الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 09 / نوفمبر 16:02

ماذا بعد انقشاع غبار المعركة الانتخابية في إسرائيل؟

بقلم: إبراهيم عبدالله صرصور

إبراهيم عبدالله صرصور
نُشر: 25/09/19 17:30,  حُتلن: 09:40

إبراهيم عبدالله صرصور في مقاله:

تصريحات نتنياهو الجنونية شكلت عاملا حاسما في استفزاز النسبة الأكبر من اهلنا للقيام بواجبهم في دعم المشتركة ولو من باب النكاية في نتنياهو

يجب تعزيز "القائمة المشتركة" والعمل على تحويلها مرة وللأبد الى مشروع وطني يؤسس لمرحلة جديدة من العمل السياسي القادر على مواجهة المخاطر والتحديات التي تتهددنا على المستويين الداخل والخارجي

انتهت المنازلة الانتخابية الجديدة (2019/9/17) بفوز ليس كبيرا وليس عظيما إذا ما قورن بإمكانيات المجتمع العربي القادر على ان ببعث ب - 20 عضوا على الاقل الى الكنيست.. لكن هذا الفوز يبقى نوعيا خصوصا انه جاء بعد مخاض عسير مرت به الجماهير العربية والحياة الحزبية في انتخابات 2019/4، والذي كان أشبه بزلزال كاد ان يقضي على حياتنا السياسية بشكل لا يمكن إصلاحه..

أحوالٌ عجيبة...

من عجائب الزمان ان يُسَخِّرَ الله سبحانه وتعالى لنا (أفيغدور ليبرمان) عدونا وعدو شعبنا اللدود، ليكون العامل المساعد في تنظيم صفوفنا وتحقيق الكثير من امانينا الوطنية في أكثر من مفترق طريق خلال فترة قصيرة نسبيا، وخلال حقبة تُعتبر حساسة بشكل خاص على المستويات المحلية والاقليمية والدولية..

بدأ ذلك في عام 2015، حيث دفعت المصادقة على قانون رفع نسبة الحسم الذي بادر اليه ليبرمان وحزبه، ومن ثم بدعم من حزب الليكود وأحزاب اليمين الأخرى، الأحزاب العربية ولأول مرة منذ نكبة العام 1948 للتوحد في اطار سياسي واحد "القائمة المشتركة"، والتي حققت حلما لطالما راود الجماهير العربية التي خرجت لتحقق لأول مرة في تاريخها اكبر فوز سياسي نوعي كان له أثره الإيجابي الكبير في رفع مستوى الأداء السياسي العربي من جهة، وتعامل السلطات التشريعية والتنفيذية مع مجتمعنا العربي وممثليه السياسيين، وكذلك على تعامل المجتمع الدولي ومؤسساته والذي بدأ يتعاطى مع قضايانا الساخنة بجدية، ومعنا كشعب لا كفتات شعب.. قلصت "المشتركة" المسافات بين التيارات الحزبية والفكرية، كما قلصت المسافات بين مكونات المجتمع المختلفة واطيافه المنوعة، فوحدت جهوده وجمعت شمله ووجهت بوصلته بصورة لم يسبق لها مثيل..

مرت "المشتركة" في حقل ألغام في الفترة من 2015 وحتى 2019، انفجر اغلبها ليفتت المشتركة الى حزبين منفصلين - الموحدة والتجمع من جهة والجبة التغيير من جهة أخرى - أدى على إحباط كبير وتراجع خطير في حماسة الجماهير ودعمها، الأمر الذي صنع هزيمة من نوع خاص في الانتخابات التشريعية بتاريخ 4.2019، أدت الى تراجع التمثيل العربي في الكنيست من 13 عضوا عام 2015 الى 10 أعضاء فقد عام 2019.. لكن هدم الإنجاز الوطني بمعاول "الشخصانية" و "الفئوية" و "الامتيازات الحزبية" وغيرها، كان النتيجة الأخطر في نظري للوضع الجديد.. لم تعكس نتائج انتخابات الكنيست 4.2019 انقساما "فنيا/حزبيا/تنظيميا" فقط في حياة جماهيرنا العربية الفلسطينية، وإنما كان انقساما بنيويا/نفسيا/ثقافيا جعل العمل السياسي والعاملين فيها من "أبغض" الناس على نفوس اغلب الشعب الذين لم تربطهم بالأحزاب صلات تنظيمية، وإنما تربطهم بها مشاعر واحاسيس وقناعات قيمية واخلاقية تتجاوز الحزبية إلى ما هو أعمق دينيا ووطنيا..

وقفت احزابنا كما وقف جمهورنا العربي والمتابعون للشأن الفلسطيني في إسرائيل في حالة دهشة وذهول.. حالة من اليأس قد سادت وكادت ان تعصف بالبقية الباقية من الأمل بأن مجتمعنا العربي "مختلف" عن غيره من المجتمعات.. حالةٌ من العجز عن تفسير ما جرى، وتخيل ما قد يجري.. شعور بالعجز والشلل الكامل، وفقدان القدرة على تجاوز الوضع الجديد بسلام وبأقل ما يمكن من خسائر، كان سيد الموقف.. استسلام كامل لحالة من الفراغ القاتل التي كانت تنذر بخطر كبير وشر مستطير..

