ولد الدكتور يوسف جبارين داخل بيت مسيسّ في مدينة أم الفحم وعرف العمل الجماهيري مبكرا جدا. ترك عام 2015 الأكاديميا وانضم للسياسة وهو غير نادم لكنه يسدد أثمانا لم يتوقعها بهذا الحجم خاصة بالنسبة لأسرته. في الحديث معه يتوقف عند الهموم الشخصية والعامة، موضحا أنه يستلهم رؤيته ونشاطه من إيمانه بالطاقات والقدرات الكبيرة الكامنة بالمجتمع العربي في مختلف المجالات، ويتابع "أنظر للخلف وأرى مسيرة البقاء والتطور منذ نكبة 1948 وامتلئ ثقة بأننا مجتمع قوي وبحوزته نجاحات وإنجازات مدهشة رغم الإخفاقات والحواجز الكثيرة في مجالات مختلفة".
درس يوسف جبارين في مدينته أم الفحم قبل أن يستكمل تعليمه في مدرسة المطران في الناصرة ومن ثم دراسة الحقوق في الجامعة العبرية في القدس وحيازة الدكتوراة في الولايات المتحدة في جامعة جورج تاون حيث حاز على دكتوراة بعد تقديم أطروحة بعنوان "الحماية الدستورية للأقليات القومية والعرقية" قارن فيها بين السود في أمريكا وبين العرب الفلسطينيين في إسرائيل. جبارين المولود عام 1972 في أسرة من ستة اخوة وضع والديهم التعليم في سلم الأولويات حيث تخرّج جميع الاخوة من الجامعات في البلاد.
ويوسف متزوج من إيناس وهي مستشارة تربوية ولهما بنتان وولدان (تيسير، لمى، جود، وجوري) وهم من تحول السياسة أحيانا من لم شملهم. انخرط في النشاط الجماهيري منذ أشغل رئاسة مجلس الطلاب في المرحلتين الإعدادية والثانوية ولاحقا تم انتخابه رئيسا للجنة الطلاب العرب وكان مسؤول الاتحاد القطري للطلاب الجامعيين العرب في 1996.
ولماذا تركت الجامعة حيث كنت تدرّس القانون ولتنتقل للعمل البرلماني ؟
"لطالما اهتممت وتابعت الشؤون السياسية والقضايا العامة منذ كنت في"أبناء الكادحين" في ام الفحم، ولا زلتُ احتفظ ببطاقة مشارك في مخيم العمل التطوعي بالناصرة من العام 1982، اي حين كان عمري 10 سنوات. وقد جاءت لاحقًا تخصصاتي الجامعية أيضا بقضايا حقوقية تخص شعبنا وارتبط عملي الأكاديمي بالمحاور الأساسية لنضالنا الجماعي كمجموعة قومية حيث أؤمن أنني قادر على المساهمة بهذا النضال". ويوضح أنه في مرحلة معينة وبعد سنوات طويلة في الجامعة رأى أن الأكاديميا لا تمنحه الفرصة الكافية كـمثقف عضوي أن يساهم في التغيير المنشود، خاصة أن التعليم الجامعي يشوبه التكرار والأعمال الإجرائية، اما في السياسة "فالفرصة للتأثير والتغيير العملي أكبر لا نظريا فحسب، وقد أتيت للسياسة بخبرتي العملية كحقوقي وبمعرفتي كمحاضر جامعي، ولمست ذلك بشكل خاص خلال نشاطي كـ رئيس لجنة العلاقات الدولية التي بادرتُ لاقامتها في "المشتركة".
وعمّا إذا تحسن العمل في الحلبة الدولية في السنوات الأخيرة يعتقد جبارين أن هناك أصداء إيجابية للعمل البرلماني العربي في الخارج، منوها للأداء الجماعي في زيارة محافل دولية كـ الأمم المتحدة ومؤسساتها في جنيف والولايات المتحدة وفي الاتحاد الاوروبي. وردا على سؤال حول الزعم بأن العمل في الخارج يزيد من العداء الإسرائيلي للمجتمع العربي يقول جبارين "صحيح أننا نتعرض للتحريض في كل زيارة نقوم بها للعالم، لكن وجودنا هناك مفيد وصراخ إسرائيل على قدر وجعها، فهي لم تكن معتادة على وجود علاقات مباشرة لنا مع هذه المؤسسات العالمية".
