غني عن البيان أن اكتشافات الغاز الجديدة في حوض البحر المتوسط ستعود بالفائدة الكبيرة على إِسرائيل في مجالها الجيوسياسي، وذلك عن طريق تضييق الفجوات التي كانت موجودة سابقاً بينها وبين بعض الدول المجاورة لها في الإقليم كما ستسمح هذه الاكتشافات أيضاً للدولة الإِسرائيلية بتحسين أمن الطاقة بشكل كبير، وستسمح احتياطيات الغاز الطبيعي المحلية لإسرائيل بتوسيع استهلاكها من الغاز الطبيعي، وبالتالي الحد من التلوث، وتحسين الصحة العامة، والحد من انبعاثات تغير المناخ، كما ستوفر اكتشافات الغاز الطبيعي أيضاً فوائد كبيرة للاقتصاد الإسرائيلي، وستؤدي إِلى انخفاض تكاليف توليد الطاقة. وبالإضافة إلى ذلك: فإن احتياطيات الغاز الطبيعي ستحفز إسرائيل على الانخراط في التطور التكنولوجي العالمي المتعلق باستخدام الغاز الطبيعي في قطاعات متنوعة، مثل النقل. وقد بدأت الحكومة الإسرائيلية بالفعل في تخصيص الأموال الرئيسة، لتعزيز التطورات العلمية في هذا المجال.
إن استغلال الموارد الهيدروكربونية وتصديرها في شرق البحر المتوسط، ينطوي على تحديات تقنية وإدارية وأمنية وقانونية وسياسية هائلة ذات آثار جيوسياسية، وتركز التحديات التقنية على البنية التحتية والتمويل. وتشمل التحديات الإدارية أيضاً قدرة الحكومات على إنجاز ذلك، والرؤية طويلة الأمد على الاستفادة من الاحتياطيات على أكمل وجه.
إن جعل بلدان المنطقة تتعاون معاً يشكل تحدياً دبلوماسياً هائلاً بحاجة للتغلب عليه، يمكن أن يكون المحفل المتعدد الأطراف بين جميع بلدان المنطقة، وقد يؤدي ذلك إلى إعادة رسم الخريطة السياسية والاقتصادية الكاملة للمنطقة، بطريقة تفيد جميع الأطراف. ومع ذلك: ما لم تتفق الأطراف الفاعلة في المنطقة مع بعضها البعض ستفقد هذه الفرص، ومن غير المحتمل التوصل إلى حلول وسط تكون جوهرية، بسبب أطماع الاحتلال الإسرائيلي.
ومن الممكن أن تعيق النزاعات الإقليمية الحالية بين عدة بلدان في شرق البحر المتوسط عمليات التنقيب والتطوير في المنطقة لاستكشاف الغاز الطبيعي واستغلاله، حيث تؤدي النزاعات على الحدود البحرية إلى زيادة التحديات التي تواجه التنمية المشتركة لاستغلال الموارد المحتملة في هذه المنطقة، كما يمكن أن تحد من التعاون بين دول المنطقة بشأن خيارات التصدير المحتملة.
إن إعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسيّة لمنطقة الشرق الأوسط، تبدو حاضرة على مسرح الأحداث الجارية هناك، فلربما نلاحظ تحالفاً ثلاثياً في المدى البعيد ناتج عن تقارب بين إسرائيل وقبرص واليونان، وهذا التقارب مرتبط بمدى الاكتشافات الجديدة للغاز الطبيعي في هذه الدول الثلاثة، وإذا لم تحل الخلافات التركيّة مع هذه الدول. وما يخصّ الدول العربية في شرق البحر المتوسط، فإنها ستتأثر، بل وستعيش في حالة من الضعف خاصة إذا وصل هذا التحالف الثلاثي إلى حقيقة واقعية تتجسد على الأرض، وسينعكس ذلك بالأثر الإيجابي على إسرائيل، وسيمنحها عمقاً اقتصادياً واستراتيجياً مهماً في منطقة الشرق الأوسط، وسيفك العزلة الإقليمية التى كانت مفروضة عليها، وهذا يتجلى بالتوقيع على تصدير الغاز إلي دول الإقليم .
