فؤاد أبو سرية في مقاله:
النضال البرلماني أيها الإخوة يحتاج إلى طول نفس، إلى إصرار وَمُثابرة
أدعو مرة أُخرى للتوجه في السابع عشر مِن أيلول الجاري إلى صناديق الاقتراع لإرسال أكبر عدد مِن الإخوة والأبناء إلى ساحة النضال البرلماني
يَحِقُ لنا بل مِن واجبنا وقد اقترب موعِد الانتخابات البرلمانية في بلادنا في الأيام القليلة المُقبِلة أن نطرح السؤال على إخوة لنا أعلنوا مُنذُ فترة عن مُقاطعتهم للانتخابات، ولم يكتفوا بإعلانهم هذا وإنما راحوا يُرَّوِجون له ويدعون لِعدم التصويت، أعرف أنَّ لِكُل مِن هؤلاء سببه الخاص به إذ لم يخف المُقاطعون أسبابهم التي دعتهم لإعلان المُقاطعة بِغض النظر عن احترامي لِكُل ما أختلف معه مِن آراء بِما فيه الرأي الداعي لِلِمُقاطعة، أرى أنَّ ما تقدم به البعض مِن الإخوة المُجتهدين في مجال الدعوة لِلِمُقاطعة ليس مُقنعًا ويُجانب الصواب فيما يتعلق بِالمنطِق السليم، فلماذا يريد هؤلاء الإخوة مثلًا أن نُقاطع وأن نحرم أنفسنا مِن حق لنا في الحياة والتقدم والعيش بِكرامة؟، ثم هل يَحِق لِعاقل مِنا أن يقبل بِموقف المُتَفرج بدل المُشارِك العامِل والمُؤثر مهما كان هذا التأثير ضئيلًا؟، أضف إلى هذا أنه مِن المعروف أنَّ السلطات اليمينية الحاكمة تُريد إقصاءنا عن مركز التأثير كما هو معروف، فهل نُنَفذ لها ما تبغي وتريد مِن أهداف ترمي في منتهى ما ترمي إليه إلى التعطيل علينا وشل حركتنا كي نرضى بأقل القليل وأكاد أقول بفتات موائدها؟
للحقيقة نقول أنَّ حكايتنا أو حكاية بعضنا للدقة مع مُقاطعة الانتخابات البرلمانية ابتدأت مُنذُ الدورة الانتخابية البرلمانية الأولى بعد قيام الدولة، وَمِن المعروف أنَّ الصوت الداعي لهذه المُقاطعة كان في البداية خفيضًا وأخذ يرتفع رويدًا رويدًا إلى أن أضحى في الستينيات مع ظهور حركة الأرض يرتفع أعلى فأعلى، وجاءت نكسة عام 67 لتعطي هذا الصوت مزيدًا مِن القوة إلا أنه ما لبث أن خفت قليلًا مع ظهور المد الجديد الذي خلفته النكسة على الوعي المُتزايد، باختصار اختلفت وتيرة ارتفاع الصوت الداعي لِلِمُقاطعة مِن فترة إلى أُخرى ليتخذ في الانتخابات السابقة شكلًا آخر مُختَلِفًا تداخلت فيه العديد مِن الأسباب بعضها سياسي وطني وبعضها لا علاقة له بالوطني لا مِن قريب ولا مِن بعيد، ولم يخل هؤلاء المُقاطعون مِن أصحاب المآرب الضيقة وحتى الانتهازيين الذين رأوا في أنفسهم بديلًا وهميًا لِلِقوى القائمة والفاعِلة في نفس الآن، أضف إلى هذا ظهور فئة مِن المُثقفين الأكاديميين الذين أرادوا أن يكونوا البديل لِلِقوى القائمة مُتجاهلين فُقدانهم لِلِقاعدة الشعبية التي يحتاج إليها العمل النضالي الحقيقي الذي يهدِف إلى المصلحة الوطنية العامة ويضعها نصب عينيه.
