الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 10 / نوفمبر 03:02

العنف ضد المرأة/ بقلم: د. آثار حاج يحيى

د. آثار حاج
نُشر: 02/12/18 11:38,  حُتلن: 16:48

د. آثار حاج يحيى في مقالها:

بعد كلّ جريمة تكون ضحيّتها المرأة يُطرح التّساؤل التّالي كردّة فعل أوّليّة: "أبصر شو عاملي تا قتلوها؟"، بربّكم، أليس في سؤالكم هذا إعطاء شرعيّة ومؤشّر أخضر لعمليّة القتل؟ 

تقف اللّغة عاجزة مكتوفة اليدين عندما نحاول أن نشخّص وضعنا المأساويّ ونترجم ما يعتمل في نفوسنا من مشاعر السّخط الممزوج بالخوف وفقدان الثّقة والأمان. يكفي أن نفكّر لبرهة بأبنائنا وأحبّائنا لتمتلئ النّفوس رعبًا وخوفًا من المصير المجهول الّذي نجابهه في مجتمع باتت فيه لغة السّلاح والبطش والعربدة والإجرام وسيلةً للتّواصل. فما أكبر فخرنا إذ حطّمنا الأرقام القياسيّة في عدد جرائم القتل، وما أعرق مجدنا إذ تنوّعت وسائل الإجرام فينا وتشكّلت، للتضمّن، بالإضافة إلى القتل بإطلاق النّار، طرائق مبتكرة من الذّبح والاغتصاب وتقطيع الجثّة وتجميعها في كيس ثمّ رميها في حاوية قمامة! جفّت الكلمات وباتت الغصّة في حلوقنا خانقة، فأطلقناها صرخة مدوّية: إلى أين نحن ماضون؟!

ثمّ يحدث أن يتساءل البعض: لماذا نصرخ الآن تحديدًا؟ ولماذا عندما تكون الضّحيّة امرأة تكون صرختنا مدوّية؟ أوليس المقتول والمقتولة سيّان في الفقد والفجيعة؟ وكلّها تساؤلات شرعيّة في عالم فقدنا فيه الثّقة بكلّ مسلّماتنا الفكريّة والاجتماعيّة. ونوجز إجابتنا عن هذه التّساؤلات بقولنا: إنّنا يجب أن ننبذ العنف بكلّ أشكاله وتجلّياته، يجب أن ننبذ ونقصي ونعاقب بحزم كلّ شخص يمارس العنف ضدّ الإنسان لكونه إنسانًا، بغض النّظر عن جنسه أو انتمائه... حان الوقف لوقف شلّال الدّم المتناثر في أرجاء وطننا من أقصى الشّمال إلى أقصى الجنوب. إنّ الحقّ في الحياة والعيش بكرامة من أسمى وأقدس الحقوق الّتي وهبنا إيّاها خالقُنا، ولا يحقّ لأيّ مخلوق، مهما كانت الأسباب، أن يسلب هذا الحقّ المقدّس. ونقول قولنا هذا دون أدنى تردّد أو تلعثم أو تأتأة.
أمّا بعد؛ نحن نركّز على قضيّة قتل النّساء لأنّ المرأة في بلادنا قضيّة، ولأنّ قتلها ناتج عن سبب واحد ووحيد ألا وهو كونها أنثى، تلك الأنوثة الّتي اختارها لها الله في البدء تعدّ، بمفاهيمنا، جريمة تستحقّ الاستضعاف والتّهميش والإقصاء والمحاكمة والتّسلّط وفرض السّيطرة وربّما القتل. إنّ جرائم قتل النّساء ليست كأيّ جريمة، لأنّ المرأة لا تُقتَل لذنب ارتكبته سوى كونها أنثى في مجتمع ذكوريّ متسلّط عنيف. كتلك الطّفلة الّتي أثارت شهوة حيوان مفترس فقرّر أن يتّبع غريزته بحيوانيّة مطلقة ويعتدي عليها، أو تلك الجميلة الّتي جذب جمالها إعجاب ذكر ما (ولن أقول رجل) فوثقت به فقرّر الانتقام منها ليتباهى بعنتريّاته، أو تلك المكافِحة الّتي تتحمّل تسلّط شخص ما في بيتها لتحافظ على أسرتها وأطفالها فتقع ضحيّة للعنف... وفي كلّ الحالات نختلق الأعذار لنبرّر العنف الذّكوريّ ونصفح عن بني ذهل، فإذا بمآسينا تتكرّر وتتفاقم الواحدة تلو الأخرى.

