كل امرأة قادرة على أن تُحقّق ذاتها وأن تُحلّق بعيدًا للوصول لأحلامها مهما كانت كبيرة، نشارككم تجارب بمثابة تقدير وحُب لنساء مجتمعنا المُثابرات الطّموحات المُغرّدات خارج كل سرب يحاول الحدّ من طاقاتهن، هي رسائل أمل لكُل امرأة، أم، شابة، طفلة، مُسنّة، من أجل بذل المزيد من المجهودات للنّهوض والمضيّ قُدمًا وتحقيق الذّوات وترك بصمة خاصّة لا تُنسى. "أجا دورِك"!
سمر أبو قرشين (44 عامًا) من شفاعمرو، حاصلة على لقب أول في موضوعي التربية وعلم الاجتماع، ولقب أول إضافي بموضوع العمل الاجتماعي، عاملة اجتماعية وموجّهة مجموعات، ومؤخّرًا مُعالجة بالطّاقة (ريكي) واكسس بارس وهما نوعان من العلاجات المكمّلة.
سمر أبو قرشين
التّحدّيات.. الدّراسة وتحقيق الأحلام
أنا مثل أي إنسان آخر لديّ طموحات وأحلام التي أريد تحقيقها، وسعيت من أجل أن أحقّقها، ورغم كلّ الظروف الصّعبة التي واجهتني أنهيت دراستي الثانوية.
أدرجت الدّراسة الأكاديمية في سلّم أولويّاتي، وهذا ما كان، تسجّلت للجامعة للقب الاول بموضوعيّ التربية وعلم الاجتماع في جامعة حيفا، وأنهيت تعليمي في عام 1997.
التّحدّي الاول الحقيقي الذي واجهته هو إيجاد عمل بمجال دراستي الأكاديمية، تقدّمت مرارا بطلبات عمل في مؤسّسات عديدة ولكن مع الأسف الشديد لم أتلق أي ردود إيجابية في حينه وكانوا يعتذرون منّي بسبب إعاقتي البصريّة، إذ كان لديهم تخوّف واضح من ألا أقوم بوظيفتي على أكمل وجه، أو ألا أكون مستقلة بشكل كامل. الأفكار المسبقة للأشخاص مع إعاقة، وبالذّات مع إعاقة بصرية كانت سلبية جدًّا ولا تعطي المجال لهذا الإنسان أن يثبت جدارته في عمله.
عدم إيجادي عمل لم يثنني عن أن أكون شخصًا فعّالًا في المجتمع، فدخلت مجال التطوّع الذي فتح لي أبوابا كثيرة لاحقًا، ومن هنا بدأت الامور تتقدّم وأتقدّم معها، واستطعت من خلال التطوّع أن أثبت نفسي وقدراتي بأنّي استطيع القيام بأي شيء باستقلالية والقيام بالمهام الملقاة على عاتقي على اكمل وجه وبمهنية تامّة.
بعمر الثلاثين كان انخراطي الأول في مجال العمل
منذ إنهائي دراستي الاكاديمية في العام 1997 وحتّى العام 2005 كان جُلّ عملي مرتبطًا بالتّطوع فقط، خلال السنوات الثمانية عملت فقط 3 سنوات منها في وظيفة بسيطة 10 ساعات أسبوعية كمركّزة لبيت الطالب في مركز المكفوفين في شفاعمرو. خلال هذه الفترة قررت أن أتعلّم لقب أول إضافي في موضوع العمل الاجتماعي وفي عام 2005 خلال سنتي الدراسية الثالثة بالعمل الاجتماعي فتحت لي الأبواب واستلمت اول وظيفة بموضوع دراستي، إذ كان يجب أن أجري فترة تطبيقية في مجال تعليمي فطبّقت في بيت انتقالي لفتيات في ضائقة ومع نهاية العام التّطبيقيّ عرضت علي جمعية نساء ضد العنف المُفعّلَة للبيت الانتقالي أن أعمل معها بوظيفة جزئية.
ورغم أنّ نسبة الوظيفة كانت جزئية إلا أنّ القدرة على الوصول إلى الفتيات والتّأثير على حياتهن بصورة إيجابية وتقديم الدّعم لهنّ كان يعطيني رضا واكتفاء ذاتي بعملي وبقدراتي مع وجود الكثير من الصعوبات والتحديات.
بعد فترة استلمت وظيفة جزئية إضافية في مركز الطفولة بتركيز مشاريع نساء مع إعاقة لفترة 10 سنوات. ومن هنا بدأ اسمي يُعرف مهنيًّا وفتحت لي أبواب مهنية جديدة.
من حسن حظي أنّ أماكن العمل التي توظّفت فيها بداية من نساء ضد العنف واستمرارا بمركز الطّفولة وعملي الجديد، لم أجد فيها سوى التّقبّل والاحترام، وكنت أصل دائمًا مع الجميع إلى تفاهمات واستعداد لملاءمة مكان العمل لاحتياجاتي، هذا الأمر كان ضروريا وساعدني في أن أحقق ذاتي وأن أعطي أفضل ما عندي.
