة أن يساهم "العم" فيسبوك في ذألك. ففي بعض المواقف التمسنا العذر للمرشحين خاصة لعلي سلام عندما كان يخرج عن طوره لأن سكين الدعاية أصابته في الصميم. ما يميز هذه الحملة أن الشعب هو الذي قاد القيادة وليس العكس. يمكننا تقدير المهنية في الحملة الانتخابية على أنها كانت في الدرك الأسفل ، حاول وليد العفيفي تغيير الصورة في منتصف الحملة ولكن بعد فوات الأوان. هذه الحملة يمكن اعتبارها من نوع " ردة الفعل" فعلى ذالك كانت هي الأضعف و"الاهبط" من ناحية والأشرس من ناحية أخرى.
أما ردات الفعل الأسوأ فكانت بعد انتصار علي سلام، فمن يتهم مصوتي علي بالهمجية والتخلف رده تمثل بنوع جديد من الهمجية لم يكن في السابق. والمفروض دراسة ردود الفعل هذه ليس كظاهرة عابرة بل كعارض اجتماعي مرضي متجذر عميقا في المجتمع النصراوي وتظهر أعراضه كل اربع سنوات، فمن أعراضه نحن وهم، أنا او لا احد، أنا الفهمان وأنت الجهلان، البلد لنا فكيف تخطفها، مين أنت حتى تكون ...هذا ناهيك عن التعابير االدونية التي منها ما نسمعها للمرة الأولى. فكما يظهر أن السنين لم تغير شيئا في الذهنية الانتخابية . على الجميع احترام قرار الناخب والاعتراف أن الشعب أراد ذالك. فيوم لك ويوم عليك مش كل يوم معاك!
لذالك وللمرات القادمة يجب أن يضع المرشح خطوط حمراء لنفسه أولا وتوضع خطوط حمراء وقوانين على استعمال الفيس بوك. نعم لقد ضحكنا وسخرنا من المقاطع الفكاهية الساخرة ولكن نسينا إننا بذالك نضحك على انفسنا أولا ويضحك علينا الآخرون ثانيا. فشتان بين الفكاهة الناقدة البناءة وبين تلك الهدامة . لربما في المرات القادمة سيخترقون حرمة غرف النوم! لذالك للمرة القادمة هذا الأمر هام جدا يجب تداركه والعمل على قوننته، ففي الحملات الانتخابية يصبح كل شيء مسموع حتى يثبت انه ممنوع.
3.عدم إبراز مع تجاهل واختباء وشبه اختفاء للأجسام السياسية التي تخوض المعركة الانتخابية
فبروز ظاهرة الشخصنة أتت على حساب إبراز تلك الأجسام فبدل أن يحتوي الكل الجزء احتوى الجزء الكل. مثلا تمركز وتمحور الحديث على علي سلام بدل الحديث عن "ناصرتي" كجسم سياسي له أهدافه ومكوناته، فخلال الأربع سنوات لم تكن هناك محاولة لمأسسة هذا الجسم، هذا سببه أن الحزب هو حزب الرجل الواحد، بالضبط كما حصل مع القائمة الموحدة قبل ذالك فأحزابنا هي من نوع "عليهم عليهم". هذا هو الفرق الأساسي بين الجبهة المرتبطة محليا وقطريا والأحزاب الأخرى ، لذالك المتوقع هو ضعف الجبهة وليس نعيها. أما الهوية "الجبهوية " فبسبب انسحاب مصعب دخان وترشيح وليد العفيفي كفرد توافقي بدون "جسم سياسي" تابع مباشرة له فقد فقدت الكثير من ذاتها، فهذه