د.أسعد غانم في مقاله:
أعطيت المشتركة فرصة إضافيّة لكي تثبت صدق مشروع إقامتها، فعلى ما يبدو أنّ نتنياهو نجح في ترتيب ائتلافه لسنة إضافيّة
يبدو أنّ هنالك خلافًا داخليًّا بين مركّبات المشتركة على توزيع المقاعد، وهنالك قُوى جدّيّة جديدة تطرح موضوع فتح المشتركة لتمثل قطاعات في شعبنا ليست ممثلة بها على رأسها مبادرة يخطّط للإقدام عليها رئيس بلديّة الناصرة
القائمة المشتركة هي أكبر إنجاز حزبيّ للفلسطينيّين في إسرائيل منذ 1948 ويتوجّب المحافظة عليه. وواضح لي، ولكلّ مراقب تهمّه مصلحة شعبنا، بأنّها لم تترجم هذا الإنجاز التاريخيّ إلى عمل وطنيّ منظّم في الشكل والمضمون، لكن هذا لا يبرر التفريط بها، بل العمل على إصلاح الأعطاب لكي نحوّل هذا الإنجاز البرلمانيّ إلى إنجاز وطنيّ شامل. وهنا أقترح بعض الأفكار التي قد تساهم في ذلك على مستويَين: الجوهريّ من جهة، وترتيب المقاعد من جهة أخرى.
أوّلا، ليس بالكراسي وحدها: يدور نقاش قويّ حول الخلافات بما يتعلّق بتوزيع الكراسي في القائمة، ويبدو للبعض أنّ المشكلة الرئيسيّة في المشتركة تنبع من ذلك النقاش. هذا ليس دقيقا، فالمشكلة الأساس في المشتركة هي في عدم قدرتها أن تحوّل الالتفاف حولها والإنجاز التاريخيّ قبل ثلاث سنوات إلى بداية بلورة مشروع عمل وطنيّ حقيقيّ ومشترك ومُجدٍ في خدمة شعبنا. وهذا الأمر كان ممكننا لو أقدمت المشتركة، كما كان مأمولا منها، على وضع برنامج عمل وطنيّ جماعيّ أمام أعينها، والعمل على تحقيقه داخليّا في مجتمعنا ومقابل الدولة، وحتّى مقابل الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة. وبدون أيّ انتقاص من إنجازات مهمّة لبعض أعضاء المشتركة، كان من الممكن أن تكون إنجازاتها تاريخيّة لو طوّرت إستراتيجيّة عمل تجنّد قدرات شعبنا الكثيرة لبلورة مشروع إستراتيجيّ لعمل المشتركة وعملت به بدل الانجازات الفردية وغير الكافية لبعض اعضائها، وطبعا كان ممكننا لو طوّرت المشتركة إستراتيجيّات عمل داخلها بين أعضائها وبينهم وبين مجتمعنا، بدل المناكفات في منصّات التواصل الاجتماعيّ ووسائل الإعلام، كما في اجتماعاتها الدوريّة وغير الدوريّة.
وحاليّا أعطيت المشتركة فرصة إضافيّة لكي تثبت صدق مشروع إقامتها، فعلى ما يبدو أنّ نتنياهو نجح في ترتيب ائتلافه لسنة إضافيّة، وهذا يعطي المشتركة الوقت الكافي لكي تنطلق في تثبيت أنّها ليست مشروع كراسي، بل مشروعًا وطنيًّا جماعيًّا، وأنّها لن تدعو للتصويت لها "لأنّها قائمة عربيّة" ... ولا يمكن قبول أيّ تبرير للإخفاق الجوهريّ في عمل المشتركة، تخيّلوا أن يقوم موشيه كحلون مثلا بالقول لمؤيديه بأنّ الحفاظ على قائمته هو أهمّ إنجازاته!! وأنه يجب التصويت له "لأنّه شرقيّ"!! هل ممكن أن نتصوّر مثل هذا المنطق الذي لن يجرؤ عليه كحلون لسببين: أوّلا، لأنّه يحترم عقول مصوّتي حزبه، وثانيا، لأنّه يعرف بأنّه بهذا يسرّع في نهاية ظاهرة "كولانو"، لأنّ جمهوره لن يقبل بهذا المنطق.