لذلك: من أجل الوقوف في وجه الأطماع الإسرائيلية التوسعية الاستعمارية، وصد هيمنتها على جميع الأصعدة ، يتطلب التغيير الضروري ليكون بمثابة شرطٌ رئيسٌ من أجل إعادة التوازن الجيوسياسي في المنطقة لصالح الدول العربية،هذا بدوره يتطلب أن يبرز الدور الفعال والإيجابى والعملى من بعض الدول العربية فى منطقة الشرق الأوسط، ليُحدث تأثيراً قوياً وفعالاً في رسم سياسة المنطقة في جميع المجالات، مع التركيز بشكل رئيس على الجانب الاقتصادي.
وإجمالاً: فقد حققت السياسة الإسرائيلية خلال الفترة السابقة من الناحية العملية مجموعة من المكاسب في منطقة شرق البحر المتوسط، مما يجعلها بل ويضمن لإسرائيل" تفوقاً اقتصادياً كبيراً، في ظل عدم استغلال إدارة أكبر حقول الغاز الطبيعي في البحر المتوسط في الوقت الراهن وهو حقل "ظهر" المصري العملاق الذي تقدر احتياطاته حوالي 30 تريليون قدم مكعب حيث يتطلب هذا وجود رؤية إستراتيجية مصرية في هذا الإطار وأهمها مصالح مصر الإقتصادية ، وفي المقابل: نرى غالبية دول الإقليم قد بدأت في التحرك وبشكل سريع من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من "كعكة" الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط، والجميع يتنافس، ويبحث عن مصالحه بالدرجة الأساسية، وستكون الغلبة للأقوى، ومن يسيطر على أكبر قدر من احتياطيات الغاز الطبيعى في منطقة حوض شرق البحر المتوسط. ولذلك: فإن المنطقة ستبقى تتراوح ما بين النفوذ والتعاون، وذلك حسب تقدير المصالح المشتركة بين دول المنطقة.
لذلك: فإِن التداعيات الإيجابية تخص إسرائيل ذاتها، وتصب في كفة موازين القوة الإسرائيلية على حساب كفة موازين القوة العربية، وخاصة من الناحية الاقتصادية العسكرية والإستراتيجية، وبالتالي: ستعزز من نفوذها على الدول العربية وغير العربية في المنطقة ، وفرض سياسة الأمر الواقع . .
ولكن علي صعيد السلطة الفلسطينية فإن إسرائيل تقوم بإستغلال حقول الغاز البحرية الواقعة في حدود المنطقة الإقتصادية لقطاع غزة مستفيدة بذلك من الإنقسام الفلسطيني الحالي ،إضافة إلى الضغط الشديد الذي يتعرض له القطاع جراء الحصار الشديد المفروض عليه مع عدم مقدرة السلطة الفلسطينية على الوقوف بوجه إسرائيل والمطالبة بالحقوق والثروات الفلسطينية البحرية في شرق البحر المتوسط .
وعلاوة على ما سبق، فنؤكد بأن اكتشافات الغاز الطبيعي الحالية في شرق البحر المتوسط، تتيح آفاقاً كبيرة لأمن الطاقة في دول المنطقة، حيث من المتوقع أيضاً أن تصبح هذه الدول مصدراً جديداً للغاز الطبيعي بحلول عام 2020، وستعزز أيضاً الاقتصاد المحلي لدول المنطقة ولا سيما قبرص، وفي نهاية المطاف أيضاً ستعزز الاقتصاد اللبناني والفلسطيني، وبرغم العوائق التنظيمية الجيوسياسية والتجارية التي يواجهها تطوير الغاز الطبيعي وتصديره في شرق البحر المتوسط، إِلاَّ أنه في نهاية المطاف سيغير لعبة الطاقة في المنطقة، وفي الأَسواق العالمية أيضاً . وخاصة القارة الأوروبية التي ما زالت تعتمد إلى حد كبير في وارداتها من الغاز على روسيا التي يفرض عليها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة فعليا عقوبات اقتصادية منذ أزمة جزيرة "القرم"، ومن ثم فإن البديل المطروح عليها كان الغاز الأميركي بتكلفته الأعلى أو أن يأتي الحل من الجنوب الشرقي عبر اكتشافات الغاز الأخيرة في شرق المتوسط، حيث سيكون في كل الأحوال الأقرب إلى أوروبا.
لهذا كله تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تغيير الأقطاب في النظام الإقليمى لهذا الحوض بما يخدم توجهاتها الأستراتيجية في تأمين الطاقة حسب سياسة الأحلاف والدول التى تدور في فلكها .
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com