العملية ساهمت في شبه اختفاء لجسم "الجبهة" من ناحية وظهور وليد بدون ظهر سياسي مميز. أما الأجسام الأخرى كالتجمع والأهلية والتغيير فبدعمهم لوليد اصبح هو مظلتهم وليس العكس وهذا ساهم في إضعافهم لأبعد الحدود. هذه الأجسام لو أعطت الخيار لمصوتيها لحافظت على هويتها الانتخابية اكثر. أقولها بهمس لجميع الأحزاب وخاصة الجبهة "انظروا ماذا يتغير، الدنيا تتغير وحاولوا أن تتغيروا وتفهموا الواقع، هناك مواطن يسمى "آخر" انتم تقفون في نقطة راكدة لا تستطيعون الخروج منها، ما زلتم تنظرون للآخر بنفس النظرة ،الآخر تغير وتحول الكم إلى كيف، الكم مع بعض الكيف هو الذي يصنع القرار وليس الكيف مع بعض الكم ،فإذن تغيروا انتم أيضا، اتركوا فكرية أنا او لا احد ، اتركوا فكرية من ليس معي فهو عدوي، اتركوا فكرية من ليس جبهوي فهو خائن، تغيير الفكر ليس خيانة للمبادئ، انظروا على العالم كم تغير . نذكركم أن تصلفكم واقصاء الغير عن مركزية القرار كان السبب في وقوف زعامات ترعرعت داخل الجبهة ثم وقفت بوجهها أكان غسان حبيب ومازن مخزومي وسلمان أبو احمد وعلي سلام وغيرهم. الإقرار بالخسارة هو اول خطوة للاعتراف بانتصار الآخر وهذا من الصعب حدوثه ضمن الجبهة .
صدقوني يلزمكم تهوية فكرية أخرى.

4.ظهور بعض الظواهر الاجتماعية بشدة وبحدة ، منها التأكيد على التجذر والتهجر والتأكيد على وجود هويتين الهوية النصراوية وهوية التهجير أكانت الهوية الصفورية أم المجيدلاوية أم الكناوية او أي هوية أخرى، مقابل ذالك وكردة فعل المولود في الناصرة أبا عن جد احتدت هويته النصراوية هو الآخر وتساءل أين أنا من كل هذا؟
هنا لا بد من وقفة ضرورية لتوضيح أن الناصرة تختلف عن أماكن أخرى بسبب تحولاتها وتحوراتها الاجتماعية والديمغرافية فالوضع يشير إلى أن الناصرة لمن يسكنها وليست فقط لمن يولد فيها (راجع كتابي الأول تاريخ الناصرة)، فهي تاريخيا مجمع هجراتي و"شكشوكاتي" ولكن اختلفت سنون الهجرات بين مجموعة وأخرى ، لذالك لا منة لأحد على احد فيها . فالناصرة ينطبق عليها المثل القائل" كالأرملة مين شافها شمَّر وإجاها هرولة"!
وللتفكه نقول ليس من باب الغرابة أن يكون احد المرشحين في المستقبل من المغتربين خاصة إذا حضر ومعه محفظة جيمس بوند!
أما بالنسبة للأرستقراطي فهو الذي ورث الأرض والأملاك وينتمي لعائلة عريقة. عمليا في الناصرة لا يوجد أرستقراطية لأن الذين ينتمون لعائلات عريقة (على الأقل ثلاثة أجيال في العراقة) إما صودرت أراضيهم او باعوها او لم يعد يملكون إلا الزهيد من المال، أما الذين يملكون المال فهم بمعظمهم ينتمون لعائلات عصامية بنت نفسها بنفسها ، او من عائلات الربح السريع.
