تعَلّمَ راشد في درسِ العلومِ عن الأزهارِ البَرِّيةِ : موسمُها, أَلوانُها وفوائدُها . وعَلَّقتِ المعلمةُ صورةً في الصَّفِ فيها جميعُ أنواع الأزهارِ البريةِ. وعندما رجعَ الى البَيْتِ شَرَح لأُمِّه عَمّا تَعَلَّمَ ، ولكنَّهُ أرادَ أن يرى الأزهارَ حقيقةً وليس صورة. فَطَلَبَ من أُمِّهِ الذّهابَ إِلى الْبَرِّ لمشاهدةِ الأزهارِ. فقالتِ الأُم سأذهبُ مَعَكَ يومَ الجُمعةِ لأنهُ يومُ عُطْلَة. سنذهبُ أنا وأنتَ وأخوكَ رائد. وفي يومِ الجمعهِ خرجوا الى البَرِ، وشاهَدوا أزهاراً تنتشرُ هُنا وهُناكَ بألوانٍ مختلفةٍ مُتَنَوِّعَةٍ. وكم كانَ المنظرُ جميلاً والطَّقسُ غائماً جُزئيّاً وكانَ في أواخِرِ الشّتاءِ. بَدأ راشدُ يتنَقّلُ من زهرةٍ الى أُخرى ليرى جمالَها ويشُمَّ رائحَتَها وَيَحِسُّ مَلْمَسَها. وقفَ أولاً عندَ الْوردةِ الْحمراءَ – الْبرقوقَهُ ويُسَمّونَها الزُّقوقيا . فَأُعجِبَ كثيراً بجمالِها, ولَمَسَها بيَدِهِ فوجدَها ناعِمَةَ الملْمسِ . وسأَلها : لماذا أنتِ حمراءُ اللَّوْنِ؟ فأجابَتِ الزّهرةُ : لأنّ الكُلَّ يُحِبُّني فَصِرْتُ أَشعرُ بالْخجلِ فَاحْمَرَّتْ خدودي وصاروا يُسَمّونني وردَةَ الحُبِّ. ثُمَّ انتقلَ إِلى الْوردةِ الْبيضاءَ، نظرَ إِليها فَأُعجبَ بِرِقَّتِها وسأَلها: لماذا أنتِ بيضاءُ اللَّونِ؟ أَجابتْهُ: لأنَّني طاهِرةً نَقِيَّةً. قلبي أبيضُ لا أعرِفُ الْغُشَّ ولا الْكبرياءَ, لِهذا سَمّوني رَمْزَ العَفافِ والطّهارةِ. ثُمَّ انتقلَ إِلى الْوردةِ الصَّفراءَ, وسأَلَها: كيف تَلَوَّنتِ بالْلَّونِ الأصفرِ؟ فأجابَت: مِن غيرتي, فأنا أَحْسِدُ الْوردةَ الْحمراءَ على جَمالِها ، والْغيرةُ أكلتْني فاصْفَرَّ وجهي، وصاروا يُسَمّونَني الغَيورَةَ. ثُمَّ انتقلَ إِلى الْوردةِ اللّيلكيّهِ وسأَلَها: كيفَ تَلَوَّنتِ بهذا اللَّونِ؟ أجابت : لأني دائماً مُحتارَةٌ, مُلَبَّكَةٌ فأصبحَ لوني لَيلكِيّاً. ثُمَّ انتقَلَ لِزهرةِ النّرجِسِ، فأُعْجِبَ بلونِها الأبيضِ وساقِها الطّويلِ الْمُنتصِبِ ورائِحتِها الذّكيَةِ الْعطِرَةِ. فقالَ لها: صحيحٌ أني أحببتُ كُلَّ الأزهارِ وخاصّةً الْحمراءَ ولكنَكِ تمتازينَ بالرّائحةِ الْعطرةِ الْمنعشةِ. أَجابتْهُ لهذا يزورُني الْنَحلُ ليأخُذَ الرَّحيقَ لِصُنعِ الْعسلِ. فقالَ لها: سأقطِفُ من كُلِّ نوعٍ من الأزهارِ وأعملُ باقةً للصَّفِ وأُخرى للبيتِ فأُزيّنُ بِها بيتي. فَأجابَتْهُ الزّهرةُ: لا، لا أُوافقُ على ذلِك. فالّذي يُريدُ رُؤيَةَ الأزهارِ عليهِ أن يأتيَ إلى هُنا فَيرانا بِدونِ أن يُؤْذيَنا، لأنَّ اللهَ خَلَقَنا للْجمالِ لِنُزَيّنَ الطّبيعةَ بِجَمالِنا. أُنظُر الى الْفراشاتِ كَيفَ تزورُني لأنّها تُحِبُّني , والنّحلُ يأتي إِلَيَّ ليأخُذَ الرَّحيقَ لصُنعِ العسلِ . والنّحلُ والْفراشُ أيضاً يُساعِدُ على تلقيحِ الأزهارِ، عندما يَعلَقُ بأرجُلِها غُبارُ اللُّقاحِ بواسطَةِ شُعيراتٍ موجودةٍ في الأرجُلِ، وعندَ انتقالِها من زهرَةٍ إِلى أُخرى تَقَعُ حُبَيْباتُ غُبارِ اللُّقاحِ على الأزهارِ فَيَتِمُّ التّلقيحُ. وكيفَ سَتُصبِحُ الطّبيعةُ لو كُلُّ إِنسانٍ قطفَ من أَزهارِنا!؟ سَنُصبحُ مِثلَ صَحراء قاحِلةٍ بدونِ أَلْوانٍ مُمْتِعَةٍ. وكَيفَ لَنا أن نَنبُتَ مَرَّةً أُخرى في السّنةِ القادمةِ عندَ مجيءِ الشِّتاءِ والرّبيعِ؟ فسأَلها راشِد: وكيفَ تَنبُتينَ مَرَّةً أُخرى؟ فأجابتِ الأزهارُ: عندَما ينتهي الْربيعُ يأتيَ الصَّيْفُ ويُصبِحُ الطّقسُ حارّاً نَذبُلُ منَ الْحَرِّ والشّمسِ ثم نَيْبَسُ ، وتقعُ بُذورُنا على التُّرابِ وتَـنْدَمِلُ بهِ لِتَنامَ فترةَ الصّيفِ والْخريفِ إِلى أن يعودَ الشّتاءُ والرّبيعُ ، فالشّتاءُ يروينا بأمطارِهِ فتبدأُ بالنُّموِ وتعملُ جُذوراً في الأرضِ، ويرتفعُ ساقُها إِلى أن تُبَرْعِمَ لِتَخرُجَ الزّهرةُ وتتفَتَّحَ قليلاً قليلاً لِتُصبِحَ كاملةً. فقالَ لها راشد: الآنَ فَهِمْتُ لماذا لا تبقينَ طيلةَ أَشهُرِ السَّنةِ! لأن الشَّمسَ تحرِقُكِ في الصَّيفِ وتنامُ بذورُكِ في التّرابِ لِتعودَ وتنبتَ في الشّتاءِ. والآنَ فَهِمْتُ أيضاً لماذا تُمانِعينَ في قَطفِكِ لكَي تُحافظي على بُذورِكِ لِتعودَ وَتَنموَ مَرَّةً أُخرى.
سبحانَ اللهِ الّذي خلقَ الكَوْنَ، السّماءَ والأرض، الْجبالَ والتّلالَ، الْبِحارَ والسّهولَ والْوُعورَ، وجمَّلَها بالأشجارِ والأزهارِ. وخلقَ الْحيواناتِ والطُّيورَ، الْحَشراتِ والإنسانَ, فاللهُ الّذي خلقَ لَنا هذِهِ الطّبيعةَ الْجميلةَ ، ما علينا إِلا أن نُحافظَ عليها لِتبقى مُتْعَةً لِلّناظِرِ . وبَلْسَمَ هَواءٍ عاطِرِ .