عبور درويش في مقالها:
بتنا وصمة عار على أنفسنا نصول ونجول بلا رادع، نشتم، نضرب، نعربد، نحرق،نحطم ،نكسر، نهشم ، نهدد ومن ثم نقف عند المفارق نندد ونستنكر ونعود للحارات كخفافيش الليل التي باتت تعمل بورديات في وضح النهار!
نحن شعب يتقن فنون اختلاق الأسباب وتحليل النتائج وتعليق الأخطاء على شماعات الغير ، ما بوسعنا إلا أن نومئ بأصابع الاتهام نحو غيرنا
إننا نُبيد بعضنا، إننا لا نقتل بعضنا فحسب بل إننا نقوم بإبادة بطيئة موجعة مريرة، وكأننا أعداد على هامش الحياة، يسقط أحدنا فينقص من المجموع ، أحدنا قاتل والآخر مقتول والباقي يقفون كالجنود في الطابور، القاتل لم تردعه مشاعر الرحمة والمتفرج ما عادت تهزه الصدمة ...
صرنا لا نبالي، بارد وجاف ذاك النبض في العروق ، اعتدنا تقبل الأحوال حتى لو صارت من الأهوال ، قطعنا حبال المودة والرأفة ، حرقنا بذور الخير قبل نثرها ، أسدلنا ستائر الليل تحت عين الشمس، فباتت حياتنا اليومية حلبة نزاع لا مخرج منها إلا بعد تسليم الروح أو بلطف من ذو اللطائف ممكن الاستمرار بالعيش دون أمل من مداواة الجروح!!
ألا تكفينا الأمراض ؟؟ ألا تكفينا الحوادث ؟؟ ألا تكفينا عثرات الدهر؟؟ ألا تكفينا نكبات الزمن ؟؟
هل يا ترى طلب عزرائيل مساعدة من أشباه البشر ليقطفوا له أرواح شبابنا من كل حدب وصوب؟؟
بتنا وصمة عار على أنفسنا نصول ونجول بلا رادع، نشتم، نضرب، نعربد، نحرق،نحطم ،نكسر، نهشم ، نهدد ومن ثم نقف عند المفارق نندد ونستنكر ونعود للحارات كخفافيش الليل التي باتت تعمل بورديات في وضح النهار!
وصار شعب الله المختار يصفق لنا ونحن نتصدر عناوين الأخبار ، القاتل منا والمقتول منا فممن سنأخذ حقنا ولمن سنوجه لومنا؟؟
وجعي عليك يا مجتمعي المكلوم ، من سيبتر تلك النتوءات الخبيثة المتفشية بين طيات رحمك؟؟؟
إن أصعب الحروب تلك التي نخوضها بيننا وبيننا في عقر دارنا، إننا نُقتل على الأرصفة ، نُقتل في الشرفات ، نُقتل في الجنازات وفي الأعراس، نُقتل في السيارة وفي الحارة ، نُقتل خفية وعلانية ، نُقتل وسط الزحمة وبين الناس إننا نُقتل في المساجد كما في المقاهي ، نُقتل حين نخرج للعمل وحين نشتري خبزنا كفاف يومنا من المخابز ، نقتل بجانب الأحفاد وعلى مرأى من الأولاد !!
إننا نُقتل دون رحمة ،عقب قرار لا رجعة فيه، نُقتل بسبب تراكم دين ، نُقتل بسبب نظرة من العين، نُقتل بسبب مس من الجن ، نُقتل بسبب شبر من أرض أو ادعاء بانتهاك العرض، نُقتل إن أوقفنا السيارة أو سبقنا أحدهم عند الإشارة ، نُقتل ونُرمى على الأرصفة كأننا بقايا سيجارة!!
حبذا يا قتلة مجتمعنا لو تعطوا المغدور برهة من الوقت ، دَعوهُ يطبع قبلة الرحيل على جبين أمه أو أطفاله، دعوه يلقي نظرة أخيرة على الحارة ، دعوه يصلي ركعة استغفار أو يدفع عن ذنوبة كفّارة، امنحوه فرصة الوداع الأخير قبل أن يهرولوا به إلى الجنازة، بالله عليكم أمهلوه فرصة ليكتب الوصية قبل أن تجبروه على تسليم الهوية!!
انتظر هنيهة قبل أن تطلق رصاصتك يا صاحب الذراع المفتول والعقل المغسول واللسان المعسول، تخيل والدتك التي ستلبسها ثوب عارك ، تخيل هروبها من نظرات الناس ،تخيل الذل في عينها ، تخيل الذعر في قلبها وهي تنتظر كل لحظة وكل ساعة أن يأتيها خبر مقتلك أيها القاتل ، لأن يقين الأمومة في داخلها يعلم أنك حتمًا ستشرب من نفس الكأس لو بعد حين!!
حبذا لو تأنيت لحظة أو بضع لحظات قبل شد الأصبع على الزناد، لحظة أخرى من فضلك ربما تتخيل حينها لوعة الأم حين سماع الخبر أو صدمة أب سيُنزل ولده لظلمة القبر !! ... عساك تتخيل ولعلك تتراجع...
آه يا أبناء مجتمعي ما أوهن قدرتنا وما أصعب عجزنا، صرنا نتمنى ميتة طبيعية، تحت عملية جراحية أو سكتة قلبية أو حتى نرضى بميتة سببها صدمة كهربائية ....المهم الا تُصوَب نحونا يد الغدر من أبناء جلدتنا !!
يا أنتم : ارحموا من في الأرض ، اتركوا الشوارع تقطف أرواحنا أو الإشعاعات أو حوادث العمل، أتركونا للسرطان حينها سنسلم أمرنا للقدر فمهما تشكلت أساليب موتنا بيده ، حتمًا ستبقى أرحم من موت على يد أشباه البشر!!
وا أسفاه علينا... نحن شعب محكوم بقوانين الغاب نقتل بعضنا وننتظر من يفك أسرنا من بين الأنياب !!
نحن شعب يتقن فنون اختلاق الأسباب وتحليل النتائج وتعليق الأخطاء على شماعات الغير ، ما بوسعنا إلا أن نومئ بأصابع الاتهام نحو غيرنا، وأظننا سنبقى بالظلمات حتى نقر ونعترف أننا شعب تطاول على وصايا الرب ، فلم يعد يبصر منارة الدرب !!!!
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com