الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 08 / نوفمبر 19:02

ما العمل..؟ واقعنا بين الترهل والتململ السياسي..!/ بقلم: د. ابراهيم خطيب

د. ابراهيم خطيب
نُشر: 26/07/19 08:39,  حُتلن: 15:53

د. ابراهيم خطيب في مقاله: 

مُجتمعنا بحاجة لمواجهة هذه السياسات الممنهجة بإستراتيجية تقابلها، لا ندعي أنها أكثر قوة من سياسة المؤسسة الاسرائيلية تجاهنا، ولكنها تُظهر لهذه المؤسسة أننا لا نُطأطئ الرأس وأننا أصحاب قضية نناضل لأجلها بطرقٍ قوية ومشروعة

في حالتنا كفلسطينيين في الداخل لا يمكن رفع الراية البيضاء والاستسلام لهذا الواقع، ناهيك عن أن الحقيقة العلمية أنه ليس هناك فراغ، فهناك حاجة لاستنهاض ذواتنا ومجتمعنا والكف عن سب الظلام

تمر الحالة السياسية في الداخل الفلسطيني في وضع من التردي والترهل، ويعتري المزاج الشعبي حالة تمتد بين التململ، السخط، الإحباط واللا مبالاة، هذه الحالة البائسة من الواقع، يجب أن يخترقها أمل بالتغيير وعمل لإنجازه وكسر الجمود القائم.

لا شك أن الهجمة الإسرائيلية على مجتمعنا الفلسطيني في الداخل واستهداف وجوده من خلال مشاريع الأسرلة وقانون القومية، هدم البيوت والتضييق على الناس ومد الحبل على غاربه في جرائم العنف، ومع ما يرافق ذلك من استهداف للعمل السياسي وإضعافه من خلال التضييق على الحيّز العام، مهاجمة واعتقال القيادات السياسية، حظر الحركة الاسلامية والنيل من العمل الميداني الشعبي، كل هذه السياسات السلطوية مفهومة فيمن يرانا عدواً وغير شرعيين في هذه البلاد.
على أن ما ذُكر انفاً هو من نافلة القول، لأن كلنا يدركه ويعيشه واقعاً يومياً، ولكن ما يهمني في هذا المقال هو الشق الذي يختص بردنا وتعاملنا مع هذه السياسات ودورنا في هذا السياق.

مُجتمعنا بحاجة لمواجهة هذه السياسات الممنهجة بإستراتيجية تقابلها، لا ندعي أنها أكثر قوة من سياسة المؤسسة الاسرائيلية تجاهنا، ولكنها تُظهر لهذه المؤسسة أننا لا نُطأطئ الرأس وأننا أصحاب قضية نناضل لأجلها بطرقٍ قوية ومشروعة.

وهنا يأتي السؤال الأهم كيف لهذا المجتمع أن يتحرّك ليخرج من واقعه ويشتد عوده؟ والإجابة الواضحة تشير لحاجة المجتمع لعمل جماعي منظّم وقوي ويقوده أكفاء، وليكون كل ذلك يجب أن يكون دينامو المسيرة واضح الرؤية وأن يكون روّاد ومحرّكوا الشعب من طبقة سياسية منظمّون ويحوزون على ثقة الناس، لتنعكس هذه الثقة على سلوك ومشاركة في محاولة تغيير الواقع.
وهنا يأتي النقاش حول واقع أحزابنا ومؤسساتنا السياسية، فكُل متابع للساحة السياسية في الداخل الفلسطيني يدرك تراجع العمل الحزبي وانفضاض الناس (أو قُل عدد كبير منها) من حول الأحزاب وخصوصاً تلك المشاركة في الكنيست (كوننا نستطيع قياس ذلك من خلال انتخابات الأخيرة). هذه الحالة من تراجع الثقة بين الجمهور ومعظم قياداته، مؤسساته وأحزابه السياسية، مردّه إلى عدة أسباب منها شعوره بانعدام تأثير الأحزاب وقيادتها وقدرتها على قيادة مجتمعنا لبر الأمان، صراع الأحزاب في الكنيست على المقاعد والمستحقات المالية، عدم إشراك الناس بالقرار والنقاش السياسي، عدم وجود لحمة حقيقية بين الأحزاب والناس وكذلك عدم وجود رؤية وبرنامج وطني وشامل يتعلق الناس به ويتجندون له. وكلي إدراك أن الاحزاب والقيادات السياسية في سياق داخلنا الفلسطيني محدودة القدرات وواقع المؤسسة يَضعف تأيرها، ولكن بالإمكان أكثر مما هو موجود!

