الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 14 / نوفمبر 03:02

باقون كشجرة الزيتون


نُشر: 10/10/08 16:28

في مثل هذه الأيام من كل عام يشد أبناء الريف الفلسطيني الرحال كما هو الحال في أرياف العالم كله نحو موسم من مواسمهم والذين يبدعون فيه نحو التأكيد على الحرية والبقاء والتجذر والتأصل أمام كل محاولات التهجير والطرد والقتل والاقتلاع من هذه الأرض، يشدون الرحال نحو قطف ثمار زيتونهم والذي زرعوه منذ نعومة أظافر أجدادهم ليؤكدوا للعالم كله أنهم باقون كشجرة الزيتون لا يزحزحهم احد حتى في الأحلام هو تاريخهم وماضيهم كله وحاضرهم

هو مستقبلهم

هو أملهم الذي يتطلعون إليه وهو ملهمهم على الصمود ومثلهم للتحدي رغم كل الظروف والأعباء المحيطة


  فأم خالد فلسطينية الأصول والمنبت تقطف ثمار زيتونها كما يفعل الجميع في هذا الموسم ولكن هذا الموسم ليس كالسابق فأم خالد في السابق كانت لا تعمل مثل هذا اليوم وتكد لتقطف الزيتون ففي الماضي كان زوجها معها وقد رحل عن هذه الدنيا بفعل الاحتلال رحل شهيدا يدافع عن أرضه وحقله وبيته وزيتونه من المغتصبين من يسلبون الأرض من أهلها بقوة السلاح ومع ذلك فقد بقيت أم خالد نعم خلف لزوجها في رعاية الأرض والزيتون ولها من الأبناء اثنين والاثنين أضحيا بعيدين عنها تنتظر عودتهما بفارغ الصبر ليحملا عنها هذا العبأ الكبير والذي لا يطاق فالأول معتقل في سجون الاحتلال لا لشيء إلا لأنه فلسطيني يدافع عن وطنه وأرضه تتذكره أم خالد بحسره وهي تقول بنفسها كان هنا يقف على أعلى الشجرة يحاول جني ثمار الزيتون العالقة في أعلى الشجرة يقف على أعلى غصن كنسر يحلق في الأعالي انه دايما يكون أول المتحمسين نحو هذا الموسم الجميل وعبق الجبال والهواء العليل ولكنه الآن يقبع في غرفة صغيرة حقيرة حتى لا تنفع عيشة للحيوانات


  وتتذكر أم خالد ابنها الثاني في الغربة وهي من تتألم لبعده ولكنها تصبر على ذلك فهو عائد لها لا محالة بعد إنهاء دراسته وان كان يحاول دائما جاهدا مساعدة العائلة في هذا الموسم ولكن القدر قلب الأمور رأسا على عقب فها هي أم خالد تقطف ثمار الزيتون الآن لتحوله إلى زيت ثم تبيعه من اجل ولدها في الغربة لإكمال تعليمه وعودته إليها سريعا دون حاجة منه إلى الاهتمام بأمور مالية تجعله يبعد عن الدراسة من اجل العمل

 
  كل ذلك تحمله أم خالد في قلبها وأكثر ومع ذلك فإنها تحلم بذلك اليوم الذي يكون فيه أبنائها في حضنها

ويكون الله قد فك اسر ابنها وأعاد لها الآخر سالما عل ذلك يخفف عنها ولو قليلا هذه الأعمال الشاقة التي تقوم بها دون شكوى لأحد وهي تعلم أن ذلك اليوم قريب كما أنها متأكدة أن وجودها في حقلها بانتظار أبنائها هو صمود كبير لها كشجرة الزيتون المباركة التي تجني ثمار محصوله الآن فكما قال شاعر فلسطين الراحل الكبير محمود درويش:

آن أن تنصرفوا

وتقيموا أينما شئتم

 ولكن لا تقيموا بيننا

آن أن تنصرفوا

ولتموتوا أينما شئتم ولكن لا تموتوا بيننا

فلنا في أرضنا ما نعمل

ولنا الماضي هنا

ولنا صوت الحياة الأول

ولنا الحاضر،والحاضر ، والمستقبل

ولنا الدنيا هنا

و الآخرة

فاخرجوا من أرضنا

من برنا

من بحرنا

من قمحنا

من ملحنا

من جرحنا

من كل شيء، واخرجوا

من ذكريات الذاكرة
  مع كل الاحترام للراحل الكبير محمود درويش والتي تعبر كلماته عن وجدان كل فلسطيني في الوطن والشتات والاعتذار منه لاستخدام هذه الكلمات القليلة الأحرف كبيرة المعاني وكلي أمل أن يجمع الله شمل أم خالد بأبنائها لتزداد قوة نحو بقائها في أرضها كما هي شجرة الزيتون والتي ترفض كل محاولات اقتلاعها من أرضها رغم انف المحتلين

مقالات متعلقة

º - º
%
km/h
3.75
USD
3.95
EUR
4.76
GBP
336787.31
BTC
0.52
CNY
.