مسئوليّة تغيير نهج عمل المشتركة داخليًّا بين أعضائها، وعملها مقابل التحدّيات التي تقف أمام شعبنا، تقع على عاتق أعضاء المشتركة تحديدا، وعلى من يدّعون قيادتها قبل أيّ مركّب حزبيّ أو تنظيميّ أو شعبيّ آخر... وهم يستطيعون ذلك إن أرادوا أن يحصل التفاف لائق بمناسبة الانتخابات، وقبلها وبعدها.
ثانيا، حول الكراسي: ليس سرًّا بأنّ أهمّ ما جرى بين الأحزاب قبل الانتخابات عام 2015، ويجري النقاش حوله منذ الانتخابات هو موضوع ترتيب الكراسي، وهذا ليس غريبا ولا عيبا في السياسة. لكنّ العيب أن يكون جلّ النقاش حول هذا الأمر. طبعا العطب الرئيسيّ الذي حصل يرجع إلى موضوع "التناوب" الذي اقترح من قبل "لجنة الوفاق"، وللعلم مسألة إقامة المشتركة كان مفروغا منه منذ رفع نسبة الحسم، ودخول "لجنة الوفاق" كان بنوايا حسنة، إلّا أنّه أضرّ بالهدف أكثر ممّا أفادنا، والآن قد يفيد لو اعترفت "الوفاق" بإخفاقها في هذا الشأن وراجعت بصدق ما كان ممكنًا أن نتجنّبه لو أنّها لم تقدّم على اقتراحها هذا. طبعا من الصعب أن يحصل هذا لأنّ لجان الصلح والوفاق عندنا تعمل كالسياسيّين: تبرّر كلّ شيء وتبرّئ نفسها أوّلا، وبعدها الطوفان. وقد ينبري بعض أعضائها للادّعاء بأن من ينتقد عملها لا يريد قائمة مشتركة، الخ من تبريرات جاهزة لا تفيد في علاج الإخفاقات أو الامتناع عنها مستقبلا.
الآن يبدو أنّ هنالك خلافًا داخليًّا بين مركّبات المشتركة على توزيع المقاعد، وهنالك قُوى جدّيّة جديدة تطرح موضوع فتح المشتركة لتمثل قطاعات في شعبنا ليست ممثلة بها على رأسها مبادرة يخطّط للإقدام عليها رئيس بلديّة الناصرة، علي سلام. وهذا شرعيّ وجيّد إذا كان الهدف هو إنقاذ هذا الهدف الوطنيّ الجماعيّ والوطنيّ الذي لا يمكن أن نفرّط به.
واضح تماما أنّ تركيبة القائمة يجب أن تتغيّر، وليس هنالك أيّ دليل علميّ على تفوّق أحد المركّبات جماهيريًّا على أيّ مركّب آخر، رغم بعض نقاط القوّة والضّعف هنا وهناك.
واضح مثلا بأنّ الجبهة والإسلامية تتمتّعان ببُعد تنظيميّ ثابت وواثق أكثر من العربيّة للتغيير والتجمّع، لكنّه يبدو أنّ للعربيّة للتغيير حضورًا شعبيًّا أقوى وأوسع من الجبهة أو الإسلاميّة. ما أعنيه أنّ هنالك تكاملًا بين مركّبات المشتركة، ويجب أن يتمّ التعبير عن ذلك من خلال توزيع تمثيل متساوٍ بين المركّبات أو اللجوء إلى ترتيب المشتركة حسب مفتاح يحدّد بطريقة تعبّر عن رغبات الشارع الآن، وليس قبل ثماني سنوات أو حتّى أربع سنوات. هذا يتطلّب بالإضافة للالتزام بالمشتركة، عقولا منفتحة على إمكانيّات التغيير في تركيبة المشتركة، وانفتاحها على قوى شعبيّة جديدة تتطلّع إلى تمثيل في المشتركة، فهي كما قال شعارها في الانتخابات السابقة يجب أن تكون "إرادة شعب" وليس كواليس الغرف المغلقة، بلجنة وفاق أو بغيرها.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com