في الانتخابات السابقة كانت الفئوية السياسية هي الطاغية على المشهد، لكن في هذه الانتخابات دخلت الطبقية والشعور بالاستعلاء والاستكبار من ناحية والشعور بالدونية من ناحية أخرى بأوسع أبوابها. من ناحية أخرى تقلص كثيرا ظهور الفئوية الطائفية والحاراتية والفضل في ذالك يعود بمعظمه لعلي سلام ونهجه، ولكن بالرغم من ذالك تساءل الكثيرون هل سيصوت المسيحيون لعلي سلام ؟
علينا الإقرار أن الناس مختلفون فهناك المتعلم والذي بحاجة لعلم اكثر وهناك المثقف والذي بحاجة لثقافة اكثر وهناك الغني وهناك الفقير، حتى مقاييس ذالك اختلفت فنرى المتعلم هو الفقير والذي دخل إلى مجالات عمل ليست بحاجة لدراسة علمية هو الغني لأن متطلبات السوق تفرض ذالك، وهناك الذي ينتمي لعائلة عريقة وهناك من ينتمي لعائلة عصامية بنت نفسها بنفسها، لذا ليس ضيما أن يولد فرد في عائلة عريقة وليس عيبا أن يولد في عائلة عصامية او عائلة جار عليها الزمان، وهناك حديثي النعمة وهناك أصحاب الربح السريع الخ، هكذا هي الدنيا وهكذا هو المجتمع. المهم أن كل نصراوي يقبل واقعه أولا ويقبل واقع غيره ثانيا ويبدأ كل طرف بالبحث عن القواسم الحياتية المشتركة، الاختلاف أمر طبيعي وصحي ولكن الغير مقبول أن يتحول الاختلاف إلى خلاف. المشكلة الأساسية أننا نريد العيش في الواقع المنشود وليس الموجود!
أما المشكلة الثانية ففكريتنا انفعالية ديخوتومية أي كل شيء نقسمه اثنين ابيض او اسود ونسينا أن هناك رمادي وان هناك رمادي فاتح ورمادي غامق وهكذا. إذن علينا تغيير نمط الفكرية إلى قوس قزحية وبذالك نرى المجتمع على حقيقته.

لماذا فاز علي سلام؟
قبل تعليل أسباب الفوز نذكر ما يلي:
هناك من صوت لشخص علي سلام وللمشاريع التي قدمها للبلد، ولتوفير وسائل لراحة المواطن وخدمته إضافة إلى أمور أخرى. هناك من صوت لعلي سلام لأنه لا يريد وصول وليد لان ذألك سيعيد الجبهة مرة أخرى للحكم.وهناك من صوت لعلي لان النموذج البرجوازي والاستعلائي الذي مثله وليد لم يرق له.
أنا اعرف تماما بعض الأشخاص الذين كانوا ينوون التصويت لوليد لانهم يريدون تغييرا ما، ولكن تراجعوا عن قرارهم خاصة عندما تفوه بتعابير تنم عن مواقف خاصة مثل قوله "احنا غير" إضافة لبعض التصريحات التي أدخلت الشك إلى النفوس من "تكسير الأيادي" والى قيام بعض مؤيديه بأعمال عنف وشغب.
أما السؤال الأخطر فكان ماذا لو اصبح وليد رئيسا للبلدية ووقف موقف تضارب مصالح بين البلدية من ناحية ومصالحه ومصالح المجموعات التجارية وأصحاب المصالح الكبيرة التي له علاقة بها من ناحية أخرى، ماذا لو خير بين مصالح الشركة ومصالح البلدية، من سيختار يا ترى؟ هل سيستطيع الوقوف أمام الضغوط الهائلة التي ستمارس عليه؟ هل سيكون حقا صاحب قرار حر؟ هذا التساؤل تم تداوله كثيرا. ولكن الأخطر من ذألك أيضا الرؤية الشمولية لفصل السوق بمديرية بلدية مستقلة تعني بشؤون السوق. ما كان له أبدا أن يذكر ذألك لأنه بدا وكانه سيعمل مدينة داخل مدينه . فأخطاء وليد زادت الأصوات لعلي. في الحقيقة هي اكثر أخطاء الجهاز الإعلامي الذي عمل مع وليد على مبدأ اللعبة الانتخابية "خدعوها بقولهم حسناء".
