الليلة باردة، والمطر ينزل من السماء بغزارة مصحوباً بالرعد والبرق
في مثل هذه الليلة وقبل أكثر من ألفين من السّنين وُلِد الطفل يسوع في مغارة بيت لحم، وحَمَلَ إليه المجوس الهدايا
والأطفال في حارتنا ينتظرون الشيخ الجليل "بابا نويل" بلحيته البيضاء ولباسه الأحمر ، حاملاً على ظهره كيس الهدايا ، ينتظرونه بلهفة وشوق، فكل الأطفال يُطلّون من النوافذ حتّى محمود الصغير ابن السادسة
في السنة الماضية بكى محمود الصغير وتمرّغ على الأرض ، ورفض أن يفهم أنه مسلم وجيرانه مسيحيون
أنه يريد هدية من بابا نويل ، وكفى
رأى أطفال الحارة هذا المشهد الحزين فتألموا جدًا، ولكن ما العمل والشيخ الجليل كان قد ترك الحارة ؟!
لم يتوقّف محمود عن البكاء الاّ بعد أن وعدته أمّه بأن بابا نويل سيزوره في السنة القادمة
نام محمود في تلك الليلة مُتنهّدًا، ونامت امّه حزينة
وها هي السنة القادمة على الأبواب ، فبابا نويل يقرع أجراس العيد مُرنّماً "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السّلام وفي الناس المسرّة "
ماذا افعل يا الهي ، قالت الأرملة الشّابة أم محمود، فابنها مطمئن بأنّ بابا نويل في طريقه اليه ، لذلك اخذ يُطلّ من نافذة بيتهم الصغير وينتظر كما ينتظر جاراه حنّا وفادي وكلّ أطفال الحارة
انّها أرملة فقيرة وبالكاد تستطيع أن تؤمّن لها ولصغيرها الطعام واللباس والأجر المدرسيّ
كم تمنّت أن تفيَ بالوعد ، ولكن الأمر كان فوق طاقتها
انزوت امّ محمود في غرفتها واخذت تبكي بُكاءً مُرًّا، انّها تريد أن ترى ابنها سعيداّ مثل كلّ الاطفال ، وتريد أن ترسم البسمة على ثغره
وكلما اقترب رنين الأجراس خفق قلبها خفقاناّ شديداّ
المطر يزداد هطولًا ، ترافقه دقّات الأجراس الفضّية الآتية من خلف الباب ، فيهبّ محمود صارخًا : "امّاه
امّاه
ها قد جاء بابا نويل
ها قد جاء بابا نويل"
ويقوم يركض نحو الباب
وتمسح الامّ دموعها وهي تفتح الباب ، وهي تكاد لا تُصدّق ، حقًّا انّه بابا نويل بشحمه ولحمه وكيس هداياه، ومن خلفه جيرانهم حنّا وفادي وأبواهما
قدّم بابا نويل هدية العيد لمحمود وكانت عبارة عن درّاجة حمراء طالما تمنّاها
رقص الأطفال مع بابا نويل وصفّق الكبار ووُزِّعَت الحلوى
دعا أبو حنا وزوجته امّ محمود وصغيرها لقضاء ليلة العيد عندهم ، فوافقت شريطة أن تحتفل معهم وفي بيتها بعيد الأضحى القريب