وهل هذا يتم بالاعتماد على خطاب حقوقي مدني؟
"نراعي في لقاءاتنا الخطاب الدولي السائد، لكن خطابنا يرتقي بالطبع لحماية حقوقنا الجماعية كمجموعة قومية إلى جانب الحقوق المدنية والاجتماعية، وهذا طبعا جهد تراكمي يواصل ما تم انجازه حتى الآن ويضيف عليه، وهذا لا بد من ان يعطي ثماره". ويوجز جبارين هذه الجزيئية بالقول إن النضال في الساحة الدولية يهدف لتحقيق غايتين: رفع الوعي لدى المؤسسات الدولية حول واقعنا والتمييز الممارس ضدنا وحول نضالنا من أجل تغييره، وكذلك الضغط العملي على إسرائيل بالمساءلة لأنها لا تلتزم بالمعايير الدولية". ويتابع، "قطعنا شوطا مهما في العمل الدولي، لكنه ما زال يحتاج للمأسسة والمثابرة اكثر خاصة مقابل مؤسسات مهمة مثل منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي OECD والبنك الدولي وغيرها".
الى جانب ذلك، جبارين مهتم في السنوات الأخيرة في قضايا داخلية هامة فهو عضو لجنة التربية والتعليم البرلمانية ويتابع قضايا بهذا المجال بعضها ما يزال عالقا مثل إقامة "مجلس استشاري للتعليم العربي" الذي سيقام بعد الانتخابات بقرار من المحكمة العليا. كذلك يعكف عل ضمان تنفيذ خطة خماسية لدعم التعليم العربي لتقليص الفجوات مع المدارس اليهودية تقدر بمليارد شيكل. وعلاوة على قضايا الميزانيات والبنى التحتية يهتم جبارين بقضايا المضامين التربوية واللغة العربية والهوية.
بين الجامعة والسياسة
وردا على سؤال مقارن بين العمل في الجامعة وبين السياسة يقول دكتور يوسف جبارين أن الحياة الأكاديمية مريحة نسبيًا للمحاضر والباحث من ناحية اختيار ساعات عمله وبحثه، وفيها يشارك في مؤتمرات محلية ودولية نظرية، لكن السياسة تحتاج لمجهود كبير تصبح فيها كنائب أسيرا لها وتنهمك كل الوقت في متابعات لشؤونها وتفاصيلها اليومية. أحيانا تضطر للتعامل في السياسة مع الجوانب السطحية فيها والإعلامية، واجتهد للابتعاد عن البهلوانيات، أملا بالموازنة بعملي بين الجدية المطلوبة وبين الناحية الإعلامية". كما يوضح جبارين أنه بخلاف ما يشاع فإن عائلة السياسيين تدفع أثمانا باهظة وحتى من الناحية المادية ولكل شخص أن يقارن.
وهل نجحت بالانتقال من الأكاديميا للسياسة كما يجب؟
"نجحت بالانتقال رغم أن العملية ليست سهلة وهذه مسيرة تدريجية طبعًا، وعملي البرلماني والميداني يدل على ذلك. الحقيقة هي أن الكثير من الأكاديميين في العالم يتحولون للسياسة، وإن كانت المهمة في البلاد أصعب بسبب هيمنة السطحية والتطرف. من المهم برأيي أن ينخرط مهنيون واكاديميون ومختصون بالاقتصاد والمجتمع في السياسة والمساهمة فيها، في البرلمان وخارجه".
وعما إذا كانت هناك رغبة بتصحيح مسار المشتركة بعد التجربة السابقة ؟
"كنت في المشتركة الأولى وشاهدت إخفاقات كثيرة كـ ضعف التواصل مع الجمهور العربي على المستويين المباشر أو الإعلامي. نحن بحاجة لتعاون اوسع وتعزيز العمل الجماعي مقابل مبادرات فردية. هذه المرة المشتركة ستتعلم الدروس ولا خيار سوى التصحيح في عملنا والانتقال به للأفضل، وهذا فعلًا في برنامجنا".
وفي زحمة السياسة والعمل البرلماني يحاول يوسف ممارسة بعض هواياته، خاصة مشاهدة مباراة كرة القدم وأحيانا مع أبنائه اذا امكن، لكنه خسر المطالعة العامة وقراءاته تقتصر اليوم على مواضيع سياسية مثل تجارب دولية مشابهة كـ تجربة التحرر من الابرتهايد في جنوب إفريقيا ومسيرة السلام والمساواة في شمال ايرلندا.
يوسف يبقى متفائلًا باننا يومًا ما سنكون ما نريد.