وليد كرجل اعمال ناجح كان عليه دراسة الموضوع بعمق قبل اتخاذ مثل هذه الخطوة.
هناك من احتج على إزاحة مصعب عن طريق التصويت لعلي سلام للرئاسة والجبهة للمجلس هناك من غضب من موقف التجمع لدعم وليد فصوت لعلي.
إن المقومات التي ساهمت في نجاح علي سلام كثيرة ومنها:
ا.الأعمال والمشاريع التي قام بها خلال الأربع سنوات ولم يستطع حكم الجبهة القيام بها خلال أربعين عاما. وعلى ذكر مبنى البلدية فقد فحصت في الأرشيفات عن تصريح واضح لجرايسي بهذا الخصوص فلم اجد ذألك حتى ضمن مشروع 2000.
ب. استطاع سلام برويته وحنكته السياسية أن يحافظ على مثلث العلاقة بأضلاعه الثلاثة سلطة، مواطن، مؤسسة كنسية كمثلث متساوي الأضلاع فلم يأت طول ضلع على حساب الآخر، كما استنبط علاقة بنوعية تتضمن خصوصية لكل واحد منهم، فتعامل مع السلطة بانفتاحيه وبدون مناكفات ، مع المؤسسة الكنسية بأنواعها المختلفة باحترام ولكن بتواصل نظر بخط مستقيم، أما المواطن فانتهج معه أسلوب التواصل الحسي والعطف والتعاطف ونوعية التواصل المباشر المبني على التقبل والقبول بدون الصد والرد. هذا النوع من العلاقة له وجهين الأول أن المواطن يشعر أن له اعتبار عند الرئيس أما السلبية فتكمن في أن الموظف في أحيان كثيرة هو المفروض أن يتعامل مع المواطن واذا استعصى الموضوع أن يتوجه للرئيس. هذا الموقف للمواطن يظهر كم نحن شعب انفعالي (وليس عاطفي) نفتقر ونعاني من الجوع والحرمان الحسي. من ناحية أخرى كلما شعر أفراد الشعب أن القيادة تشبهه كلما كانت العلاقة بينهم وطيدة اكثر. وكلما شعر أن القيادة لا تشبه كلما كان التباعد بينهما اكثر. هذه القاعدة كان لها تأثير في اختيار المرشح أكان علي أم وليد. كذألك هذه القاعدة أفرزت كلمة "طالعه" التي دخلت الوجدان الجمعي وتحولت إلى ترند وشعار للانتخابات، أما اصلها فهي ترجع لعلي سلام عندما خطب قبل يوم من المحكمة بالنسبة لقضية الأصوات عام 2013-2014 قائلا: "اذا في حاجة بكرة نطلع على المحكمة الساعة واحده الصبايا والشباب كل الناصرة طالعة طالعه طالعه طالعه"!
ج. قام سلام بكسر بعض المسلمات او القواعد الأساسية التي كانت متبعة في الحكم الجبهوي، مما فعله في ذالك إتاحة وتسهيل ترخيصات البناء تحت سقف القانون، بهذه العملية ساهم في حل مشكلة الإسكان جزئيا ولكن من ناحية أخرى أيضا ابطل التخطيط الأساسي للناصرة والذي اعتمد الحفاظ على وجه حجري تراثي لها ولذالك لفترة طويلة كانت هناك عراقيل كثيرة توضع أمام البناء العمودي(بناء الطوابق) فمن ناحية حتى لا يتغير وجهها ومن ناحية لإجبار البعض على الهجرة للحفاظ على تقسيمات ديمغرافية معينة. كما سرَّع في حل قضايا لمشاريع بناء عالقة في الدرج لسنين خلت. لقد طغى الاهتمام بالحجر (الأثري) على الاهتمام بالبشر ولكن سلام وازن بين الاثنين فاهتم بالبشر والحجر.
