لا أريد يا أمّي أن أصطحبّ المظلّة اليوم معي الى المدرسة، فالطقس في رأيي جميل وهادئ.
دعيني أقرّر لنفسي بنفسي..أكثر من مرّة طلبتُ منك هذا.
قال سمير ابن السنوات العشر لأمّه..
وسمير طفل مرح ، جميل المنظر ، جاء الى الدّنيا بعد سنوات من الانتظار.
وتحاول الأمّ اقناع وحيدها بأنّ الطّقس سيتغيّر ،وستهطل الامطار الغزيرة في ساعات الظهيرة حسبما سمعتْ من التلفاز.
ولكنّ سمير لا يريد أن يسمع.
وتتذكّر الامّ أنّ عناد سمير في السّابق قد قاده أكثر من مرّة الى الخطأ، ورغم ذلك فقد لاذت بالصّمت وهي تتساءل : "ماذا أفعل مع هذا الطفل الحبيب والعنيد ، والذي " لا يعجبه العَجَب" .انّه يحبّ أن يكون مختلفًا ومخالفًا ، فإن اتجه الناس شرقًا اتجه هو غربًا...كلّ شيءٍ عنده بالمقلوب.ماذا أفعل؟.
ويحمل سمير حقيبته مُودِّعًا متجهًا نحو المدرسة مشيًا على الأقدام.
وفي الطريق صادف الكثير من زملائه ، وكم كانت دهشته كبيرة حين شاهدهم والمظلات في اياديهم، فهزّ رأسه مُفكِّرًا ومتسائلا:
" أتراني أخطأت حين لم اسمع لنصيحة أمّي ؟ أكان عليَّ ان أطيعها؟ وهل عليَّ ان أعود الآن مُنكسرًا وآخذ المظلّة ؟
ولكنه هزّ رأسه وكأنه يقول : لا...عليَّ أن أقرّر بنفسي .وقد قرّرتُ.
انتصف النهار وتلبّدت السّماء بالغيوم، وهبّت الرياح العاصفة المصحوبة بالبرق والرّعد والأمطار، فتضايق بعض الشيء ولكنه تفاءل خيرًا : من يدري فقد ينقطع المطرُ حين ينتهي الدوام المدرسيّ !!.
ولكنّ أمله خاب فقد ازدادَ هطولُ المطر ، وها هو جرس الانتهاء يُقرع ، والطلاب يخرجون وكلّ طالبٍ مع مظلّته ، حتى اولئك الذين تنتظرهم سيارات الأهل في الخارج.
وقف سمير على الباب حزينًا ، ينظر الى السماء التي لا ينقطع مطرها ..ينظر الى فوق لعلّ الله يُشفق عليه ويوقف هطول الامطار...ولكن دون جدوى .
وفجأة ومن بعيد يشاهد أمّه بلحمها وعظمها تركض نحوه ، وتبتسم اليه ،وتعانقه وهي تعطيه مظلّته الصغيرة الحمراء .
فتدمع عيناه وينظر اليها بحنان وهو يشكرها ويقول : " أماه ، لن أخذلك بعد الآن..لن أرفض لك طلبًا...فتضمّه الى صدرها بحرارة وهي تضحك..
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com