ومع أنّي عثرت على عمل بمجالي واستطيع من خلاله أن أحقّق ذاتي، لم أتردد لحظة واحدة في أن أكمل مسيرتي التطوّعيّة، فأنا مستمرة حتّى اليوم في التطوّع في مركز المساعدة لضحايا العنف والاعتداءات الجنسية.
إضافة مهنة.. تغيير تجدد واكتفاء ذاتي
عملت في مجال العمل الاجتماعي لسنوات طويلة، في عدّة مؤسسات ومع جمهور نساء مع إعاقة، ولكنّي في السّنوات الأخيرة استطعت تغيير مجال عملي اليوم أنا أعمل في العلاج بالطّاقة ومع بداية هذا الشّهر افتتحت عيادتي الخاصة للعلاجات، هذا تغيير مهم وضعني أمام نفسي وأمام تحديات جديدة استطعت من خلالها الانكشاف على ذاتي أكثر وعلى الأمور التي أريد أن أقدم عليها لاحقًا لأشعر بالاكتفاء الذاتي مجدّدًا ومجدّدًا، التغيير جدد الحيوية لدي والطاقة وجعلني اؤمن أكثر بنفسي وبما أستطيع بعد أن أقدّمه للآخرين وللمجتمع.
الدّعم
عائلتي الصّغيرة والكبيرة هي كانت الدّعم الأساسي لي في أي خطوة أقدم عليها، وأي قرار اتّخذته في حياتي كانت عائلتي تقف خلفه ساندة لي ولا أذكر أنّهم خذلوني في أي مرّة طلبت منهم الدّعم والمساعدة، على العكس كانوا مستعدين بكّل لحظة أن يقدّموا كل ما أحتاجه وفي أي وقت.
صعوبات مجتمعية.. بنى تحتيّة وحافلات
واجهت صعوبات كثيرة خلال جميع الفترات التي مرّت في حياتي، أبرزها الصعوبات المتعلّقة بالمجتمع الذي لا زالت لديه فكرة عدم ملاءمة المرفقات لاحتياجات كافّة فئات المجتمع وبالذات للأشخاص مع إعاقة بشكل عام وبصرية بشكل خاص، أذكر منها البنى التّحتية والمعيقات التي نواجهها في المواصلات العامّة التي لم تكن متاحة بشكل كبير، مرارًا كانت تفوتني الحافلة لأنّي لم أشِر لسائقها بالتّوقّف، وكنت أنتظر طويلا على محطة الحافلات، اليوم يعرفني سائقو الحافلات وبعض الركاب الثابتين فأصبح الأمر أسهل بالنسبة لي في التّنقّل، ولكن لا زال الأمر عائقًا لدى الكثير من الأشخاص مع إعاقة وهذا أمر مؤسف.
ركوب الخيل.. وإثبات الكفاءة
واحدة من الصّعوبات التي واجهتها طوال حياتي كانت ممارسة الهوايات التي أحبّها، وشغفي الأكبر كان في ركوب الخيل، كنت أواجه الرّفض من مدارس الخيول على اختلافها عربية كانت أم يهودية، ذلك لأنّهم اعتبروا أنّ في خوضي لهذه التّجربة مسؤولية كبيرة، فخافوا من أن أصاب أو أتعرّض لأذى ما.
قبل 7 سنوات تعرّفت على مدرّب للخيل وكان مُرحبًّا بالفكرة وقرّر أن نخوض هذا التّحدّي وهذه التّجربة معًا، أنا اليوم أمارس هواية ركوب الخيل مثل أي إنسان آخر.
من هنا مناشدتي للجميع بفتح المجالات لجميع فئات المجتمع بما فيهم الأشخاص مع إعاقة بالاندماج والتّعامل مع كُل إنسان وفقًا لقدراته لا لظروفه، والقدرات المختلفة لا تعني أن نلغي حقّه في أن يكون متواجدًا في المجال الذي يحب. والتّجربة خير دليل في إثبات الكفاءة.
أنا أعي تماما أنا نعيش في مجتمع ذكوري محافظ، يعتبر في غالبية الأحيان بأن المرأة أقلّ قدرة من الرجل، ويحدد لها المساحة والاتجاه الذي يجب أن تتواجد فيه، أنا أرفض هذا التّوجّه فكُل امرأة تستطيع أن تنمي قدراتها، فقط عليها أن تؤمن بنفسها، فرغم الصعوبات التي تواجهنا جميعا بطرق وأشكال مختلفة، يجب اكتشاف القدرات المكنونة بدواخلنا التي تجعل من كل امرأة فينا إنسانة قويّة قادرة على تحقيق ذاتها.
عزيزاتي النساء تشبّثن بأحلامكنّ وطموحاتكن ولا تفتحن مجالا للخوف أن يسيطر عليكن، والتّجربة هي الأهم في طريق النّجاح، فإن لم تنجحن من المرأة الأولى لا تستسلمن بل حاولن مرارا وتكرارا، تجرأن بالقيام بالخطوة الاولى من أجل الوصول حيث تأخذكن أحلامكن.