محمد داوود كبها في مقاله:
نظنّ أنّ الحركة العربية للتغيير قد أطلقت هذه المبادرة بعد أن ثبّتت أقدامها في الانتخابات الأخيرة وحصلت على عضوين ثابتين في البرلمان الإسرائيليّ لأوّل مرة في تاريخها
رغم أن الرّياح جرت بما لا تشتهي السّفن وتمّ الإعلان عن إعادة الانتخابات من جديد، إلا أن الطيبي والسّعدي ومن معهما قد ازدادوا قوّة وثقة، كيف لا؟ وهم اليوم في مستوى الموحدة والتجمع؛ إن لم يكونوا في حالة أفضل!
لا ننكر أن الدكتور أحمد الطيبي وفي ظلّ العراقيل الكثيرة والتخبّطات السياسية المتواصلة التي نعيشها في هذه البلاد، لا ننكر أنّه أتقن دوره الإعلاميّ والسّياسيّ والبرلمانيّ بدهاء منقطع النّظير، فقد وُلد ليكون عضوًا في الكنيست، هكذا أراد لنفسه وهكذا يريد من النّاس أن يلحقوا بركبه
نرى أنّ مقترح الطيبي لن ينطلي على جميع المقاطعين، لكنه سيقلّلُ من عددهم بالتأكيد إذا خرج إلى النّور، كما أنَّه سيُدخل الجمهور العربي الناضج فكريًّا وسياسيًّا في حواريّة جديدة لم نعهدها من قبل
قدّمت الحركة العربية للتغيير مساء الاثنين درسًا واضح المعالم في التكتيك الإعلامي والقيادي، حيث أطلّت علينا الحركة بعد السّاعة السّابعة ببيان مقتضب عبر صفحتها على الفيسبوك حمل عنوان: ( العربية للتغيير: سنطرح مساء اليوم مبادرة "إعادة الثّقة" بعد فشل مساعي تركيب المشتركة)، وبلا شك فإنّ هذا العنوان وهذا البيان حمل في طيّاته الكثير من التساؤلات والتّرقب والتّشويق لدى جزء كبير من المراقبين والفضوليين والمحبّين والخصوم والمقاطعين، عدا عن نسبة كبيرة من الجماهير العربية التي ترى بالكنيست وسيلة ومنبرًا مركزيًّا للوصول إلى المبتغى ونيل الحقوق للأقلية العربية المضطهدة في البلاد.
ثمّ إنّ مضمون هذا البيان القصير كان واضحًا في وجهته: وهو تقديم البديل بعد فشل لجنة الوفاق في التوفيق بين الأحزاب.
وبعد ما يزيد عن ساعتين من الانتظار جاء البيان المفصّل بصورتين متتابعتين زمنيًّا: الأولى- عرض شريط إعلاميّ قصير المدى لكنّه جاء مباشرًا وذا جودة عالية من حيث الإخراج والمضمون، وخاطب النّاس ولامس مشاعرهم دون أدنى شكّ.
والثانية- عرض ما جاء في الشّريط بصورة بيان مكتوب ومفصّل يتضمّن شرحًا وافيًا عن مبادرة "إعادة الثّقة".
أمّا عن المبادرة نفسها فلنا فيها قراءة خاصّة:
نظنّ أنّ الحركة العربية للتغيير قد أطلقت هذه المبادرة بعد أن ثبّتت أقدامها في الانتخابات الأخيرة وحصلت على عضوين ثابتين في البرلمان الإسرائيليّ لأوّل مرة في تاريخها، ورغم أن الرّياح جرت بما لا تشتهي السّفن وتمّ الإعلان عن إعادة الانتخابات من جديد، إلا أن الطيبي والسّعدي ومن معهما قد ازدادوا قوّة وثقة، كيف لا؟ وهم اليوم في مستوى الموحدة والتجمع؛ إن لم يكونوا في حالة أفضل!
عَرَض الطيبي في مبادرته إقامة لجنة جديدة، وذلك بعد فشل لجنة الوفاق في أداء عملها وفقدان مصداقيتها أمام الجمهور والأحزاب.
اقترح الطيبي تأسيس لجنة مستقلة يرأسها قاضٍ مستقل يرافقه أربعة من خيرة الأكاديميين العرب في البلاد، يواكبهم أربعة مندوبين عن الأحزاب الأربعة الفاعلة، ينضمّ إليهم مندوبٌ واحدٌ فقط عن لجنة الوفاق، ورئيس لجنة المتابعة محمد بركة.
رأى الطيبي في مبادرته وفي سبيل حل "أزمة الكراسي العربية" أنّ أوّل عشرة مقاعد من حقّ الأحزاب الفاعلة، متيقّنًا أنّ خلاف الأحزاب لم ينشأ عليها أصلًا، بل على المقاعد الستّة التي تليها، فجاءه الإلهامُ وأرسل لنا "ضربة المعلم":
تذكّر الطيبي فجأة فئة المستقلين- وهم كُثر- فمال عليهم وأراد أن يرفع من مكانتهم السياسية نساءً ورجالًا فقسّم أطراف الكعكة بينهم بالتّساوي والعدل وقدّم النّساء على الرّجال. لا ندري ما مقصده من وراء ذلك، فربما قصد إنقاذ الجميع من مركب يوشك على الغرق أو أنه أراد أن يكسب الجميع، والقضية تتعلّق بالنّوايا!