وبعد كلّ جريمة تكون ضحيّتها المرأة يُطرح التّساؤل التّالي كردّة فعل أوّليّة: "أبصر شو عاملي تا قتلوها؟"، بربّكم، أليس في سؤالكم هذا إعطاء شرعيّة ومؤشّر أخضر لعمليّة القتل؟ ألستم من يعطي، بسؤالكم هذا، مصداقيّة للقتلة والمجرمين بيننا، وهم كثُر؟ ألا يرسّخ سؤالكم هذا فكرة قتل النّساء وسلب حقّهنّ بالحياة كردّة فعل طبيعيّة لزلّاتهنّ؟ ألم يحن الوقت لنراجع منظومتنا الفكريّة المتجذّرة في عقولنا منذ الجاهليّة؟ تلك المنظومة الّتي تحتّم علينا تفضيل الرّجل على المرأة، فنتعامل مع الاثنين بازدواجيّة معياريّة مقيتة، ألم يحن الوقت لننبذ ذلك الفكر الّذي ينظر إلى المرأة على أنّها ضلع قاصر يحتاج إلى رعاية ووصاية، وأنّها كائن حسّاس نحمّله شرف الإخوة والآباء والأجداد وحتّى أجداد الأجداد، وفي زلّة منها ينهار صرح الأمجاد هذا، فتستحقّ القتل جرّاء ذلك، وإن كانت الزّلّة مجرّد إشاعة لا تمتّ للواقع بصلة. المرأة في مجتمعنا يا سادة، يتمّ التّعامل معها على أنّها متّهمة حتّى تثبت إدانتها، لذلك فإنّ المرأة قضيّة تهميش ثلاثيّ الأبعاد، فهي جزء من أقليّة تعاني من العنصريّة والإقصاء السّياسيّ من قبل الدّولة وحكومتها، وهي جزء من مجتمع ذكوريّ يتعمّد إقصائها وتهميشها واستضعافها، ونضيف إلى ذلك منظومات الإقصاء العائليّ والدّينيّ والقبليّ وغيرها.
ثمّ نضيف: بحقّ السّماء أينحصر ظلم المرأة في جرائم قتل النّساء؟ وماذا عن ممارسات العنف اليوميّة ضدّ المرأة بتشكيلاتها المختلفة من عنف جسديّ ونفسيّ وروحانيّ وكلاميّ؟ ماذا عن إقصاء المرأة عن الحيّز العامّ؟ ماذا عن إقصائها عن مناصب اتّخاذ القرار والحيّز السّياسيّ؟ ماذا عن التّخاذل في مساعدتها ومساندتها في تحمّل أعباء المنزل وتربية الأبناء؟ ماذا عن إذلالها والتّعامل معها تعاملًا دونيًّا؟ "ماذا" وألف "ماذا" يمكن طرحها هنا دون أن أجد إجابة تشفي "اللّهب المؤجّج في دمي"! أوليس "قاتل الجسم مقتول بفعلته وقاتل الرّوح لا تدري به البشر"؟
ليس جلدًا للذّات هدفُنا، بل مواجهة التّحدّيات والواقع بصدق وقوّة وأمل بغدٍ تشرق فيه شمس الأمان والمحبّة والتّسامح والإخاء والمساواة. فهل من سبيل إلى ذلك يا وطني الحزين؟ نعم بإمكاننا تحقيق أهدافنا المنشودة حين نترجم شعاراتنا الرّنانة إلى سلوك فعليّ على أرض الواقع، فنتخلّص بذلك من تلك الفجوة الهائلة بين تنظيرنا وسلوكنا في الواقع المعيش، تلك الفجوة المقيتة الّتي ذكرها الله بقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لمَ تقولون ما لا تفعلون كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}. من هنا أناشد كلّ فرد منّا بمراجعة نفسه وتحرير فكره من براثن العنف، فالتّغيير المجتمعيّ يبدأ بتغيير الفرد، ثمّ أناشد كلّ أسرة أن تهتمّ بتربية أبنائها تربية قوامها التّسامح والمحبّة والتّقبّل والسّلم والحوار "لعلّ جيلًا سيأتي يحدث العجب العجابا". ولا يفوتني هنا التّشديد على أهميّة دور المؤسّسات الرّسميّة وغير الرّسميّة في الحدّ من ظاهرة العنف، من المجالس المحلّيّة ورجال الدّين والشّرطة وبالأخصّ المؤسّسة المدرسيّة. فإن تكاتفت جهودنا جميعًا ربّما استطعنا التّقدّم خطوات في سلم الرّقيّ والارتقاء الحضاريّ.

* الكاتبة: محاضرة في المعهد الأكاديميّ العربيّ للتّربية- بيت بيرل
مركّزة أساسيّات اللّغة العربيّة
باحثة في مجال الأدب العربيّ الحديث وتدريس اللّغة العربيّة


المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

مقالات متعلقة

.