بروفيسور أسعد غانم:
الاحزاب التي اتت بشخصيات من حزب العمل وكاديما ووضعتها في قائمتها السابقة (انتخابات 2019)، واعني الائتلافان الانتخابيان، لا تستطيع التنظير لنا بان ذلك غير ممكن الان، وخصوصا لشخصيات وطنية لا تقل، بل وغالبا تفوق في قدراتها والتزامها تجاه القضايا الوطنية معظم مرشحي الاحزاب القائمة
قام شعبنا الفلسطيني تحت الاحتلال في سبعينات وثمانينات القرن الماضي بتشكيل اكبر جبهة وحدة وطنية عرفتها الشعوب المحتلة، تنظم الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال والبطش والتنكيل ليعمق تلاحمه الداخلي وليفرز قيادة ميدانية ووطنية قادت الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة والقدس، وبمساندة باقي الفلسطينيين في ال-48 والشتات ومنظمة التحرير- الى اوسع عملية تعبئة ومقاومة واحتجاج ضد الاحتلال والقمع والتنكيل. تشكلت الوحدة الوطنية بالأساس من التفاف شعبي واسع ومقتنع بقيادته والاهداف التي رسمتها. طبعا قدوم السلطة وسياسات "فرق تسد" والتزامها بأمن اسرائيل اولا، ادى الى تفريق الوحدة الوطنية ووصلنا الى التفكك التام وانعدام الدعم الشعبي لما تقود اليه سلطتي: رام الله وغزة.
في تاريخنا هنا في الداخل، تجلت اعظم لحظات الاجماع الوطني والوحدة في مظاهرات واحتجاجات يوم الارض الاول عام 1976، وما تلاها من دعم شعبي لقيادة الجبهة التي شكلت آنذاك بقيادة ملهمة لتوفيق زياد ولزملائه. طبعا جرت محاولات اخرى وهنالك شهادات اخرى للحظات فارقة في تاريخ شعبنا، كانت الوحدة الوطنية فيها هي الاساس لبناء القدرة على تحدي الازمات الداخلية التي غذتها عوامل التفريق الداخلية، والخارجية التي كان اولها سياسات السلطة واستهدافها لمناعتنا الوطنية، ومن اهمها اقامة القائمة المشتركة عام 2015 على خلفية رفع نسبة الحسم، والتي تم ضربها داخليا من خلال حرب الكراسي، وربما تدخلات خارجية دفعت لمركبات في المشتركة لأجل ذلك، على الاقل اعتمادا على ما صرح به النائب ايمن عودة مؤخرا.
الان نحن في غمار التحضير لانتخابات الكنيست ال-22 في 17 ايلول القادم، واضح تماما باننا بحاجة الى وحدتنا الوطنية، واعادة تمثيل الاجماع الوطني، اي اعادة بناء حركتنا الوطنية. اننا اذا كنا ننوي فعلا جعل هذه المحطة نقطة لانطلاقة وطنية حقيقية فإننا بحاجة الى وحدتنا الوطنية كأساس لها. هذه الوحدة لا تستطيع ان تتشكل من الاحزاب السياسية المركبة للمشتركة المفككة، والتي حصلت في احسن الحالات ومجتمعة على 34-35% من الاصوات العربية في 9 نيسان الماضي، هذه الوحدة يجب ان تتشكل اولا من عموم شعبنا وطاقاته بكل مركباتها واوجهها، واي استثناء لهذه الطاقات هي تكون استمرار لنهج خدمة انتخاب نتنياهو التي عملت به الاحزاب السياسية في الانتخابات قبل شهرين، وهي حالة سوف تقود حتما الى فشل اكبر من الذي حصل آنذاك.
انني ومع تأكيدي على حق الاحزاب السياسية والائتلافات التي خاضت انتخابات نيسان الماضي، في التمثيل بنفس قوتها التي افرزتها تلك الانتخابات، فإنني ادعو الى اشراك قوى جديدة في قائمة مشتركة يتم بنائها من جديد. والاحزاب التي اتت بشخصيات من حزب العمل وكاديما ووضعتها في قائمتها السابقة، واعني الائتلافان الانتخابيان، لا تستطيع التنظير لنا بان ذلك غير ممكن الان، وخصوصا لشخصيات وطنية لا تقل بل وغالبا تفوق في قدراتها والتزامها تجاه القضايا الوطنية معظم مرشحي الاحزاب القائمة.
ان تجاهل هذا المطلب سيقود شعبنا، بكل قطاعاته، الى اقامة "ائتلاف وطني" يمثل الغالبية الساحقة من ابناء شعبنا، ويدخل في منافسة جدية مع "ائتلافات الكراسي"، وسوف يجعل من وحدتنا الوطنية الجامعة نفسه وخطه وبرنامجه الاول. ليست هنالك مرحلة اكثر نضوجا من اليوم لهذا العمل الوطني المنحاز كليا لمجتمعنا وشعبنا. ادرك تماما ان هناك العديد من ازلام الاحزاب، وبفلوس اجنبية سوف يتم الكشف اكثر عنها متأخرا، سيحاولون اجهاض ارادة شعبنا ومسعى الوحدة الوطنية وسيفهموننا بان احزاب تقبض من الخليج هي "مرجعيتنا"، لكنني بالتأكيد لا ارى اية امكانية لأي خيار اخر، فأما ان تكون وحدة وطنية حقيقية، او ان الاحزاب ستقوم مرة اخرى بدعم انتخاب نتنياهو، بقصد من بعضها وبغير قصد من بعضها الاخر.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com