ثمّ يستمرّ المقترح؛ فيدور الحديث عن أموال تمويل المستقلّين فقط دون الأحزاب الفاعلة، ويقترح الطّيبي استغلال هذه الأموال وإنفاقها في مشاريع مجتمعية مهمة، كمحاربة العنف ودعم الجامعيين العرب وتعزيز لجنة المتابعة وغيرها، وهذا كله تحت المحك، فقد عوّدَنا السياسيون على الإكثار من الشعارات والمُغريات لكسب مزيد من الأصوات، دون تطبيق وتحقيق جميع الوعود.
كما أنّ الصورة لم تتضح في تعريف مفهوم المستقلين، وهل ستدخل من ضمنهم الأحزاب الصغيرة كالديموقراطي العربي والقومي العربي وحزب المحامي نايف أبو صويص وحزب الإعلامي محمد السيد وغيرهم؟
هي شبكة عنكبوت كبيرة سيدخلنا إليها الطيبي، ومن شأنها أن تحدث بلبلة كبيرة بين النّاس إذا أُسيء التعامل معها خاصّة فيما يتعلّق بمفهوم المستقلين.
لا ننكر أن الدكتور أحمد الطيبي وفي ظلّ العراقيل الكثيرة والتخبّطات السياسية المتواصلة التي نعيشها في هذه البلاد، لا ننكر أنّه أتقن دوره الإعلاميّ والسّياسيّ والبرلمانيّ بدهاء منقطع النّظير، فقد وُلد ليكون عضوًا في الكنيست، هكذا أراد لنفسه وهكذا يريد من النّاس أن يلحقوا بركبه.
قدّم الطيبي هذه المبادرة ظنًّا منه بضرورة إرضاء جميع الأطراف، فزجّ بنفسه في ساحة ماطرة وراح يسير بين حبّات البَرَد علّه ينجح بالسيّر دون أن تصيبه أي زخّة موجعة من السّماء!
أمّا نحن فنعتقد أنه سيكون من الصّعب على الجميع تأسيس لجنة جديدة وإدارتها بنجاح في وقت زمني قصير، ونرى أنّ أعضاء لجنة الوفاق لن يقبلوا بتحييد دورهم وتهميشه؛ ولذلك لن يشارك أحدٌ منهم بها، لا سيما أن قيام مثل هذه اللجنة والموافقة عليها سيكون الرّصاصة القاتلة التي يطلقها الطيبي على لجنة الوفاق الوطني برئاسة الكاتب محمد علي طه!
أمّا إقحام رئيس لجنة المتابعة في هذه اللجنة الجديدة فلن يكون مُرضيًا للجمهور لأن بركة نفسه ينتمي إلى الجبهة ولن يكون من الموضوعية أو الإنصاف إدخاله عضوًا حتى لو كان رئيسًا للمتابعة، هذا عدا أنّه وقع في الكثير من الأخطاء والعثرات والمطبّات في الآونة الأخيرة؛ والتي زعزعت ثقة الجمهور به، كالتلاعب بدستور لجنة المتابعة، وتعزيته بوفاة الرئيس القبرصي وتجاهله لوفاة الرئيس المصري المنتخب ديموقراطيًّا محمد مرسي خلال محاكمته الظالمة، وغيرها من المواقف التي فشل في إدارتها...
نرى أنّ مقترح الطيبي لن ينطلي على جميع المقاطعين، لكنه سيقلّلُ من عددهم بالتأكيد إذا خرج إلى النّور، كما أنَّه سيُدخل الجمهور العربي الناضج فكريًّا وسياسيًّا في حواريّة جديدة لم نعهدها من قبل، وهي إعادة النّظر في مسألة دخول الكنيست أو مقاطعتها، وترتيب الأوراق من جديد فيما يتعلّق بكياننا وآلية التّعامل بنجاح وكرامة مع الطّرف الآخر في هذه البلاد.
لا نبالغ حينما نقول إنّ الدكتور أحمد الطّيبي ومن حوله قد خطّطوا من خلال هذه المبادرة لإحداث هزّة سياسية من شأنها أن تُكسبهم الكثير من التّعاطف والإعجاب والأصوات في الانتخابات القريبة، وربما تُحدث منقلبًا فكريًّا لدى الكثيرين، ولا شكّ أن الدّكتور الطّيبي ومن خلال هذه المبادرة كان سبّاقًا إلى إيجاد الحلول لمعضلة الكراسي الحزبية التي شكّلت عائقًا مركزيًّا أمام النّهوض بالقائمة المشتركة والجماهير العربية وقضاياها، وسيذكر التّاريخ أنّ هذا الرّجل وحزبه كانوا من أوائل الأشخاص الّذين سعوا وبادروا لحل الازمة قبل حلول موعد الانتخابات بشهرين.
نقدّر هذه المساعي، لكنّنا ما زلنا بعيدين كل البعد عن المسار الذي سينقذ مجتمعنا العربي من براثن دولة إسرائيل، ما زلنا بعيدين حقًّا عن استقلالنا السّياسي والثّقافي والحضاري والديني والوطني، فهل ستردّ لنا زيادة التمثيل في الكنيست حقوقنا؟
الحقيقة أنّنا نشكّ في ذلك.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com