الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 13 / نوفمبر 01:01

منع التحرشات الجنسية في السلطات المحلية العربية/ بقلم: شذى عامر

شذى عامر
نُشر: 28/06/19 13:05,  حُتلن: 17:19

منع التحرشات الجنسية في السلطات المحلية العربية: لمصلحة العمّال والعاملات ولمصلحة السلطات
شذى عامر، محامية - اتحاد مراكز مساعدة ضحايا الاعتداءات الجنسية

شذى عامر في مقالها:

إن للأضرار المخفية للتحرشات الجنسية، والتي تشير إليها أبحاث مراكز مساعدة ضحايا الاعتداءات الجنسية، عواقب جسيمة. إذ أنها تأتي على شكل ضغط نفسي، شعور يومي بالتهديد ليس بسبب التحرش نفسه بل أيضًا بسبب القلق من تناقل الحديث حول التحرش، المسّ بالخصوصية، اتهام الضحية والتغيير الملحوظ بالتعامل معها.

يشير تقرير مراقب الدولة أن خلال السنوات الثلاث السابقة، تمّ تقديم ثمانية شكاوى فقط ضد التحرشّات الجنسية وذلك في 85 سلطة محلية عربية. 

صدرت في تقرير لمراقب الدولة معطيات مقلقة، لكن ليست مفاجئة، عن معالجة ومنع السلطات المحلية الاعتداءات الجنسية بين عمّالها. المعطيات تشير إلى فشل ذريع في دور السلطات المحلية العربية في منع التحرشات الجنسية في أماكن العمل. كون السلطات المحلية هي أكبر مشغّل في مجتمعنا الفلسطيني، ومشغّل تشكّل به النساء النسبة الأكبر وجب تخصيص أهمية خاصة لبحث ومعالجة هذه الظاهرة.

وجب التنويه أن الإشارة إلى تقصير السلطات المحلية العربية لا يأتي ليشير إلى مقاربة ندية تدلّ على نجاح السلطات المحلية اليهودية في المقابل الآخر. لكن سدّ الفجوة والمطالبة بحقوقنا هو مطلب يجب أن يكون على رأس سلّم أولوياتنا. وأن قراءة المعطيات في السياق الذي يتلاءم ويتوافق مع خاصيتنا مقابل أجهزة السلطة في الدولة من ناحية، وبما يتوافق مع خاصيتا المجتمعية من جهة أخرى هو فرصة ليس فقط للنهوض بسلطاتنا المحلية، بل أيضًا لأخذ مسؤولية مجتمعية في حماية بلداتنا ومجتمعنا وموظفينا بشكل عام.

بين لوم مؤسسات الدولة وبين أخذ زمام الأمور بهدف خلق أماكن عمل آمنة لكل العمّال والعاملات في السلطات المحلية، علينا ألّا نغلب الهدف الأول على الثاني. إلى جانب الإشارة إلى ضعف قانون منع التحرشات الجنسية الذي تمّ سنّه سنة 1998 وعدم ملائمته الضمنية لاحتياجات مجتمعنا الفلسطيني إذ أن منع التحرشات الجنسية لا يطبّق قانونيًّا فحسب بس يجب أن يترافق مع حملات رفع الوعي ومناقشة المفاهيم مجتمعيًا دون اسقاطات من المشرّع خصوصًا في ظل الشرخ مع مؤسسات الدولة. وذلك أيضًا إلى جانب الإشارة إلى تخاذل وتهادن سلطات ضبط القانون كما يتم في حالات بشعة منها العنف وقتل النساء، وإلى جانب الإشارة إلى إضعاف سلطاتنا المحلية اقتصاديا وعدم تخصيص موارد كافية للنهوض بها على جميع الأصعدة. في ظل هذه العوامل كلّها علينا نحن، كمقولة مجتمعية، أن نسلّط الضوء على دور السلطات المحلية، من يقف على رأسها والمؤتمن على اتخاذ القرارات وتطبيقها فيها. علينا أن نطالب كل هذه الجهات في أن تعلن أن أمن وأمان عمالها وموظفيها، حقوقهم وحقوقهنّ، هي على رأس سلّم أولوياتها، ومنع التحرشات الجنسية هي من أهم جوانب الحفاظ على بيئة عمل سليمة وصحيّة والتي تزيد من الشعور بالإنتماء لمكان العمل، تحديدًا إذا كان مكان العمل يحمل بعدًا رمزيًا وأهمية جماهيرية مثل السلطات المحلية والذي يمكن بدوره أن يعزّز أيضًا الشعور بالانتماء للبلد نفسها.

