تشكلت الخميس حكومة جديدة في لبنان برئاسة سعد الحريري، وفق ما أعلن الأمين العام لمجلس الوزراء فؤاد فليفل من القصر الرئاسي، في خطوة تأتي بعد أكثر من ثمانية أشهر من استشارات شاقة.
وصدر مرسوم تشكيل الحكومة التي تضم ثلاثين وزيراً يمثلون مختلف القوى السياسية الكبرى، بينهم أربع نساء، في سابقة هي الأولى من نوعها، بعد خلافات سياسية على تقاسم الحصص ووسط خشية من تدهور الاوضاع الاقتصادية في البلاد.
ويأتي تشكيل هذه الحكومة، الأولى منذ انتخابات أيار/مايو، بعد أكثر من عامين من تسوية أدت الى انتخاب ميشيل عون رئيساً للبلاد، بدعم من حليفه الأساسي حزب الله، وتسمية الحريري رئيساً للحكومة.
وقال الحريري في كلمة مقتضبة بعد تلاوة مرسوم تشكيل الحكومة "ربما لم يكن هناك ما يستدعي كل هذا التأخير، لأنه فعلاً هناك ملفات وقضايا أهم من توزيع الحقائب" الوزارية.
وأضاف "كانت مرحلة سياسية صعبة خصوصاً بعد الانتخابات، لكننا نريد أن نطوي الصفحة ونقوم بالعمل" المطلوب، مؤكداً أن "التعاون بين أعضاء الفريق الوزاري شرط واجب لنكون على مستوى التحدي ولتنجح الحكومة بتجاوز هذه المرحلة".
وواجه الحريري خلال الأشهر الأخيرة صعوبات كبيرة ناتجة بشكل أساسي من خلافات حادة بين الأطراف السياسيين على تقاسم الحصص الوزارية، تم تجاوزها الواحدة تلو الأخرى قبل أن يصطدم باشتراط حزب الله تمثيل ستة نواب سنّة مقربين منه ومعارضين للحريري في الحكومة بوزير، الأمر الذي رفض الحريري أن يكون من حصته.
وتشكلت الحكومة بعد موافقة عون على تمثيل هؤلاء النواب بوزير ضمن حصته.
وفي لبنان البلد الصغير ذي التركيبة الهشّة، لا يمكن تشكيل الحكومة من دون توافق القوى الكبرى إذ يقوم النظام السياسي على أساس تقاسم الحصص والمناصب بين الطوائف والأحزاب.
وتضم الحكومة 11 وزيراً يمثلون عون مع تياره السياسي، ما يمنحه عملياً القدرة على تعطيل اصدار أي قرار لا يحظى بموافقة وزرائه. ويُمثل حليفه حزب الله، بثلاثة وزراء.
ورداً على سؤال عما إذا كان توزيع الحقائب يكرس نفوذ عون وحزب الله، قال الزعيم الدرزي وليد جنبلاط لوكالة فرانس برس "هناك شركة سياسية مالية استلمت البلد، حزب الله موجود وهو قوة أساسية لا بد من الاعتراف بوجودها، لكن الى جانب الحزب هناك شركة مالية ... تقوم بنهب المال العام".
وتحمل قوى سياسية في لبنان على سيطرة حزب الله على مرافق رئيسية في الدولة، وعلى اتفاقات وعقود تم ابرامها مؤخراً في قطاعي الطاقة والكهرباء من دون أن تحظى بإجماع عام.
ويتعين على الحكومة تقديم بيانها الوزاري الى البرلمان لنيل ثقته في مهلة ثلاثين يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها، وفق الدستور اللبناني. وتعقد الحكومة جلستها الأولى السبت، وفق الحريري.
ومن شأن تشكيل الحكومة أن يفتح الطريق أمام لبنان للحصول على منح وقروض بمليارات الدولارات تعهد بها المجتمع الدولي دعماً لاقتصاده المتهالك في مؤتمرات دولية، أبرزها مؤتمر سيدر الذي استضافته باريس في نيسان/أبريل الماضي.
وأكد الحريري في كلمته أن "التمويل لا يمكن أن يتم من دون اصلاحات جدية" مشيراً الى "تلازم بين التزامات المجتمع الدولي والإخوة العرب بالتمويل، والتزام الدولة بالاصلاحات والتنفيذ الشفاف للأعمال".
وشكك جنبلاط لفرانس برس في قدرة الحكومة على "إعادة النظر" في سياستها الاقتصادية والاجتماعية، متسائلاً "كيف ستقوم بذلك وهي التي استباح بعض أطرافها الثروة الوطنية؟".
وربطت معظم الجهات الدولية والمانحة مساعداتها بتحقيق لبنان سلسلة إصلاحات بنيوية واقتصادية وتحسين معدل النمو الذي سجل واحدا في المئة خلال السنوات الثلاث الماضية مقابل 9,1 في المئة في السنوات الثلاث التي سبقت اندلاع النزاع في سوريا العام 2011.