د. لا شك أن سلام ساهم في تخفيف الاحتقان بالشعور الطائفي بالبلد من خلال العلاقات والفعاليات والمنهجيات المختلفة، كما ساهم إلى حد ما وبقدر استطاعته بتخفيف الاحتقانان العائلية وحتى الشخصية في بعض الأحيان، هنا يسال السؤال هل وظيفة رئيس البلدية إدارة شؤون البلدية كجهاز ومدينة أم إدارة شؤون الأفراد والجماعات؟
هاء. علي سلام استطاع أن يثبت ان له تأثير على جميع القطاعات والفئات وانه يستطيع الحفاظ علي السلم المجتمعي إلى حد ما. في توثيقات عديدة ظهر وقوفه أمام صفوف الشرطة بينما الآخرون وقفوا خلف هذه الصفوف.
أن المرحلة القادمة ستكون الأصعب لأن سلام سيحاول الوصول والحفاظ على مستوى معين من المشاريع والخدمات والأصعب من ذألك أن قراراته ستكون مطلقة بدون أصوات المعارضة من هنا الصعوبة ، فقرارات الحكم المطلق اصعب بكثير من القرارات الأخرى لأنها بدون رقيب من ناحية ومن ناحية أخرى وحسب من يظهر في الصور فهناك المنتفعين الوصوليين الذين يسعون إلى مصالحهم الذاتية ومن سيماهم يعرفون، فاذا استمر هؤلاء حوله بهذه الكثافة فهذا سيؤثر سلبا لذا نذكره بالمثل القائل "امر مبكياتك لا امر مضحكاتك"، للأسف وصلنا اليوم لزمان أن لا يثق الأنسان بأحد حتى بخياله.
في الحكم المطلق خاصة حجم المسؤولية اكبر بكثير ، فعلى الحاكم أن يفكر الف الف مرة لأنه ليس لدية شركاء فعليين في القرار. كما أن وضعية الحكم المطلق تساهم في نشوء صراعات خفية داخلية وليس خارجية. إن وجود عامل خارجي ضاغط ومهدد يساهم في التراص بين الأفراد ولكن بغياب هذا التهديد تتغير الوضعية.
في الفترة القادمة ستبدأ مرحلة التحول من القيادة إلى الزعامة لذالك عليه الحذر من المطب الذي وقع فيه الآخرون والذي بسبب الزعامة فُقِدت القيادة!
هناك أمور وقضايا عالقة وصعبة يصعب حلها ، فهناك ناصرتان ناصرة يعرفها الجميع وناصرة لا يعرفها احد!
نقول لوليد العفيفي لو لم يكن منافسك علي سلام ولو دخلت المعركة برؤيا شمولية متقمصا الروح الشعبوية مع جهاز إعلامي شبابي ومعاصر بعيدا عن الرؤية الجبهوية لربما كان لك حظ أوفر، لكن مقولة متى وكيف لم تطبقها بالشكل المناسب.
نقول لعلي سلام الف الف مبروك في المرة الماضية قلنا انك الأنسب للرئاسة بسبب الظروف الوضعية التي كانت سائدة آنذاك ،نأمل انه بعد هذه الفترة سنقول لم تكن فقط الأنسب بل كنت أيضا الأفضل!
كان الله بعون الأخيار وعون علي وكان هو عونا لمن لا عون له في هذا البلد الساكن في جوارحنا قبل أن نكون نحن الساكنين في جراحه.
بالنسبة لانتخابات المجالس المحلية العربية الأخرى وبشكل عام في اسرائيل فمن يرى " القتل الطوش والغوش" فيمكنه تلخيص نتيجة الانتخابات بما يلي:
المال مفسدتنا والجهل مطيتنا والرصاص حليفنا والعقل عدونا وما زالت البسوس وداحس والغبراء تسري في دمائنا!

* الناصرة (سهام فاهوم غنيم- مؤلفة كتب وباحثة)

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net     

مقالات متعلقة

.