كل امرأة قادرة على أن تُحقّق ذاتها وأن تُحلّق بعيدًا للوصول لأحلامها مهما كانت كبيرة، نشارككم تجارب بمثابة تقدير وحُب لنساء مجتمعنا المُثابرات الطّموحات المُغرّدات خارج كل سرب يحاول الحدّ من طاقاتهن، هي رسائل أمل لكُل امرأة، أم، شابة، طفلة، مُسنّة، من أجل بذل المزيد من المجهودات للنّهوض والمضيّ قُدمًا وتحقيق الذّوات وترك بصمة خاصّة لا تُنسى. "أجا دورِك"!
رانيا مخلوف
رانيا مخلوف من حيفا حاصلة على اللقبين الاول والثّاني في موضوع البيولوجيا – علم الاحياء من معهد التخنيون، خزافة (مصممة اكسسوارات من خزف)، لديها مشغلها الخاص في حيفا ومتجرها الالكتروني.
البداية..
درست موضوع البيولوجيا- علم الاحياء في معهد التخنيون للقبين الاوّل والثّاني، ولكن الفنون كانت هاجسي الاوّل منذ أن كنت طفلة، عدم دراستي للفنون أكاديميًّا لم يشكّل عائقًا في دخولي إلى هذا المجال، إذ بدأ المسار من ورشة صغيرة قبل 10 سنوات، وتعلّمت التّقنيات بشكل بسيط فعشقت الخزف وهذا النّوع من الفن وقرّرت ان أتعلّمه بشكل مهني أكثر.
من التّصميم العشوائي لامتهان الخزف
بدايتي في مجال التصميم كانت عشوائية إلى حدّ كبير، إذ تعلّمت هذا الفن لشغفي به ولم تكن لديّ أي مخطّطات مُستقبلية، وفي يوم قرّرت صُنع اكسسوار من الخزف وإهداء صديقتي، وشاركت في بازار من خلال عدد من أزواج الأقراط التي أحبّها الكثيرون وهكذا بدأ خطّي بتصميم الاكسسوارات ينتشر بين الأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء، وفي حينها لم تكن فكرة الشّراء عبر الانترنت رائجة كما اليوم، لذلك كانت الطّلبيّات تصلني عبر الهاتف وكنت ألبّيها جميعها بشكل شخصي، لقيت تصميماتي اليدوية هذا النّجاح لأنّها بسيطة قريبة للجميع وأسعارها بمتناول الأيادي، لذلك أجد اليوم آلاف الشابات والنّساء في المجتمع العربي يرتدين من التّصميمات التي قُمت بصنعها، ورغم البساطة التي أقدّمها في اكسسواراتي اليدوية إلا أنّها أصبحت صيحة – تريند- استوحت منها الكثير من الشابات صُنع اكسسواراتها ولكن باستخدام مواد أخرى غير الخزف والكراميكا المواد التي أستخدمها انا وصنعن لأنفسهن خطًّا شبيهًا لخطّي، أنا جدّ سعيدة برؤية أشخاص تُحاول تقليد منتوج من صناعتي والذي أحدث قفزة نوعيّة بعالم الاكسسوارات البسيطة يدوية الصنع في مجتمعنا العربي.
اختلاف مجالي الفنّي عن مجالي الدّراسي لم يشكّل عندي أي صعوبة، لأنّي أؤمن بأنّ لكل إنسان الهوايات والمواهب التي يحب أن يطوّرها ويصقلها، ومجرد أن يعمل الشّخص ما يُحب هذا بحدّ ذاته يعطي شعورًا بالاكتفاء الذّاتي، وأنا شخصيًّا عندما كنت ألتمس استحسان النّاس وإعجابهم بما أقدّمه عزّز إحساسي بالاكتفاء الذّاتي والامان الذي خوّلني لتطوير مهاراتي في هذا الفن. وفي هذه الفترة واجهت صراعًا بداخلي حول تحويل مسار عملي وامتهان الخزف أم أستمر في مجال البيولوجيا.
قررتُ الخوض فيما أحب، وامتهنت الخزف لأكون في المكان الآمن الأكثر راحة الذي أجد نفسي به، وبدأت بتعلّم فنون الخزف على أصوله والعمل اليدوي وبعض التّقنيات الطّبيعية من خلال استكمالات أجريتها خارج البلاد وافتتحت مشغلي قبل عامين في حيفا، والذي أقوم به بصنع الاكسسوارات وأقدّم ورشات ودورات في البناء اليدوي. وكذلك لدي متجر الكتروني أعرض من خلاله تصميماتي عبر الانترنت.
استمدّيت الدّعم في جميع المراحل من عائلتي الدّاعمة وشريكي، وكانت لهم مساعداتهم الفعلية في مراحل صُنع الاكسسوارات عندما كانت تصلني طلبيّات بكمّية كبيرة جدًّا. ولكن النتيجة بأن ترتدي آلاف النساء من اكسسواراتي اليوم هو أمر كان يستحق كل التّعب والمجهود.
رانيا، حاضرة في التصاميم
الطّبيعة مصدر إلهامي الاول، الالوان والشّكل وحتّى الأسماء التي أسمّيها لكل اكسسوار، فأنا استوحي تصاميمي من أبسط التّفاصيل حولي، لطالما جذبني الخط العربي واللغة العربية والكلمات لذلك خطّي الاول في تصاميم الاكسسوارات تعلّق إلى حدّ كبير بها ولكني كنت أكتُب بخطّي أنا وهذا ما ميّزني. باشرت في تصميم الاكسسوارات كهواية دون هدف أن أصل إلى هذا الكم الهائل من الناس، وهم من بحث عنّي وزادت شُهرتي من وراء الأقراط التي قدّمتها.
بعد انتشار مجموعة الأقراط الأولى التي اشتهرتُ بها بشكل كبير، قرّرت تجربة أمور مختلفة وجديدة وتقنيات كنت قد تعلّمتها، وبالفعل خلال عام ونصف وقفت كل المبيعات وأعطيت لنفسي مجالا لأجرّب وأحاول استحداث تقنيّات أخرى لأخوض عالم الخزف بطريقة مختلفة، عملت على الدّولاب وفي البناء اليدوي وطوّرت نفسي ليس أكاديميًّا إنّما حِرفيًّا.
الفن ثقافة.. وكل منا بداخه فنان
قد تكون الثّقافة المنهجية للفن غير موجودة بشكل واضح في المجتمع، ولكني أؤمن بأنّ مجتمعنا لديه الوعي للفن ويقدّره، وأنّ كُل إنسان بداخله فنان يستطيع أن يعكس هذا الفنّ من خلال الطّبيعة والحياة اليومية وادقّ التّفاصيل التي يعيشها، ومع مرور الوقت أصبحنا نرى مُحاولات ناجحة لطرق تعبير فنّيّة وصور مُباشرة أكثر، وهذا ما ألاحظه من انكشافي على الكثير من المهتمّين بالفنون.
رسالتي لكل امرأة وكل شخص في هذه الدّنيا، أن يبتعد عن تأطير شغفه ويمنح لنفسه فرصة لاكتشاف مكامن شخصيّته، ومكامن الحياة، وأن يحقق أحلامه هو لا الأحلام التي يمليها عليه الآخرون أو أي نظام لا يشبهه، مشوارنا قصير في هذه الحياة التي علينا أن نحياها بجمالها وأن نزيد عليها جمالا. اصنعوا ما تُريدون بمحبّة لتعود إليكم بأضعاف.