الحل الذي لم يتوقعه أحد..

بدأ مجتمعنا العربي واحزابه وقواه السياسية والاجتماعية والثقافية يُعِدُّون أنفسهم للتعامل مع الوضع الجديد على اعتباره واقعا مريرا لا بد من تجرع غصته والعمل على التخفيف من آثاره الضارة قدر المستطاع، انتظارا لتحولات ما استطاع أحد منا ان يتخيلها خصوصا وأن اليمين برئاسة نتنياهو حصل على 65 مقعدا بما في ذلك حزب ليبرمان..

وقع ما لم نتوقعه أبدا.. مرة أخرى يلعب "ليبرمان" دورا يمنح به - من غير ان يكون ذلك مقصده طبعا – احزابنا العربية الفرصة الذهبية مرة أخرى لتدارك ما فات، والاستعداد لما هو آت، والخروج من عنق الزجاجة والقاع السحيق، الى وضع جديد تتحقق فيها أكثر من غاية جليلة من أهمها تجاوز حالة الانقسام المدمرة والعودة الى "المشتركة"، والبدء في مشوار إعادة ثقة جماهيرنا في العمل الحزبي خصوصا والعمل السياسي عموما بعدما فقدته بشكل كبير بعد هزيمة 4.2019..

"ليبرمان" اليميني المتطرف الذي بدأت علاقته مع بنيامين نتنياهو مع عودته إلى إسرائيل بعد إنهاء مهامه كسفير لإسرائيل في الأمم المتحدة في سنة 1988، والذي نجح بالدخول في قائمة حزب الليكود، وأن يكون عضواً في الكنيست، وأن يرافق نتنياهو لمدة عشرة سنوات، وأن يصبح بعد انتخاب نتنياهو رئيساً لحزب الليكود سنة 1992، مديراً عاماً لحركة الليكود، وأن يصبح في سنة 1996 وبعد اختيار بنيامين نتنياهو كرئيس للحكومة الإسرائيلية، مديراً عاماً لديوان رئاسة الوزراء حتى عام 1997، وان يشكل عام 1999 حزبا باسم "يسرائيل بيتينو" والذي شارك في حكومات اليمين وبالذات حكومات نتنياهو منذ العام 1999 وحتى انتخابات 4.2019، ليبرمان هذا ولأسباب ليس هذا مكان التفصيل فيها، أصبح كابوس نتنياهو المزعج الذي بيده ان يكون او لا يكون من جهة، كما أصبح – بقدر من الله – مرة أخرى السبب في ان تلتقط احزابنا العربية أنفاسها من جديد، وأن تعيد تنظيم صفوفها بناء على دروس وعبر المرحلة السابقة، ومعها يعيد مجتمعنا العربي النظر في حالته التي وصل اليها بعد انتخابات 4.2019، وان يعطي الفرصة مجددا لأحزابنا أن تقدم له ما تستحق معه الغفران والمسامحة من الجهة الأخرى!!

لا أجد في هذا المقام ما يفسر هذه الأقدار العجيبة غير ما قال الامام القرضاوي في فقه الأقليات: “وكان من دعاء بعض السلف الصالح: "اللهم اشغل الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين"... لا تفسير لظاهرة "ليبرمان" و "خدماته" لمجتمعنا العربي غير هذا.. لأن من طبيعة الأشياء ان يسعى ليبرمان ل – "محو" الأحزاب العربية من الخريطة السياسية كمقدمة ل – "محو" المجتمع العربي من الوجود، وهذا ما يصرح به دائما دون خجل!

مع ذلك فإن "فنتزياته" الشخصية، وكرهه لنتنياهو وحلفائه من الأحزاب اليهودية الأصولية، وتمثيلة للمجتمع الروسي العلماني، ورغبته الجامحة في ان يكون في صدارة المشهد السياسي الإسرائيلي وغير ذلك من الاسباب، دفعته الى رفض الدخول في تحالف مع نتنياهو بعد انتخابات نيسان هذا العام، فاضطر الدولة كلها الى خوض انتخابات برلمانية جديدة خلال بضعة أشهر، منحت الفرصة لتخرج علينا القائمة المشتركة بحلتها الجديدة/القديمة رغم ما اعترى بناءها ايضا من "منغصات" ستظل مرارتها الى حين، وارجو ان يكون الفوز النوعي الذي تحقق سببا في إزالتها سريعا.

مرة أخرى ليبرمان..