إن للأضرار المخفية للتحرشات الجنسية، والتي تشير إليها أبحاث مراكز مساعدة ضحايا الاعتداءات الجنسية، عواقب جسيمة. إذ أنها تأتي على شكل ضغط نفسي، شعور يومي بالتهديد ليس بسبب التحرش نفسه بل أيضًا بسبب القلق من تناقل الحديث حول التحرش، المسّ بالخصوصية، اتهام الضحية والتغيير الملحوظ بالتعامل معها. عندها تصبح البيئة في مكان العمل بيئة معادية ومخيفة، مما يؤدي إلى مشاكل صحية ملموسة، تراجع في الإنتاج المهني والاقتصادي، تغيّب عن مكان العمل، وحتى إلى خسارة مكان العمل، سواءً بسبب تقديم الإستقالة أو بسبب إقالة المشغّل، وطبعًا في ظلّ نسبة بطالة عالية (ما يقارب 70%) بين النساء العربيات يكون لخسارة مكان العمل ثمن إضافي. وذلك بالإضافة إلى المسّ "بسمعة" الضحايا، التعييب والوصمة وأحيانًا يصل إلى تهديد باتخاذ إجراءات قانونية لتسكيتهنّ.

ليست الضحايا وحدهنّ من يدفع ثمن التحرشات الجنسية في أماكن العمل، بل أن أماكن العمل ذاتها تدفع أيضًا الثمن وذلك بخسارة موظفيها، تراجع في قدرتهم الإنتاجية وذلك بالإضافة إلى تكاليف الإجراءات القانونية بحقهم. ومن المؤسف أن يلجأ البعض منهم إلى طأطأة التحرشات والتظاهر بعدم وقوعها حفاظًا على السمعة الحسنة للمشغّل على حساب مصلحة عماله.

يشير تقرير مراقب الدولة أن خلال السنوات الثلاث السابقة، تمّ تقديم ثمانية شكاوى فقط ضد التحرشّات الجنسية وذلك في 85 سلطة محلية عربية. معطيات اتحاد مراكز مساعدة ضحايا تشير إلى أن شحّ تقديم الشكاوى لا يدلّ بالضرورة على معالجة صحيحة لمنع التحرشات، إذ أن كلّما زاد الوعي حول منع التحرشات الجنسية، وكلّما كان العنوان لتقديم الشكاوى لكافّة العاملين والعاملات واضحًا، وكلّما قدّم المشغّل أذنا صاغية والتزامًا بمنع التحرشات الجنسية، كلّما ارتفع عدد الشكاوى وبالتالي تحسّنت سبل المعالجة ومنعها مستقبلًا. المعطيات التي تشير إلى أن فقط 59% من السلطات المحلية العربية عيّنت مسؤولة أو مسؤولًا عن منع التحرشات الجنسية في أماكن العمل، وأن من بين 50 مسؤول هنالك فقط 20 منهم ممّن تلقّوا تدريبًا مهنيًا هو مؤشر مقلق وخطير. ولعلّ كشف المعطيات في هذه المرحلة، وبعد عشرين عامًا من سنّ قانون منع التحرشات الجنسية، يدفع بالسلطات المحلية، بدورها أكبر مشغّل في مجتمعنا، إلى القيام بواجبها في حماية موظفاتها وموظفيها من التحرشات الجنسية وإطلاق مقولة جماهيرية ترفض الاعتداءات الجنسية وتعمل بشكل واعِ لمنعها.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com 


مقالات متعلقة

.