في حالتنا كفلسطينيين في الداخل لا يمكن رفع الراية البيضاء والاستسلام لهذا الواقع، ناهيك عن أن الحقيقة العلمية أنه ليس هناك فراغ، فهناك حاجة لاستنهاض ذواتنا ومجتمعنا والكف عن سب الظلام.
الناس تريد الشعور بالتأثير والتغيير.. وأخوف ما أخافه أن هذا الشعور بالحاجة للتأثير وإن لم يوجّه بشكل سليم، ومع تراجع الثقة بالأحزاب، ممكن أن يجعل بعض الناس تتوجه للاندماج المفرط في البوتقة الإسرائيلية بالشكل الذي يضيع البوصلة والهوية ويجعل قضايانا قضايا مطلبية تتلخص بفتح مركز بريد هنا أو هناك (مع أهميته) وليس مشاريع سياسية ورؤية اصحاب وطن.
وبالتالي أرى حاجة لإعادة تنظيم عملنا السياسي والمبادرة لتغيير الواقع، خصوصا أن من يمسك بزمام الأمور في مجتمعنا ما زال أصماً لنداءات الناس، ويجب نخزه ليكون جزءاُ من التغيير، لا معولاً في كبته. نحن على أعتاب مفترق تاريخي في حياة شعبنا.. ويجب التحرك وتحصين جبهة مجتمعنا الداخلية، وعليه أرى:
١. الحاجة لتأسيس حراك جامع.. يضع نُصب عينيه قضايا شعبنا والعمل عليها بشكل ميداني في كل حارة وقرية ومدينة، وسلم الأولويات لهذا الحراك يكون بناء مؤسساتنا وانتخابها ويؤسس لعمل سياسي برؤى ووجوه وجهود متجددة. على أن لا يلغي التنوع الأيدلوجي وإيماننا الفكري، بل يمكن أن يكونوا رافعة لذلك.
٢. العمل على بناء لجنة المتابعة وتحريك المياه الراكدة في هذا السياق من خلال الحراك الي ذكرته سابقاً، او من خلال اطلاق حملة شعبية يقودها الشباب، ويترافق ذلك مع عمل دؤوب في هذا المضمار، هذا التحرك يمكن أن يصل للتظاهر امام المتابعة والاحزاب والضغط عليها لتغيير الواقع القاتم وإعادة بنائها.
٣. أُدرك تماماُ أن اختلافنا وخلافنا الأساسي مع المؤسسة الاسرائيلية، ويجب أن تكون جهودنا في صد سياساتها من قانون القومية وحتى هدم البيوت.. وهذا لن يكون إلّا إذا كنا مجتمعاً قوياً متماسكاً يثق بقيادته وينتخبها ويرى فعلياً على الارض تضحياتها وعملها الميداني الواعي، الهادف والدؤوب.
٤. التشرذم، او الاختلاف او التنوع في الآراء حول المشاركة في الكنيست قائم، ولكن يبدو أن جمهور شعبنا، ومع فشل تحصيل شيء ملموس بالمعنى الكبير داخل الكنيست، بحاجة لبرنامج وبديل مُقنع وواضح من خارجه ويجب على دعاة المقاطعة العمل على هكذا مشروع وعدم جعل موسم الانتخابات فقط دعوة للمقاطعة، فالناس تريد البديل مع إدراكي لمحدودية البدائل أحياناً ومبدئية المقاطعة.
٥. التنظم السياسي هو رافعة مهمة لشعبنا وعلى الجميع المشاركة فيه، وما زلت أرى الحاجة ماسة لعقد مؤتمر انقاذ وطني يجمع الكل الفلسطيني في الداخل لمعالجة قضايانا الحارقة ومنها العنف، التأسيس لعمل جماعي إجماعي وبناء مؤسساتنا بانتخابات ورؤية..
اذا ما استمرت هذه الهشاشة السياسية فإن تراجع الانتماء، المشاركة السياسية والوضع الاجتماعي سيستمر وسنكون على أعتاب نكبات جديدة.
وبالمناسبة الوقوف موقف المتفرج والانغماس في النقد عبر المنصات الاجتماعية لا يكفي، ولا يغيّر الواقع.. بل نحن بحاجة لتضافر الجهود، المبادرة والعمل بجرأة، مع التأكيد على أن دوام الحال من المحال وتغيّر واقعنا للأفضل سيكون.. ولكنه هذا الأمر بحاجة لرجاله ومبادرتهم!

* كاتب المقال- - باحث في العلوم السياسية في مرحلة البوست دكتوراة- جامعة أكسفورد

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   

مقالات متعلقة

.