انقشع غبار المنازلة الانتخابية في نسختها الجديدة أيلول 2019 على وضع زاد في قوة ليبرمان (من خمسة أعضاء الى ثمانية)، وأعاد للأحزاب العربية بعض هيبتها المهدورة في إطار "المشتركة" الجديدة، وزيادة عدد نوابنا العرب من عشرة أعضاء إلى ثلاثة عشر عضوا، كما اعادت لمجتمعنا العربي الذي خرج بكثافة للتصويت دعما للمشتركة رغم كل المرارة، بعض الأمل الذي كاد يفقده تماما، وأضعف أخيرا حزب الليكود وكتلته اليمينية لدرجة أصبحت معها فرص تشكيله منفردا لحكومة يمينية شبه معدومة..

مرة أخرى عاد "ليبرمان" ليلعب لعبته من جديد، وليكون "بيضة القبان" لولا قرار حزبه عدم التوصية أمام رئيس الدولة لأي من المرشحين المحتملين لتشكيل الحكومة "نتنياهو" و “غانتس".. في هذه اللحظة أصبحت "القائمة المشتركة" هي بيضة القبان، بيدها ان تمنح "غانتس" فرصة تشكيل الحكومة أولا..

ما جرى بعد ذلك من تطورات بشأن طبيعة "المفاوضات/التواصل" بين المشتركة وغانتس، وما أفضت اليه من التوصية الأولى امام رئيس الدولة (13 عضوا) بتكليفه تشكيل الحكومة، ثم تراجع أعضاء "التجمع الوطني" الثلاث عن التوصية (بقي 10 أعضاء)، والذي جاء متزامنا مع تصريحات صادرة عن جهات رسمية في حزب "كحول لفان" تدور حول عدم استعداد الحزب لتلبية طلبات المشتركة، وان توصيتها لرئيس الدولة "أضرت" بمصالح الحزب، وضعت كلها الخريطة السياسية امام حالة ضبابية قد تفضي الى ان يكلف رئيس الدولة نتنياهو أولا بتشكيل الحكومة، في "لعبة" عض أصابع مكشوفة بين حزبي الليكود وكحول لفان، هدفها إثبات أحقية احد زعيمي الحزبين أن يكون الأول في منصب رئيس الحكومة في حال تشكلت حكومة وحدة وطنية علمانية (كحول لفان، ليكود وليبرمان)..

ليس مهما، ولكن..

تصريحات نتنياهو الجنونية شكلت عاملا حاسما في استفزاز النسبة الأكبر من اهلنا للقيام بواجبهم في دعم المشتركة ولو من باب النكاية في نتنياهو، وهو عامل له وزنه النوعي في المعارك السياسية، وذلك بسبب تجاوز تصريحاته كل الخطوط الحمراء سواء فيما له علاقة بقضيتنا الفلسطينية وحق شعبنا في الاستقلال وكنس الاحتلال كأسقاطه لحل الدولتين، وإعلانه عن بسط السيادة الاسرائيلية على المناطق (ج) الفلسطينية اضافة الى الكتل الاستيطانية ومنطقة غور الاردن وشمال البحر الميت.. الخ، أو حقنا نحن كأقلية قومية في التمتع بحقوقنا الكاملة كمواطنين في هذه الدولة بعيدا عن التشريعات العنصرية وسياسات القهر القومي، وآخرها اتهامنا بالعمل على "قتل على اليهود رجالا ونساء وشيوخا وشبابا واطفالا"، واصراره على التعامل معنا كمجموع قومي خارج القانون، وعودته الى "كليشيهات" الانظمة العنصرية الاكثر تطرفا وعنصرية في التاريخ البشري.

الغريب ان ليبرمان مصر على ان يقدم لنا الخدمات تلو الخدمات.. رفضه هذه المرة للدخول في حكومة نتنياهو، ودعوته الى اقامة حكومة وحدة وطنية "علمانية" تشمل الحزبين الكبيرين (ازرق/ابيض) و (الليكود) وحزبه (إسرائيل بيتنا) بدون أحزاب المتدينين وحزب (يمينا)، هذا الوضع الجديد الذي يبدو أنه قد ينجح في فرضه الا إذا حدث مفاجآت غير متوقعة، وضع المشتركة في وضع يجعلها قادرة على ان تلعب دورا في التأثير المحتمل على بعض الملفات المهمة ذات العلاقة بفلسطين وبنا كمجتمع عربي..

في النهاية قد لا يكون للمشتركة تأثير كبير على سياسات الحكومة القادمة مهما كان شكلها، ولا على من سيكون في منصب رئاسة الوزراء أولا او ثانيا في حال ان الأطراف اتفقت في النهاية على تشكيل حكومة وحدة وطنية، إلا انه من المؤكد اننا نستطيع ان نلعب دورا اكثر تأثيرا في الساحة السياسية، ولن يتحقق هذا ولا ذاك الا من خلال الحفاظ على "القائمة المشتركة" وتعزيزها والعمل على تحويلها مرة وللأبد الى مشروع وطني يؤسس لمرحلة جديدة من العمل السياسي القادر على مواجهة المخاطر والتحديات التي تتهددنا على المستويين الداخل والخارجي..

***الكاتب - الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com   


مقالات متعلقة

.