تعزية للذات و رثاء و وداع لحبيبة و صديقة العمر و شريكة لحياة طال أمدها لما يزيد عن خمسة و خمسين عامًا: من هنا لا بد من ذكر مسيرتها الحافلة الزاخرة بكل أنواع الحب والعطاء لأبنائها ولبناتها ولزوجها و أحفادها
هل أصدق؟ هل نصدق؟ بأن رحلتك رحلة أبدية عنا؟ ثلاثون يوم مروا على فراقك أم أحمد كبرقة لامعة في السماء أيتها الزوجة الصالحة,الراحلة ,الأمينة. فإلى جنات الخلد والنعيم واللقاء مع الصديقين, صدقيني يا أم أحمد لا أدري وكيف تخرج من فمي كلمة الراحلة ولكننا نؤمن بالله وقدره والأجل المحتوم لكل منا ومن حضر الى هذه الدنيا الفانيه. ولكنك ستبقين في فكري وذهني كلما بقيت حياً. لقد كانت واسعة الأفق بحلمها وصبرها وفكرها الواسع الخدوم والمربية الصالحة لأبنائها, العملاقة بأدائها الحسن الخلوق المتواضع. لقد اكتسبت حب وتقدير واحترام كل من التقى بها و حادثها بقضايانا وهمومنا الحياتية والمعيشية اليومية وعسرها وشقاها أحياناً. ومن هنا لا بد من تكريم المرحومة بما كانت تعمل وتؤمن به خلال فترة حياتها الزاخرة بمسك السيرة والسمعة الطيبة على صعيد القرية وغيرها بآلافهم الذين جاءوا ليودعوها الوداع الأخير, لقد كانت المغفور لها الأم الحنونة الرؤوفة, الخلوقة, مربية لستة من الماجدات بناتها التي نهلن العلم و المعرفة وأصبحن جلهن يعملن في سلك التربية والتعليم لسنوات وسنوات طويلة من عمرهن لصنع الأجيال القادمة, المثقفة, المتعلمة في وسطنا والتي نحن بأمس الحاجة إليهم. اليوم وغداً وبعد غداً وإلى ما شاء الله, ومنهن السكرتيرة الطبية والممرضة لخدمة مرضانا ومساعدتهم للتغلب على إشكالاتهم المرضية في المؤسسات المعدة لذلك. وهنالك أيضاً إثنين من الذكور الذي رزقت بهم وأصبحا فيما بعد من الرجال الرجال, وأنجبت طيبة الذكر الراحلة أم أحمد حمود إبنها البكر الأستاذ أحمد حمود الذي يربي الأجيال , الأجيال الصاعدة ويعمل كنائب مدير في مدرسة أورط في مدينة الناصرة منذ ما يزيد على اربعة وعشرين عاماً ونيف وهناك يلاقي كل آيات الحب والتقدير والإحترام من ادارة المدرسة ومعلمين ومعلمات وبالإضافة أيضاً لأهالي الطلاب في مختلف أحياء المدينة التي جاءوا بأعدادهم الغفيرة لتقديم واجب التعازي والمشاركة في مراسيم الجنازة وفي بيت الأجر أيضاً.
وإنني كزوج للفقيدة المرحومة فبإسمي وإسم كل أبنائي وبناتي وأنسبائي أتقدم بكل آيات الشكر والعرفان لكل من واسانا وشاركنا في مصابنا الجلل, من حيفا والجليلين والمثلث وبئر السبع ومدينة رهط الذين جاءوا بإعدادهم الغفيرة لتقديم واجب التعزية. لقد كان لبصماتها الأثر الإيجابي الكبير على سيرورة حياة الأسرة بكاملها وتربية وتعليم أولادنا وتنشئة جيل مثقف ومتعلم بعيداً كل البعد عن ما نراه اليوم في وسطنا العربي من أحداث مؤسفة لا تقربنا إلى بعضنا البعض والعكس هو الصحيح. إن المرحومة بما تركته لنا من إرث مجيد وعظيم يزيدنا فخراً وإعتزازاً لا يمكن تقديره بأي ثمن من الأثمان ونحن من جانبنا كأسرة نعتبر هذا مكسباً وإنجازاً هاماً وضروري لكافة أبناء شعبنا كله في ربوع هذا الوطن الحبيب وإن شاء الله أن يكتب كل هذا في ميزان حسناتها ويجعل لها بيتاً في الجنة. ولكي أوفي المرحومة حقها بما بذلت من جهد وعطاء لكي يلتحق الإبن الأصغر بلال ( قريد العش) كما يقال بمعهد التاخنيون في حيفا قسم هندسة المكيفات لقد كانت المرحومة الأم الحنونه وصاحبة نفس كريمة ومعطاءة في سبيل كل أبناء الأسرة وقالت "أنا مستعدة أن أبيع كل شيء أملكه من أجل أن يلتحق بلال بمعهد التاخنيون في حيفا" وهذا فعلاً ما قد حصل وتخرج وحصل على شهادة هندسة مكيفات واليوم هو صاحب كراج يختص بمهنة مكيفات السيارات وغيرها.
