"في بيتنا زائر غريب" هي القصة التي اختارها المؤلف، الاستاذ طلال سالم الحديثي، لتكون عنوان مجموعته القصصية الجديدة والصادرة سنة 2018. "في بيتنا زائر غريب" هي قصة ليست بالسهلة، كما هو الحال في معظم القصص التي تضمَّنها الكتاب.
نقرأ قصص المجموعة ونأخذ بالتنقيب والبحث عن المقصود فيما وراء السطور؛ تماما كالجيولوجي الذي يبحث في طبقات الأرض، باحثا عن خباياها؛ وكلما تعمَّقنا في البحث، ازداد التساؤل لدينا: ما الذي يريد ان يقوله الكاتب؟ ما الذي يخبئه وراء كلماته التي تبدو للقارئ بسيطة، لا تحتاج الى بذل المجهود للبحث عن معانيها؛ لكن الحقيقة هي ان القصص رغم انها تبدو خالية من المفردات المعقّدة والسرد المركَّب؛ الا انها تتطلب من القارئ جهدا نفسيا ليعود الى ذاته بعد قراءتها؛ فهي متعِبة نفسيا، كما وتتطلب جهدا مضاعفا لفهم ما بين سطورها. فليس كل القراء بقادرين على الوصول إلى الطبقة الأعمق من المعنى الرمزي في معظم القصص التي تضمّنها الكتاب، فهذا النوع من الكتابات يتطلب من القارئ أن يتنازل عن منطقه العقلاني ويستخدم بدلاً منه المنطق الخاص بنفسيته؛ ومن هنا ولهذا السبب، بإمكاني ان أوصي باستغلال القصص التي احتواها الكتاب (بعضها أو كلها)، في جلسات التحليل النفسي، للغوص في النفوس وخباياها. من هذه القصص، على سبيل المثال لا الحصر، "في بيتنا زائر غريب".
"في بيتنا زائر غريب"؛ يحكي المؤلف قصة افراد عائلة عراقية ومعاناتهم مع الديدان التي ظهرت في بيتهم ذات يوم؛ وما ان ينهي القارئ الصفحة الاولى من القصة؛ حتى يأخذ بالتساؤل بينه وبين نفسه: ما هذه القصة؟ أُم؛ ابنتها؛ ديدان في المطبخ؛ محاولات عديدة للقضاء على الديدان تبوء بالفشل كل مرة؟ لكنه لا يلقي بالكتاب جانبا؛ بل يصر على الاستمرار في قراءة القصة ظنا منه ان احداثها لربما ستأخذ منحى آخر فيما بعد. لكنه يُخذل؛ ومرة اخرى يُصِّر على متابعة القراءة ليجد أن الديدان تنتشر في ارجاء البيت اكثر بعد كل محاولة للقضاء عليها؛ لدرجة انها تمكنت من غزو كل زاوية من زوايا البيت. لكن القصة تنتهي بنهاية سعيدة، حيث تتخلص العائلة من الديدان.
برأيي؛ ان القارئ محق في تساؤلاته ؛ فالقصة، تبدو لأول وهلة قصة عادية؛ وبالذات ان المؤلف لم يتعمد التعقيد في السرد، ولا استعمال مفردات تحتاج لقاموس حتى يعرف القارئ معانيها؛ فقد استغنى المؤلف عن استعراض عضلات معرفته اللغوية، ووفّر على نفسه المجهود لذلك بهدف تجنيد هذا المجهود وتجنيد كل طاقاته، في كيفية الإمساك بالقارئ حتى نهاية القصة؛ وللإنصاف؛ فقد نجح في ذلك؛ فالقصة ورغم بساطة سردها الا ان هذا السرد كان شائقا ومشوقا يثير في نفس القارئ العديد من الأسئلة، وكأن المؤلف بعد الانتهاء من السرد يقول لقراء قصته: انتهت مهمتي، والآن بدأت مهمتكم في البحث عن الأجوبة لتساؤلاتكم.
لا شك عندي، بأن المؤلف في قصته هذه تحدّث عن الغرباء (ورمز لهم بالديدان) الذين غزوا العراق (البيت)؛ سواء كانوا هؤلاء الغرباء الامريكان الذين غزوا العراق سنة 1991 او سنة 2003 أم كانوا اتباع تنظيم داعش الذين غزوا مناطق في العراق سنة 2014 كما غيره من البلدان العربية.
جدير بالذكر؛ ان المؤلف حاول في سرده للقصص التي تضمنها الكتاب؛ إحياء تدوين الحكاية الشعبية المعاصرة على نسق الحكايات الشعبية العربية المنشرة في مجتمعاتنا العربية كأسمار في الليالي، ومنها: حكاية الأفعى والبعير التي وردت في الصفحة( 36) من الكتاب، وحكاية ( الحصان) التي وردت في الصفحة (85) وحكاية ( الصبي وشجرة الزيتون) التي وردت في الصفحة (21) وحكاية ( الكلمات الثلاث) الي وردت في الصفحة (89) وحكاية ( الفتى سمران) التي وردت في الصفحة(93) . ويمكن أن نعزو سبب اهتمام المؤلف بالحكاية الشعبية، الى كونها أحد الروافد المهمة في الأدب الشعبي العربي والذي يُعد المؤلف أحد كتابه المعروفين؛ حيث الّف فيه أكثر من عشرة كتب منشورة منذ العام 1968 وحتى اليوم؛ هذا بالإضافة الى عشرات المقالات التي نُشرت له بهذا الصدد في مجلات عراقية وعربية .
اعترف انني قد تطرقت باقتضاب لمحتوى الكتاب؛ لاعتقادي ان الغوص في صفحات الكتاب والتي بلغت 108 صفحات، يحتاج لغوّاص ماهر يعرف كيف يُخرج الدرر منه؛ واكتفيت بتناول قصة " في بيتنا زائر غريب" بالنقد؛ لأوصي، وبشدة، قراءة الكتاب، وتناوله نقديا من قبل ناقدين آخرين.
مبارك للأديب والباحث والناقد القدير، الاستاذ طلال سالم الحديثي، إصداره الجديد، راجية له دوام الابداع والمزيد من العطاء الادبي والثقافي.
*************************
بقلم، جميلة شحادة // الناصرة