لقد اختلفت حِجج الداعين لِمُقاطعة الانتخابات البرلمانية في المرة السابِقة وفي الفترة الجارِية ففي حين كانت حجتهم في الفترة السابِقة أن الخِلاف في تشكيل القائِمة المُشتركة إنما قام بسبب طموحات حزبية وموازين قوى، فقد أضحت حِجتهم في هذه الانتخابات أعمق وتمثلت في السؤال الأشد صعوبة وهو: ما الذي فعله أعضاء الكنيست لنا؟، بِغض النظر عن مشروعية هذا السؤال فإننا نقترح على هؤلاء المُقاطعين أن يراجعوا الأجندة الخاصة لكل مِن أعضاء الكنيست وهي منشورة وَيُمكنهم الاطلاع عليها عبر إبحار بسيط في آفاق الشبكة العنكبوتية، أما إذا كان هؤلاء الإخوة، أقصد الداعين لِلِمُقاطعة يريدون مِن أعضاء الكنيست العرب أن يقيموا الدولة الخاصة بهم / الاتنوميا في رحاب الكنيست الاسرائيلي، فقد بالغوا في طلبهم هذا وتجاوزوه مِن الواقع إلى ما فوق الواقع.
إن النضال البرلماني أيها الإخوة يحتاج إلى طول نفس، إلى إصرار وَمُثابرة، وإذا كانت الفترة الجارِية مِن تاريخنا في هذه البلاد تفرِض علينا أن نُناضِل مِن أجل الحصول على حقوقنا المشروعة مِن ميزانيات وعيش بكرامة عبر كل ما يتيحه الكنيست لأعضائنا العرب مِن إمكانيات، فماذا تريدون أكثر مِن هذا؟، أضف إليه أن الشخص في موقع المسؤولية يختلف عنه عندما يكون خارجها، وهنا أُود أن أهمِس في آذان الإخوة الداعين لِلِمُقاطعة هل تعتقدون أيها الأحباء أنكم أشطر وأحدق مِن أعضاء الكنيست، في رأيي أنَّ الإنسان في موقع المسؤولية يعمل مِن مُنطلق واضح وهو المُحافظة على الاستمرار والإصرار على مُواصلة العمل والنضال، فما لم نحققه اليوم وما لم نتمكن مِن تحصيله هذه الفترة سنواصل الإصرار عليه والمطالبة به حتى يكون لنا، أؤكد مرة أُخرى أنَّ الإنسان في موقع المسؤولية يختلف عنه خارجها، وقديمًا قيل مَن يده في النار ليس مثل مَن يده في الماء.
مِن جولاتنا الميدانية ومُتابعاتنا الشخصية تبين لنا أنه يوجد هناك مِن الإخوة الداعين لِلِمُقاطعة مَن يُصر على مُعاقبة أعضاء الكنيست بِالحِجة المذكورة آنفًا وَبِحِجة أُخرى تتعلق بالظهور الواضح للطموحات الحزبية وحتى الشخصية لهذا الحزب أو ذاك البرلماني، وهنا نقول لهؤلاء الإخوة أنَّ الطموحات الحزبية وحتى الشخصية كما نراها إنما هي طموحات مشروعة وقد نبعت في الانتخابات الماضية حينما فشلت المُشتركة في إعادة بِناء ذاتها مِن عِدة أسباب مِنها ما يتعلق بظهور فئة يُمكننا أن نُطلق عليها فئة النجوم، ونحن نقول هذا لا للاستخفاف بهؤلاء وإنما لوصف واقع الحال ومنها ما يتعلق بالخلاف في وجهات النظر فيما بين هذا الحزب وذاك، وهذا أمر مشروع أيضًا، فلماذا نُعاقب أُناسًا أرادوا أن يأخذوا أماكنهم النضالية المُستحقين لها؟ وحتى لو كان هؤلاء الإخوة الداعين لِلِمُقاطعة مُحقين في هذا الموقف أو ذاك، فهل ننتظر اللحظة الصعبة لحظة الانتخابات لِنُعاقبهم ولنكتشف بالتالي أننا إنما عاقبنا أنفسنا وحيّدناها بإرادتنا لا بإرادة الآخر عن المُعترك النضالي؟
موجز القول إنني أدعو مرة أُخرى للتوجه في السابع عشر مِن أيلول الجاري إلى صناديق الاقتراع لإرسال أكبر عدد مِن الإخوة والأبناء إلى ساحة النضال البرلماني وأُوكد لهم أن الأماني لا تنال بالتمني وإن الدنيا إنما تؤخذ غِلابا.
يافة الناصرة
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com