هكذا كانت طموحات المرحومة إتجاه أبنائها وبناتها و بعون الله تحققت كل أمانيها حول صعيد الأسرة وما كانت تصبو إليه وهذا فعلاً ما يجعلنا أن نعزي أنفسنا بما حققته هذه الراحلة وهذه الأم وهذه المربية الماجدة على إمتداد خمسة وخمسون عاماً من المشاركة المخلصة, البريئة متغلبتاً على كل الظروف بحلوها ومرها على إمتدادها.
فأما نحن في دائرة الأسرة لا نستطيع أن نصدق أنفسنا ولا واقعنا بما فيه نحن اليوم بكل قسوته ومراره بعد الرحيل بأنك لا تتواجدي بيننا. ويسألني الأحفاد الصغار ذات الثلاث والخمس سنوات ( وين ستي يا سيدي؟!)
وعندما أستمع إلى هذه التساؤولات والكلمات البريئة لا يراودني إلا الإحتناق والدموع تنهمر من مقلتي دون إرادة مني تمنع ذرفها وكأننا في ساعة فراق آنية.
ففي هذه الظروف وهذه المناسبة القاسية التي عصفت بنا كأسرة وكزوج لا بد لي أن أذكر الفقيدة ولو بالشيء اليسير عن بعض النشاطات المحلية على صعيد البلدة, ففي سنوات السبعينات وما بعدها أقيمت في القرية لجنة النساء الديموقراطيات عن طريق الحزب وكان عددهن المتواضع أربعة نساء وجميعهن نساء رفاق. وهن: المرحومه بهية حسين ام اكرم) زوجة الرفيق المرحوم سليمان حسين ( ابو أكرم), والمرحومة فاطمة دغش( أم جمال) زوجة الرفيق توفيق دغش , والمرحومة بهية حسين دغش زوجة المرحوم محمود دغش ( ابو حاتم) , وأخيراً المرحومة لطفية احمد حمود زوجة الرفيق عوض حمود كاتب هذه السطور. و جميعهن إنتقلن الى رحمة الله وآخرهن المغفور لها لطفية حمود التي انتقلت الى رحمة الله تعالى بتاريخ 6.2.2019 وولدت بتاريخ 27.4.1943. لقد كان لهذه اللجنة النسائية الكثير من النشاطات المحلية وقد كُن يوجهن الدعوة للرفيقة سميرة خوري من الناصرة لتحاضر أمام إجتماع نسائي في نادي الحزب أمد الله بعمرها إذا ما زالت على قيد الحياة وأنا أتمنى لها ذلك, وكُن أيضاً يدعُن الرفيقة فيليتسا لينغير رحمها الله وهي صاحبة الكتاب (بأم عيني) لإلقاء محاضرة أمام النساء حول المستجدات على الساحة السياسية في ذلك الحين وقد كُن يقمن الأربع نساء بفعاليات ونشاطات محلية مثل جمع التبرعات على الصعيد المحلي لأغراض إنسانية تخص المناطق المحتلة وغيرها من النشاطات السياسية المحلية وهذا جزء واحد من النشاط التي كانت تقوم به المرحومة.
وأما الجزء الثاني التي كانت تقوم به هو كالتالي ففي أواخر السبعينات من القرن الماضي أُتخذ قراراً بفرع الحزب بدير حنا على أن أكون شخصياً عوض حمود مسؤولاً عن جمع أثمان والإشتراكات الشهرية من المشتركون بصحف الحزب على أنواعها: صحيفة الإتحاد, الجديد, والغد , والدرب. وإمتدت مسؤوليتي عن صحف الحزب لسنوات عدة وما بودي أن أقوله إكراماً وتقديراً وإحتراماً لذكرى المرحومة زوجتي لطفية حمود بأنها هي من كانت صندوق الأمانات لأثمان صحف الحزب التي كنت أجمعها من المشتركون في نهاية كل شهر وكان يأتي إلي الرفيق يوسف صباغ ( أبو واصف) والد زوجة الرفيق المرحوم توفيق زياد من الناصرة وكان هو بدوره المسؤول عن جمع أثمان الصحف في نهاية كل شهر من الفروع, وبعد إحتساءنا لمبيض الوجه فنجان من القهوة السمراء كان يقول لي مازحاً ومداعبة بأنني لم أكن ولم أشعر براحة من حيث جمع أثمان الصحف من الفروع كما هو ماثل عندك من حيث الدقة والتنظيم والإلتزام بالموعد
وكنت أرُد عليه أن كل هذا يعود لفضل ومساعدة زوجتي المرحومة لطفية حمود التي مضى على رحيلها عنا إلى رحمة الله تعالى (30 يوماً) .
هذه هي مسيرتك الموجزة أيتها الراحلة التي إستطعت أن أحصاها وأوفيك بها على مدار خمسة وخمسون عاماً من المشاركة الفعالة والنشطة وأنني أرجو مسامحتك لي إن كنت قد نسيت شيء من ذكراك العطر
المهذب الأمين واعاهدك عهدا وفيا صادقا بأنك ستبقين في ذكرانا جميعاً خالدةً من زوج وأبناء وبنات ونسائب وأحفاد مخلصون ومحبون , خالدةً مثل خلود الشمس والقمر وإلى جنات الخلد والنعيم أيتها الزوجة والأم الحبيبة الصادقه, لطفية أحمد حمود
( شراري) الناصره سابقا.
بقلم الزوج: عوض حمود- دير حنا