من المتناقضات العجيبة أن يحتاج الفلسطينيُّون في الدَّاخل إلى الشُّرطة الإسرائيليَّة ، للقضاء على الجريمة داخل المجتمع العربي . نفس تلك الشُّرطة الَّتي طالما اعتبرناها أداةً سلطويَّةً معاديةً في قضايا كثيرة ، كالهدم وقمع المتظاهرين ، وحماية الإقتحامات للأقصى وغيرها . وليس أقلَّ عجباً ، أن يضطَّرَّ بيني غانتس لكلٍّ من ليبرمان اليمينيِّ المتطرِّف ، والنُّوَّاب العرب ، لمحاولة تشكيل حكومة أقلِّيَّة في إسرائيل ، الأمر الَّذي باء بالفشل مؤخَّراً . أمَّا نتنياهو الَّذي بادر لحلِّ الكنيست السَّابقة في محاولةٍ لقصقصة جناحي ليبرمان ، فقد بات أكثر من يستجديه لمساعدته في تشكيل الحكومة ، ولم يفلح . وعندها ، يلجأ نتنياهو لإفتعال المواجهات العسكريَّة مع أطرافٍ خارجيَّةٍ معاديةٍ ، لعلَّ أجواء الحرب تثير تعاطفاً والتفافاً حوله كحكومة طوارئ ، تزيل عن عنقه ملفَّات الإتِّهام وتؤجِّل إجراءات محاكمته . ولذلك ، فإنَّه يبحث عن طوق النَّجاة في ضرب بيتٍ في غزة ، وآخر في دمشق . يريد الرَّجل خلط الأوراق بإحداث جوٍّ أمنيٍّ شديد التَّوَتُّر ، يوجب حكومة وحدةٍ قوميَّةٍ برئاسته .
يبدو من كلِّ ذلك أنَّ عالم السِّياسة يؤكِّد عدم استغناء الأطراف عن مناقضيها . وأنَّ صناعة الأعداء جزءٌ من بناء السِّياسات ، ولا غنىً في الحارة عن أزعرها ، ولا يتقن الرَّقص على الحبال في إسرائيل أحدٌ أكثر من نتنياهو .
من يجرؤ على " أزعر الحارة " ؟
نتنياهو يبدو كمن لا يبالي بسلطات القانون الإسرائيليِّ ، فيتغافل عن ملفَّات الإتِّهام بحقِّه ، ويدير حملةً سياسيَّةً تحريضيَّةً ضدَّ النُّوَّاب العرب . ولا يبالي بالقانون الدَّوليِّ ، ولا بالمحيط العربيِّ والإسلاميِّ من حوله . يبتزُّ ترامب وإدارته المنحازة ، ليحصِّل مكسباً آخر بالإعتراف بالمستوطنات في الضِّفَّة الغربيَّة . ولا يحسب حساباً للعرب والمسلمين في محيطه الإقليميِّ ، فيغتال في غزَّة ، ويضرب مواقع إيرانيَّةً وسوريَّةً في دمشق ومحيطها . وعلى صعيد تشكيل الحكومة ، يمسك زمام الأمور ، يبادر ، يقيم تحالفات مضادَّة ، رغم أنَّه الخاسر في الإنتخابات . فعلاً ، إستخفَّ قومه فأطاعوه . واستخفَّ الأمريكان فانصاعوا له . واستخفَّ العرب وإيران فهابوه . لقد تجاوز أعتى الفراعنة فهل يكون مصيره كمصيرهم ؟ .
إنَّ غداً لناظره قريب .
"والله من ورائهم مَّحيط "