في الماضي تمتعت النساء الاوروبيات الأرستقراطيات ذوات الجاه العالي, بالكثير من الامتيازات بالإضافة للتقيدات ايضا. احدى هذه الامتيازات اتاحت امامهن دخول عالم التصوير الفوتوغرافي فكان الفرنسيات والبريطانيات هن اول من دخلن هذا العالم.
ازدادت شعبية هذا المجال بشكل كبير بين نساء هذه الطبقة حتى حظي هذا الفن لدعم وتشجيع كبير من قبل الملكة فيكتوريا التي بدأت اهتمامها بهذا العالم عن طريق جمعها الصور والبطاقات وتصنيفها في البومات, هذه الهواية اشعلت المنافسة بين نساء هذه الطبقة مما ادى الى تكوين "مجتمع التصوير الفوتوغرافي الملكي" الذي حظي برعاية من قبل الملكة فيكتوريا.
استمر هذا الفن ليكون حكرا على النساء الارستقراطيات حتى انطلقت حملة " فتاة الكوداك" في عام 1893 وهي حملة اعلانية قامت بها شركة كوداك المصنعة للأفلام, قامت الحملة بتسويق الكاميرا وبجانبها امرأة لإعطاء الشرعية وزيادة عدد النساء المصورات والاتاحة لجميعهن من كافة الشرائح الدخول لهذا العالم.
ومنذ تلك الحقبة اقتصر على غالبية النساء تصوير المناطق الطبيعية وصور البورترية من داخل الاستوديوهات والعمل بجانب ازواجهن المصورين, ولكن مع بداية الحرب العالمية الاولى بدأت النساء تنخرط وبشكل ملحوظ في مجال التصوير الصحافي والحربي.
في عام 1893 ولدت كريمة عبود في مدينة الناصرة لأبوين وهما القس سعيد وباربارا عبود, في عامها الثاني عشر حصلت كريمة على اول كاميرا لها من والدها كهدية بعد ان لاحظ اهتمامها الواسع بالتصوير يعود هذا الاهتمام حسب رواية ابراهيم نصر الله "سيرة العيون" التي من خلالها تم سرد القصة من وراء عيون كريمة.
سبب اهتمامها الذي تحول لاحقا الى شغف يعود لصورة جمعتها مع اخيها الحبيب نجيب الذي توفي لاحقا ومنذ ذلك الحين ايقنت كريمة ان للكاميرا قدرة بتحنيط الزمن وحفظه للابد.
واجهت كريمة الصعوبات في بداية طريقها حيث ان بنية المجتمع وتقاليده كانت تنص على ان هذه المهنة هي حكرا على الرجال بالإضافة لذلك ام كريمة باربارا لم تكن مقتنعة وحاولت كبح شغف ابنتها وثنيها عن هذا الطريق كونه غير مقبول وازداد الصدام اكثر واكثر عندما قررت كريمة ان تتعلم القيادة لتستطيع التجوال والتصوير بشكل حر.
رغم جميع الصعوبات التي واجهتها كريمة الا انها ايقنت ان نجاحها هو الحل الوحيد لإقناع والدتها وفرض وشرعنه وجودها هي وكاميرتها.
تلقت كريمة الدعم الكامل من ابيها فكان هو من اتاح لها تعلم التصوير الفوتوغرافي بعد ان اقتنى لها كاميرا, لم يحد ويغلق الطريق امامها بل جعل السماء حدودها بعد ان اتاح لها ان تجوب البلاد بسيارتها.
كريمة كسرت الصور النمطية المجتمعية آنذاك لتغيرها بصور البورتريه العائلية, كريمة استطاعت الدخول الى البيوت وتصوير النساء الفلسطينيات حيث ان هذه الخطوة لم تكن متاحة امامهن في السابق لان غالبية المصورين رجال والمجتمع الفلسطيني محافظ. لولا كريمة لما كنا نعلم كيفية اشكال هذه النساء اللواتي يشكلن جزءا من ماضينا وحاضرنا.
كريمة بسعيها لتحقيق حلمها استطاعت النهوض ورفع مكانة المرأة الفلسطينية عاليا قامت بإثبات وجودها ولذلك حازت وبجدارة على لقب "رائدة التصوير في فلسطين", لقد اثبتت صورها ان لفلسطين ذاكرة شاهدة ولا تنسى ندوب الانتداب.
كريمة كانت فعلا كريمة بعيونها علينا, وبدورنا يجب ان نغدق بدعم بناتنا وابنائنا لينهضوا بمجتمعنا عاليا وليحسنوا صورتنا التي شوهت ولا تزال تشوه يوميا حتى ولو بكاميرا